ساعة مع زهير.. هو زهير بن ربيعة بن رباح المزني، من قبيلة مزينة التي كانت تجاور قبيلة غطفان في حاجر بنجد، شرق المدينةالمنورة، عاش والده في غطفان مع أخواله حتى ظن الرواة فيما بعد أن زهيرا غطفاني النسب. زهير شاعر مضري، عاصر الحرب التي نشبت بين عبس وذبيان "داحس والغبراء"، غير أن معلقته الشهيرة "أمن أم أوفى" قالها في مدح السيدين الكريمين اللذين سعيا بالصلح بين عبس وذبيان، وتحملا ديات القتلى. يبدأ زهير معلقته كعادة القدماء جميعا بالوقوف على الأطلال ووصف رحيل محبوبته، يليها بمدح السيدين وهما هرم والحارث ابن عوف، ثم ينهي قصيدته بأبيات غاية في الجمال، خاصة أن زهير نشأ في بيئة شعرية لا مثيل لها، فأبوه شاعرا وخال أبيه بشامة شاعرا، وأوس بن حجر زوج أمه شاعر مضر، وأختاه سُلمى والخنساء شاعرتين، ونتيجة لهذه الحياة الشعرية الخصبة، أصبح زهير حكيم الشعراء في الجاهلية، وبعض أئمة الأدب يفضلونه على شعراء العربية كافة، فهو صاحب "الحوليات" وترجم شعره للألمانية، غير أن المستشرق الألماني "Dyroff" ألف كتابا عن زهير وأشعاره. يبدأ طه حسين ساعته مع زهير بقول صاحبه: أما زهير فإني أراه قريبا منا، يسيرا علينا، لا نجد في قراءته جهدا، ولا نحتمل في فهمه مشقة، ولا نحس بيننا وبينه هذه الفروق العظيمة التي نحسها بيننا وبين غيره من الشعراء، ولذلك أستثنيه من أصحابه القدماء، وقد قرأت وحفظت من شعره الكثير، ورأيت أن معلقته ليست أعظم شعره، فله من الشعر الأجمل منها. أقر طه حسين بما قال صاحبه في حق زهير، فهو شاعر مطبوع، سهل اللفظ، وكانت معلقته لوحة فنية من لوحات الشعر القديم وإن لم تكن أفضل ما عند زهير، فهي سهلة يسيرة بخلاف الشعر الجاهلي، فتعالى معي نستمع له إذ يقول: أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةً وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً فَلَأياً عَرَفتُ الدارَ بَعدَ التَوَهُّمِ أَثافِيَّ سُفعاً في مُعَرَّسِ مِرجَلٍ وَنُؤياً كَجِذمِ الحَوضِ لَم يَتَثَلَّمِ فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِها أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ انظر صاحبي لهذه الوحة الفنية، لكن بعين صابر محب للفهم، فما يود زهير إخبارنا به أن هذه الديار هجرت من فترة طويلة جدا والدليل كلمة دمنة، وهي ما أسود من الديار لبعد هجرها، أما حبيبته فكنيتها "أم أوفى"، وحومانة الدراج والمتثلم، موضعان كانت توجد حبيبته فيهم، وهنا يسأل بنوع من الشك فهو إلى الآن يشك في صحة هذه الديار لطول الهجر فهل هي لحبيبته أم لا؟ في بيته الثاني يقول من طول هجرهم لهذه الديار انمحت أثارها، فاصبحت كوشم في جد مر عليه وقت طويل فلا تستطيع أن تتبينه، بعدها يخبرنا بأن الوحش سكن الديار لعدم وجود أهلها فيها، أما عندما قال: وقفت بها من بعد عشرين حجة، دل على طول الفترة وأنه عرف وتأكد أن هذه ديار حبيبته بعد تعب وإمعان شديدين أكدا له أن هذه ديارها. تنتهي ساعة زهير بعد أن أتم طه حسين ترجمة المعلقة لصاحبه، ثم يلتقي بصاحبه ساعتين بعدها ليغوصا معا في أبيات زهير، وهذه ما قاله طه حسين لصاحبه في ساعته الأخرى مع زهير: إن ما بقي لنا من شعر زهير هو ما حفظه لنا الديوان، وذهب أكثره في المدح، وقليله في الهجاء، وأقله في الرثاء، وبعضه فيما يعرض من أحداث تدفع البدوي لكتابة الشعر.