" قطر تعلّق آمالها على خمسة لاعبين من البلقان، واثنين من سوريا، وواحد من كوبا، وإسباني وفرنسي، للفوز بأول ذهبية لها في الأولمبياد", هكذا علّقت التليجراف البريطانية عن طموح منتخب قطر لليد في ريو ! الأمر لم يخلُ من حماس المعلقين العرب علي الفضائيات الخليجية علي مباريات العنّابي, كما لم يخلُ من الخيلاء بمنتخب صار في زمرة الكبار في اللعبة ومرشحا قويا لنيل ذهبية غالية باسم قطر والعرب, غير أن دانييل ساريتش وجوران ستانكوفيتش ورافاييل كابوتي وثلاثة وعشرين لاعبا آخر كانوا يحملون سبعة عشر جنسية غير عربية قبل عدة سنوات لم يكن بمقدورهم صناعة التاريخ، كما كانت تقضي عقود شرائهم, فخرج العنّابي من دور الثمانية بشكل مهين وبنتيجة مخيبة أمام نظيره الألماني ! كانت حظوظ الإماراتيين أفضل قليلا في هذا الشأن, حيث ظفر سيرجيو توما بميدالية برونزية هي الوحيدة التي نجحت الإمارات العربية في ايداعها سجلاتها, والتي كانت باكورة ميداليات الخليج العربي, وهي الميدالية التي اضطرتني لمشاهدة بث الدورة الأولمبية ليومين بلا صوت, أملا في عدم إفساد متعة المشاهدة بصراخ الأدرينالين الخليجي ! وحدها البحرين هي من استطاعت عقد الصفقة الرابحة, فقد رُفع علمها خفّاقا في المنتصف, و عُزف سلامها الوطني فيما وقفت بطلتها وبطلة العرب راث جيبيت في منتصف منصة التتويج لتتقلد الذهب, كما فازت زميلتها البحرينية أونيس جبكيروي كيروا بفضية أخري في العدو أيضا, و لم يعكر صفو هذا الانتصار المدوي سوي إصرار بعض الصحف الغربية علي تذكير الناس أن العدائتين هما من أصل كيني ! غير أن هذا لم يمنع الخليج من الإحتفال والجعير علي الفضائيات, و لمن لا يعلم حجم هذا الإنجاز البحريني فعليه أن يتذكر أن هاتين الميداليتين هما الثانية والثالثة علي التوالي في تاريخ البحرين الأوليمبي, فلم تتحصل ممكلة البحرين في تاريخها الأولمبي سوي علي ميدالية واحدة فازت بها مريم يوسف جمال في أولمبياد لندن 2012, و إن بد اسم مريم غريبا في سياق تلك الكوكبة العربية من الأسماء المتوجة بالذهب و الفضة و البرونز , فيجب ألا ننسي أن مريم هي إثيوبية الأصل، ومرت بمعاناة بالغة ربما ليس الآن مجال سردها! نفس الشئ و لكنكم تحبون الكفّار ! و الثابت أن شراء الرياضيين لصنع التاريخ في المحافل الرياضية الدولية ليس حكرا علي الخليج العربي وحده, فالغرب يفعل هذا أيضا, فالمنتخبات الرياضية الأوروبية تعج بسمر البشرة ذوي الأصول الإفريقية وبغيرهم من الأصول المغاربية و الأسيوية و اللاتينية, ولا ننسي تندر المصريين علي منتخب فرنسا لكرة القدم الذي لعب نهائي بطولة الأمم الأوربية المنصرمة ونعتهم له بمنتخب أفريقيا, كما أن دول المهجر كالولايات المتحدة و كندا و استراليا هي دول صنعت نهضتها و نموها و تاريخها كاملا –و ليس الرياضي فحسب- علي أكتاف الملونين علي اختلاف درجات لون بشرتهم, فهل يكون استنكار ما يفعله الخليج غبنا لحقه وإدانة انتقائية لممارسات يفعلها الغرب بشكل إعتيادي دون أن تستدعي السخرية أو النقد ؟! لماذا إذا يُعتبر الخليج العربي متاجرا بالبشر, فيما يُنظر للغرب باعتباره مانحا للبشر الفرص! ربما لأن الأمر كذلك بالفعل, فالغرب لا يمنح الفرص للرياضيين فقط, وإنما يمنحها لكل المتميزين