دول قليلة تعلمت من تاريخها جيدًا يبدو أن الصين إحداها، فقد خبرت السياسة البريطانية جيدًا من خلال حربي الأفيون التي جرت بينهما في القرن التاسع، حيث كانت تسعى بريطانيا لاستنزافها اقتصاديًا وشعبيًا عن طريق المخدرات، الأمر الذي رفضته الصين ما أدى لاشتعال حرب بينهما اضطرت الصين وقتها لتقديم تنازلات مازالت تدفع ثمنها حتى الآن، إذ تنازلت عن جزر هونج كونج لبريطانيا والتي أصبحت فيما بعد قاعدة عسكرية وسياسية لها، وحتى بعد استقلالها عن بريطانيا، فإن هونج كونج مازالت تتمتع حتى الآن بدرجة عالية من الحكم الذاتي رغم أنها تخضع للحكم الصيني. ويبدو أن تاريخًا طويلًا من عدم حسن النوايا قد نشأ بين لندنوبكين، ومازال يلقي بظلاله حتى الآن، وتجلى ذلك بشكل واضح مؤخرًا في "مشروع هينكلي" النووي. مشروع نووي يهدد مشروع هينكلي للطاقة النووية العلاقات الثنائية بين بريطانياوالصين، التي دخلت في "منعطف تاريخي حاسم"، حسب ما ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز، الاثنين الماضي، وأثار إعلان الحكومة البريطانية تأجيل إنشاء محطة للطاقة النووية في هينكلي غرب إنجلترا بقيمة (23.47 مليار دولار)، حفيظة بكين التي تشارك في المشروع. تلكؤ بريطاني كتب سفير الصين لدى بريطانيا، ليو شياو مينغ، في الفاينانشيال تايمز إنه يأمل أن تبقي بريطانيا بابها مفتوحا أمام الصين، وأن تواصل الحكومة البريطانية دعمها لمحطة هينكلي بوينت، وتتوصل إلى قرار بالسرعة الممكنة كي يمكن البدء في المشروع بشكل سلس. ونقلت فاينانشال تايمز عن مسؤولين صينيين قولهم إن أي إلغاء لاتفاق هينكلي سيؤثر على الأرجح على الاستثمارات الصينية المزمعة في بريطانيا. وتولي الصين مشروع هينكلي أهمية بالغة، إذ ينظر إليه على أنه يمهد الطريق لمشروع آخر في بريطانيا، سيستخدم التكنولوجيا النووية الصينية. وكانت بريطانيا قد قالت الأسبوع الماضي إنها تريد تعزيز العلاقات مع الصين لكنها تقاوم ضغوط بكين للتوقيع على المشروع الذي أجلته في اللحظة الأخيرة رئيسة الوزراء تيريزا ماي. قصة المشروع طبقا للاتفاق الذي تم التوصل إليه في أكتوبر الماضي فإن مجموعة الشركات الصينية بقيادة مؤسسة الطاقة النووية العامة الحكومية سوف تمتلك حصة بنسبة 33.5% من المشروع بينما تملك إليكتريك دو فرانس الفرنسية حصة تبلغ نسبتها 66.%، وكان من المفترض أن توقع الحكومة البريطانية والشركة الفرنسية والمؤسسة الصينية الاتفاق يوم 29 يوليو. في 28 يوليو الماضي، أعلنت الحكومة البريطانية الجديدة تأجيل موافقتها النهائية على مشروع بناء المحطة، وبعد إعلان مجلس إدارة "كهرباء فرنسا" الشهر الماضي الموافقة على إطلاق عملية البناء، قالت الحكومة البريطانية الجديدة إنها تحتاج إلى مزيد من الوقت "لدراسة أكثر دقة" للمشروع، قبل أن تصدر قرارها النهائي مطلع الخريف. وبينما تحتاج المملكة المتحدة التي خرجت من الاتحاد الأوروبي إلى إقامة تحالفات تجارية متينة خارج الاتحاد، يمكن أن يشكل هذا التأخير ضربة لعلاقاتها بالصين ثاني قوة اقتصادية في العالم، ويبدو أن تأخير القرار النهائي بشأن المشروع، والمتوقع اتخاذه في سبتمبر المقبل، مؤشر إلى تغيير في السياسة في عهد رئيسة الوزراء الجديدة البريطانية تيريزا ماي. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، الذي استقال بعد استفتاء 23 يونيو، قد جعل من العلاقات بالصين أحد المحاور الأساسية لسياسته الاقتصادية. أمن قومي يدّعي الطرف البريطاني أن التأجيل يتعلق بالتوازن بين النوعية والسعر وتأثيره على البيئة، ولكن يبدو أن السبب الأساسي في التأجيل يعود لخوف بريطانيا على أمنها القومي خاصة في المجال العلمي النووي، إذ أشار أحد مساعدي ماي، في وقت سابق، إلى أن المشروع يمكن أن يشكل تهديدًا على أمن بريطانيا القومي وأمن الطاقة، خاصة بوجود الموظفين الصينيين في المفاعل البريطاني الذين يوظفون بذلك أول استثمار للصين في قطاع بهذه الدرجة من الأهمية الاستراتيجية والحساسية في بلد غربي كبير كبريطانيا.