تستعد دول العالم لمعركة حلب المصيرية، ثاني أكبر المدن السورية وأعظمها اقتصادًا قبل الأزمة السورية 2011، الدول اللاعبة والمؤثرة عالميًا وإقليميًا بدأت بإعداد العدة لهذه المعركة المصيرية عدا مصر، الحاضر الغائب والمغيب عن مجريات الأمور في سوريا. نتائج الأزمة في سوريا ستكون لها انعكاسات خطيرة على باقي الملفات السورية، سواء على المستوى الداخلي المتعلق بتوزع القوى في المحافظات السورية الأخرى ومناقشة ملف تقسيم سوريا من عدمه، أو على المستوى الخارجي بفض تحالفات تشكلت على أساس المصالح المشتركة، وتشكيل اصطفافات دولية وإقليمية جديدة تفرزها المعطيات الميدانية الحالية لواقع المعركة في حلب، بالإضافة لتأثير مآلات الأمور في سوريا على الدول المحيطة بسوريا كمصر وتركيا. مصر وغياب الدور الإقليمي جميع المؤشرات تقول إن هناك معركة شرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بين الجيش السوري وجيش "الإرهاب العالمي"، فبناء على المعلومات التي حصل عليها مركز "فيريل" للدراسات في برلين فإن "معركة حلب هي أقوى معركة يخوضها الجيش السوري وحلفاؤه منذ بداية الأحداث 2011، وهي معركة بين جيشين نظاميين". بالأرقام، وحسب مركز فريل للدراسات في برلين: "يُشارك في معركة حلب العالمية 30 ألف جندي نظامي، 85% منهم من الجيش السوري، بالإضافة لإيرانيين وعراقيين ولبنانيين وروس، ويمتلكون كافة أنواع الأسلحة، بالمقابل يشارك في جيش الإرهاب العالمي 35 ألف مقاتل مدربين تدريبا جيدا، يرافقهم أكثر من 50 ألف مسلح بتدريب مقبول ويمتلك كافة أنواع الأسلحة باستثناء الطيران، بالإضافة لسلاح الانتحاريين الخطير، ويشارك في هذا الجيش 43% سوريين والباقي من 18 دولة هي تركيا، السعودية، الشيشان، تركمنستان، تركستان، اليمن، ليبيا، تونس، الباكستان، أفغانستان، كازخستان، فلسطين، لبنان، الكويت، الإمارات، الأردن، المغرب، ألبانيا، ويتلقى الدعم المباشر من المخابرات العسكرية في دول: الولاياتالمتحدة، تركيا، السعودية، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا. قطر. ومن هنا يظهر أن الكثير من الدول تشارك في معركة حلب، إلا مصر، التي ما زالت تلتزم أسلوب مسك العصا من المنتصف، فالذي ينظر إلى موقف مصر من زاوية الجيش العربي السوري يجد أن موقفها يميل نحو بقاء الدولة السورية موحدة تحت حماية الجيش العربي السوري أو كما تحب القاهرة تسميته ب"جيش مصر الأول"، ومن ينظر إلى موقف مصر من الزاوية السعودية يجد أنها تدعم تحالفات المملكة السعودية العسكرية وأدوارها في المنطقة كاليمن. وبغض النظر عن موقف مصر من السعودية، نجد أن مصر في تقاربها الأخير مع العدو الإسرائيلي وزيارة وزير خارجيتها سامح شكري، لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامن نتنياهو، لا يقابله انفتاح دبلوماسي على دمشق على الرغم من أنّ الضرر الذي ألحقه الاحتلال الصهيوني بمصر، لا يقارن بأي خلاف مصري سوري، بل على العكس يشكل تحالف القاهرةودمشق فكي كماشة لمحاصرة دولة الاحتلال الصهيوني بحسب الخريطة الجيوسياسية، وفي حال أخفقت الأطراف الحكومية في سوريا في الانتصار بمعركة حلب، فهذا يعني أن مصر معرضة لخسارة جيشها الأول في سوريا، ومن