علاء عزت بدأ التناول الإعلامى، ليس العربى فقط، بل والعالمى، يغير من طريقة تناوله لقضية التجنيس الرياضى، والتعامل معها على أنها جريمة لا يعاقب عليها القانون، لعدم وجود لوائح فى أى من المنظمات الرياضية العالمية أو الاتحادات الرياضية الدولية تجرم التجنيس حتى الآن. التجنيس الرياضى جريمة ترفضها الشعوب، ويباركها القائمون على الرياضة، وهى الظاهرة التى كانت حديث العالم كله بعد دورة الألعاب الأوليمبية التى أقيمت فى لندن عام 2012. وقبل أن نغوص فى أعماق تلك القضية الشائكة، نتوقف أمام واحدة من أغرب وأكبر قضايا التجنيس الرياضى التى شهدتها دورة لندن الأوليمبية، وكانت بطلتها قطر الطرف الدائم فى قضايا التجنيس، حيث شاركت فى أوليمبياد لندن 2012 ب 12 لاعباً ولاعبة فى عدد من الرياضات أهمها ألعاب القوى والرمى والسباحة، وكان ملاحظا أن البعثة القطرية يغلب عليها كالعادة مجنسون من دول عربية عدة، مثل السباحة اللبنانية الأصل ندى عرقجى فى سباق 50 متر حرة، والعداءان المغربيان حمزة دريوش ومحمد القرنى فى سباق 1500م جرياً، والعداء السودانى مصعب عبدالرحمن بلا فى سباق 800 متر، والسباح الفلسطينى الأصل أحمد غيث عطارى بسباق 400 متر، والعداءة العراقية الجنسية نور حسين المالكى بسباق 100 متر، والمصرية آية محمد بلعبة كرة الطاولة. والمضحك أن قطر فازت بميداليتين برونزيتين جلبهما مواطنان قطريان وهما نصار العطية ومعتز برشم فى الرماية والعاب القوى فيما فشل المجنسون .. وإن كانت تقارير إعلامية قد شككت فى أصول معتز برشم. مجد بريطانيا وعار البحرين وإذا كانت وسائل الإعلام البريطانية، قالت بلا أى تحفظ، إن العداء الصومالى المجنس محمد فرح قد جلب للإمبراطورية العظمى كل الفخر، فإن وسائل إعلام عربية تحدثت قبل سنوات عن العار الذى ألحقه عداء كينى بالبحرين . إنه العداء سالم جوهر، هكذا كان اسمه بعد حصوله على الجنسية البحرينية، هو لاعب وعداء كينى – مسيحى كاثوليكى – تم تجنيسه بجواز سفر رسمى من قبل مملكة البحرين الشقيقة من أجل أن يحقق للبحرين بطولات وألقاب عجز عن تحقيقها أبناء وبنات البحرين، ومثل البحرين فى بطولات دولية وعالمية كثيرة دون أن يحقق شيئا على الإطلاق، وعاد لوطنه الأصلى كينيا، يحمل جوازه البحرينى، حيث أعلمه أحد تجار الرياضة، بأن هناك سباقا اسمه (سباق طبريا) فى فلسطينالمحتلة (الكيان الإسرائيلى) يشارك به عداؤون أجانب – فسارع سالم جوهر للاشتراك، وحصل على المركز الأول وذلك قبل 8 أعوام من الآن وتحديدا عام 2007، وتم نشر صورة له فى الصحف اليهودية وهو يحمل علم البحرين وكتب تحت صورته، أول لاعب عربى خليجى يلعب فى إسرائيل ويحصل على بطولة.. وبالقطع أثار الأمر قضية وضجة كبيرتين وقتها. وعند سؤاله عن الموضوع قال بأنه لم يكن يعلم بأنه أول لاعب عربى يقوم بهذا، ولكنه سعيد أشد السعادة لأنه حقق هذا النصر له شخصيا! عدوى التجنيس تنتقل عربيا واللافت للنظر كان ظهور دعوات إعلامية فى عدد من الدولية العربية، وتحديدا دول الخليج، تدعو إلى مواكبة موضة التجنيس، وظهرت الدعوات أول ما ظهرت فى السعودية وسلطنة عمان .. خصوصا بعد أن قلل الكثيرون من أهمية الحديث عن ولاء الرياضيين . بل وظهرت دعوات تؤيد الفكرة، وهناك من ردد أن للتجنيس فوائد كثيرة من بينها اتساع قاعدة التنافس بين الرياضيين وتحطيم الأرقام القياسية، وفى السنوات الأخيرة، تعددت ظاهرة التجنيس فى وطننا العربى وفى مختلف الرياضات، فإذا كان الرياضى المتجنس سيفيد البلد ويعطى ألقابا عالمية فمرحبا به وتجاهل الأقاويل التى تنادى بأن الفوز يجب أن يكون 100 بالمائة من أصل جزائرى أو مصرى أو سعودى أو قطرى أو تونسى. والأمثلة عديدة، فهدّاف كأس العالم 1958 الفرنسى فونتين ولد بالمغرب، وزين الدين زيدان من أصل جزائرى وأسطورة الكرة الفرنسية بلاتينى من أب إيطالى، والعرب حريصون على امتلاك جنسية ثانية فرنسية إنجليزية أمريكية بالأساس. تناقض الجزائر فى الوقت الذى تفخر فيه الجزائر بأن أسطورة الكرة الفرنسية زين الدين زيدان من أرض بلد المليون ونصف المليون شهيد، رغم أنه لا يتكلم