في العلوم والفنون والأدب وحتي المهن الحرفية, فباستطاعة أي مواطن في قاع العالم الثالث –إن رأي في نفسه تميّزا- أن يتقدم ببساطة بطلب هجرة إلي أي من تلك البلدان, بالطبع لن يقبل الغرب كل الراغبين, ولكن تظل الفرص قائمة أمام الجميع نظريا, كما أن قبول المهاجر في تلك المجتمعات التعددية يمنحه ذات الحقوق التي يتمتع بها أولئك من أنقياء العرق ومتجنسي المولد, فأضعف الإيمان أنك لن تجد تمييزا قانونيا أو دستوريا بين المتجنسين بالهجرة و المتجنسين بالمولد ! علي الضفة الأخري لا يمكننا قول ذلك عن الخليج أو العرب عموما, فانا أعلم شخصيا أقارب و أصدقاء يقيمون بالخليج العربي لما يربو عن الربع قرن, ويقدمون لتلك الدول خدماتهم بتفان و إخلاص شديدين, لكنهم لا زالوا في أعين تلك الدول وافدين منزوعي الحقوق يرتبط وجودهم هناك برغية كفيلهم الذي يملك مصائرهم! وهؤلاء الوافدين –أيا كانت مهاراتهم أو تميّزهم- لا يملكون الحق أصلا في التجنس, كما لا يحق لهم الكثير مما هو متاح للمواطنين ! ليس هذا فقط, بل انظر لحال مواطني الخليج ذاتهم, ستجدهم يفتقرون لأبسط حقوق المواطنة, فأمور كحرية التعبير وإبداء الرأي وممارسة العمل السياسي والنقابي والصحفي والحقوقي وحقوق المرأة هي أمور مجرّمة إبتداءا في كامل الخليج العربي, وهنا يستعيض المواطنون لإشعار ذواتهم بالتمييز عن الوافدين إلي الإغراق في ااستهلاك و في الطائفية و في هلاوس الماضي, الأمر الذي يتطبّع به الوافدون أنفسهم حين يعودون إلي بلاد منشأهم, و هو أمر لا تخطئه العين في تلك الفئات الوسطي المصرية التي أثرت بأموال الخليج, و كأن مجتماعاتنا الفقيرة بحاجة إلي مزيد من التخريب القيمي! وهنا وفي ظل الحفاوة ببطلات أولمبية يصنعن التاريخ والفخار الوطني ويحققن ثلثي غلة الخليج من الميداليات علينا أن نتسائل, هل يعني هذا أن تُمنح النساء في الخليج حق قيادة السيارات مثلا, أو يعني هذا مراجعة في حجم المعاناة اليومية التي تعانيها المرأة العربية, أو يقلل من التحرش بها لفظيا و جسديا و انتهاكها و استباحتها! هنا تبدو المقارنة جائرة بين ما يفعله الخليج وما يفعله الغرب, ففيما يتّجر الخليج بالبشر ويعاملهم –مواطنين ووافدين ورياضيين نساءً و رجالا- كسلعة تختلف قيمتها باختلاف الحاجة إليها, يتّجر الغرب بأحلامهم و يمنيّهم الحياة, وعلي قسوة الأمرين إلا أنه لا يمكنك الانحياز للأول بأي حال! وإن كان الخليج يتاجر بالبشر ويشتري الرياضيين كسلعة, فمصر أيضا ليست بأحسن حال, فهي تتاجر بمنجزات مناضلي الرياضة المصرية, هؤلاء الموهوبين المميزين الذي يخرقون قوانين الطبيعة وحسابات المعطيات و النتائج, والذين أدركوا مَلَكاتهم في بلد قد يعجز الإنسان حتي عن إدراك معالم محيطه السكني من كم الإستغراق في المحنة, وعندما يصنع هؤلاء الموهوبون التاريخ بلا مساعدة من أحد, إذا بالدولة تفتئت علي منجزاتهم و تنسبها لمسئولين لم يكن يعنيهم سوي بدلات السفر ! لا يمكن بأي حال التقليل من إنجازات الرياضيين في محفل دولي كالأولمبياد, سواء اضطر هؤلاء الرياضيون للعب تحت أعلام غير تلك التي تمنّوا الإنتماء لها, أو أولئك الذين تُستباح منجزاتهم من قِبل من يحتكر تلك الأعلام, لكنه وعلي أي حال في ريو نجح المواطنون وسقطت الأوطان!