الممكن أن يكون البديل عنه جماعات إرهابية تسيطر على الحكم في سوريا، أو فصائل تابعة للإخوان المسلمين المؤيدة لأردوغان والذي لا تربطه بمصر علاقات ودية، أو تقسيم سوريا، وهو الحل الذي خبرته القاهرة عند تقسيم السودان والذي أصبح يهدد أمنها القومي بعد تقارب جنوب السودان مع الكيان الصهيوني، فالمعارضة السورية بغالبها لا تمانع بإقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، خاصة أن من يدعم هذه المعارضة هم حلفاء إسرائيل كالولاياتالمتحدةوبريطانيا، كما أن موقف إسرائيل يختلف عن موقف مصر المناهض لداعش، حيث قالت دراسة إسرائيلية جديدة صادرة عن مركز "بيجن السادات" إنّ تدمير داعش يعتبر خطأ استراتيجيا من الدرجة الأولى، وبالتالي يجب على الغرب إبقاء العناصر السيئة في التنظيم، والتي لا تركز جهودها نحو تنفيذ العمليات الإرهابية في أمريكا وأوروبا، واعتبرت الدراسة أن القضاء على داعش سيؤدي إلى إطالة حكم الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي يشكل خطرًا على إسرائيل، في المقابل استمرار الأسد في الحكم لن يشكل خطرًا على القاهرة بينما بقاء داعش حسب الأماني الإسرائيلية يشكل خطرًا على أمنها القومي، الأمر الذي يجب أن تأخذه مصر بعين الاعتبار. الولاياتالمتحدةوبريطانيا والتواجد العسكري في سوريا نشرت "بي بي سي" البريطانية أمس، وللمرة الأولى، صورًا توثق التواجد البريطاني لقواتها الخاصة في سوريا، حيث تظهر هذه الصور تواجد هذه القوات في الصفوف الأمامية الأولى دعما للجماعات السورية المسلحة. وأوضحت "بي بي سي" أن الصور تم اتخاذها في يونيو الماضي على الفور بعد هجوم لعناصر من داعش في جنوب شرق قاعدة التنف الحدودية مع العراق، وفي الأحد الماضي قالت مصادر من المعارضة السورية إن انتحاريين من تنظيم داعش هاجموا قاعدة التنف التابعة لمقاتلين من المعارضة السورية تدعمهم الولاياتالمتحدة، الأمر الذي يؤكد تصريحات أحد مقاتلي "جيش سوريا الجديد" التي نقلها مراسل "بي بي سي" وأكد فيها عن وجود دعم وتنسيق مباشر بين جيش سوريا الجديد وبين التحالف الدولي، مضيفا "نحن نتدرب على أيدي القوات الخاصة البريطانية والأمريكية، كما نحصل على المعدات والأسلحة من قبل البنتاغون". الأمر الذي لا يدع مجالا للشك أن أمريكا وبريطانيا لا يقتصر دورهما على المعلومات الاستخباراتية فقط دون العسكرية، فمن بداية الأزمة السورية كان يشاع أن دور واشنطن وبريطانيا معلوماتي ولوجيستي فقط من خلال غرفة "موك" المتواجدة في الأردن والتي يدير من خلالها التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة معاركه في سوريا، ففي وقت سابق أظهرت صور عناصر في القوات الخاصة الأمريكية في شمال سوريا وهم يرتدون شارات وحدات حماية الشعب الكردية واعترضت تركيا وقتها على هذه الصورة، إذ تعتبر أنقرة المجموعة الكردية هذه "إرهابية". ويبدو أن المطالبة القطرية لجبهة النصرة بفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتحويل اسمها ل"فتح الشام"، هي محاولة أمريكية لإعادة تدوير استعمال جبهة النصرة الإرهابية في معركة حلب، لتبدو أمام الرأي العام وكأنها تتعامل مع معارضة سورية "معتدلة" لا علاقة لها بالقاعدة، على