العربية، فإننا فوجئنا بصحف الجزائر تخرج تشيد بإنجاز بطلها مخلوفى وتتباهى كونه يتحدث اللغة الجزائرية الدارجة، وهو ما جعلها دون سابق إنذار تشن حربا غير مبررة على نجوم منتخب الجزائر الأول لكرة القدم بدعوة أن غالبية هذا المنتخب مكون من لاعبين مفرنسين، أى يحملون الجنسية الفرنسية، أو يعيشون فى فرنسا، ولا يتحدثون إلا الفرنسية. واللافت أن الإعلام العربى دائما وأبدا ما يتباهى ويتفاخر بأى نجم عالمى له جذور عربية يقود أى بلد أجنبى لإنجاز رياضى، مثل فخر الجزائر بزيدان، ومن بعده العدّاء الجزائرى المهدى باعلا نجم فرنسا فى ألعاب القوى، وافتخار المغرب باللاعب عبد اللطيف بنعزى كابتن المنتخب الفرنسى للرجبى أحد أبرز اللاعبين الفرنسيين فى تاريخ اللعبة حاليا، كما أنه يعد المحرك الأساسى للفريق، وقبلهم كان افتخار اليمن والعرب بالبطل العالمى للملاكمة نسيم حميد، اليمنى الأصل البريطانى بالتجنس. ويحتفل إعلام الجزائر دوما بأن مجد فرنسا فى الدورات الأوليمبية فى بداية التاريخ تحقق بفضل أبطال جزائريين، منها ذهبية الجزائرى «الوافى بوجرا» فى أوليمبياد "أمستردام 1928، وهناك ذهبية و3 فضيات أوليمبية فاز بها الجزائرى «على ميمون عكاشة» الذى جنسه الفرنسيون واستبدلوا اسمه فأسموه "آلان ميمون". والأكثر من ذلك، يقال إن المنتخب الفرنسى منذ عام 1923وحتى منتصف الخمسينيات، كان مكونا بالكامل من لاعبين جزائريين ومغاربة . غير أن عملية التجنيس التى توقفت بشكل إجبارى عقب استقلال دول المغرب العربى، لم تفتأ أن ظهرت بشكلها الاختيارى، الأمر الذى دفع العديد من العدائين لاستغلال فرصة تمثيل بلدانهم الأصلية فى بلدان أوروبية ليتخلفوا عن العودة لبلدانهم ويصبحون فى وضعية غير قانونية سرعان ما يتم تجاوزها بقانون التجنيس. وتقدر إحدى الصحف الأجنبية: عدد العدائين المغاربة المجنّسين بأكثر من 120 عداء وعداءة منتشرين فى 15 دولة، من بينها إسرائيل.. ففى دورة بطولة العالم فى مدينة "أدمونتون" الكندية 2001، شارك فى سباق الماراثون فرنسيون من أصل مغاربى «محمد الزهر» و«عبد الحكيم باجي» و«العربى الزروالي» و«عبد الله بحار»، والأمريكى «خالد الخنوشي» والإسبانى «كمال زياني» وهم 6 مغاربة فى سباق واحد. وكانت فرنسا تعقد آمالا كبيرة على عدائها المجنس الجزائرى «المهدى باعلا» فى إطار منافسات بطولة العالم للقوى وبالفعل تمكن باعلا تمكن من تحطيم الرقم القياسى الفرنسى فى ال1500 متر عدو. من جهتهم، يؤكد خبراء ألعاب القوى المغربية أن أهون أنواع التجنيس التى يمكن أن يتعرض لها بلد من البلدان النامية هو هجرة الرياضيين.. ويعللون ذلك بأن الدول لا تنفق فى صناعة عداء دولى مقدار واحد من الألف مما تنفقه على إعداد طبيب أو مهندس، ثم تتركهم يهاجرون لبلدان أخرى ترعاهم وتقدّم لهم الجنسية والرعاية على طبق من ذهب. ففى بطولة العالم لألعاب القوى لا يسمح للبلد الواحد الاشتراك بأكثر من 3 مشاركين فى سباق واحد، ومن السهولة بمكان أن يتوافر فى البلد الواحد أكثر من 10 عدائين مؤهلين، كما حصل للمغرب خلال المواسم الماضية، كما حصل لكينيا منذ عقدين.. فالدانماركى الأسود «ويلسون كيبكتر» لم يحمل جنسية هذا البلد الإسكندنافى من أجل عيونه، وإنما لأن المنتخب الكينى كان يعجّ بالنجوم الذين يتنافسون فى تصفيات محلية للحصول على موقع قدم فى منتخب بلدهم، وعندما فقد «كيبكتر» الأمل فى دخول المنتخب الكينى، استجاب لإغراء دانماركى يؤهله ليكون نجم بلده الجديد. وإذا كانت قطر أكثر الدول العربية التى يهجرها رياضيوها، فإن قطر تعد إحدى أبرز الدول العربية التى تستقطب النجوم الرياضيين فى الفترة الأخيرة، خاصة بعدما أصبح منتخبها للأثقال والقوى يعج بأكثر من لاعب أجنبى مجنس، وكان العداء الكينى السابق «ستيفن تشيرونو» والقطرى حاليا «سيف سعيد شاهين» صاحب الفضل فى اتجاه قطر للتجنيس بعدما تمكن فى أثناء المشاركة فى بطولة العالم التاسعة لألعاب القوى ضمن تشكيلة المنتخب القطرى، من إحراز أول ميدالية ذهبية لقطر فى بطولة عالمية فى رياضة أم الألعاب، بعدما فاز بلقب سباق 3 آلاف متر موانع.