الرغم من اعتراف واشنطن السابق بصعوبة الفصل بين المعارضة "المعتدلة" والإرهابية، مع العلم أن جبهة النصرة هي من أكثر فصائل المعارضة السورية سيطرة في حلب. السعودية وقطر إذا كان دور قطر واضحا من خلال دعمها لجبهة النصرة الإرهابية، فالسعودية أيضًا تمارس هواياتها بالتدخل في شؤون الدول العربية، حيث كشف المغرد السعودي الشهير "مجتهد"، السبت الماضي، أن الملف السوري بيد ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان، الذي لا يلتزم حرفيا بالخطة الأميركية في سوريا فحسب، بل يبالغ في إقناع الأمريكان بحماسه لتطبيق خطتهم. كما ترددت أنباء عن مصادر إعلامية أن ابن سلمان يشرف شخصيا على سير المعارك في حلب، وهو المسؤول المباشر عن نقل الكتيبة الباكستانية التي شاركت في المعارك عبر تركيا، وتمويل المعركة يتم بشكل أساسي من الرياض ثم الدوحة. ومن حيث المبدأ لا مشكلة لدى المملكة السعودية منطلق الفكر الوهابي في العالم في التعامل مع النصرة وداعش المنتسبين بالأصل لتنظيم القاعدة، فالسعودية ووفقًا لتصريحات المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون هي من أسست القاعدة. تركيا تركيا هي أكثر الدول في الأزمة السورية تحولًا في مواقفها على الأقل من روسيا إن لم يكن من النظام في سوريا، ولكن الرئيس التركي طيب رجب أردوغان والذي يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتن اليوم، يعلم جيدًا أنه إذا كان ينوي التقارب مع روسيا فيجب أن يكون من خلال البوابة السورية لا من غيرها، الأمر الذي يرجعه مراقبون إلى مصالح تركيا في حماية أمنها القومي خاصة بعد التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي طالتها وتبنتها فصائل مسلحة تحارب في سوريا، بالإضافة لمصالحها الاقتصادية مع موسكو من خلال خط الغاز وإنشاء مفاعلات نووية روسية لتوليد الكهرباء في تركيا، وإلى أن تحسم تركيا مواقفها مع بوتين والأزمة في سوريا، يبقى الدور التركي بمثابة رأس الحربة، فحدودها المشتركة مع سوريا تعد منبعًا للجماعات الإرهابية وعتادهم إلى سوريا. المحور الروسي وحلفائه في المقابل تجرى الاستعدادات على قدم وساق في محور سوريا وروسياوإيران، حيث عزز الجيش العربي السوري تواجده في مدينة حلب وريفها الجنوبي بالآليات العسكرية والدبابات والمقاتلين، ومن جهتها أعلنت إيران دعمها للجيش السوري في معركته في حلب، حيث أفادت وكالة "فارس" الإيرانية شبه الرسمية أن قرابة 2000 مقاتل من تنظيم "حركة النجباء" العراقية قد وصلوا إلى مدينة حلب السورية، كما وصلت مجموعة من قوات النخبة التابعة لحزب الله المسماة ب"قوات الرضوان" إلى منطقة الحمدانية، غرب مدينة حلب. وأفاد الموقع الرسمي لمجلس النواب الروسي "الدوما" بأن الرئيس الروسي أحال الاتفاقية الروسية السورية حول نشر القوات الجوية الروسية في سوريا لتصديق البرلمان عليها، يذكر أن هذه الاتفاقية وقعت في دمشق في 26 أغسطس من العام الماضي، ويتم بموجبها نشر قوات جوية روسية بالتوافق مع الحكومة السورية لأجل غير مسمى، كما تنص الاتفاقية على أن قاعدة "حميميم" وبناها التحتية والأراضي المخصصة باتفاق الجانبين تقدم لاستعمال الجانب الروسي دون أي مقابل.