استقبل الرئيس السنغالي، ماكي سال، وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي وصل إلى العاصمة السنغالية داكار الخميس الماضي، وكان في استقباله لدى وصوله إلى مطار داكار وزير الدفاع ووزير الخارجية السنغالي بالنيابة، أوجستين تيون، وبحث الجبير وسال العلاقات بين البلدين وسبل تعزيزها في العديد من المجالات، بالإضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك. خلال اللقاء، أكد وزير الخارجية السعودي، عزم بلاده تعزيز علاقاتها مع السنغال، مشيرًا إلى العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين، وأشاد بتطابق المواقف على مدى عقود بين البلدين في مختلف المحافل الدولية، وشدد على حرص المملكة على تنمية العلاقات مع جمهورية السنغال في المجالات التنموية والاستفادة من الفرص الاستثمارية. العلاقات مع السنغال العلاقات السعودية السنغالية قديمة وتاريخية، حيث دعمت كل منهما الأخرى حسب إمكانياتها، فاعتادت السعودية على دعم السنغال اقتصاديًا وماليًا، فتعتبر المملكة من حلفاء وممولي السنغال التقليديين، حيث مول الصندوق السعودي للتنمية مشاريع كثيرة في السنغال في مجالات بينها الطرق والفنادق والصحة والزراعة، فيما اعتادت السنغال على دعم المملكة عسكريًا نظرًا لقوة الجيش السنغالي ودخوله في العديد من النزاعات والحروب التي أكسبته الخبرة القتالية. جاءت الأزمة اليمنية لتعمق العلاقات بين الطرفين، فمع انطلاق عاصفة الحزم، التي أعلنت عنها المملكة في 26 مارس 2014، عبرت السنغال عن دعمها لتحرك المملكة في هذا الاتجاه، ومع انطلاق عملية إعادة الأمل في اليمن من قِبل السعودية، أعلن وزير الخارجية السنغالي، نداي مانكيور، في مايو 2015 مشاركة بلاده بكتيبة قوامها 2100 جندي في هذه العملية التي أطلقتها المملكة، لتكون السنغال رابع دولة إفريقية تعلن مشاركتها في العدوان السعودي الذي اطلقته في اليمن بعد مصر والسودان والمغرب، ما أثار غضب طهران التي هاجمت قرار داكار بمشاركة السعودية في عدوانها على اليمن. في ذات الإطار، شاركت السنغال إلى جانب مصر والسودان وتشاد وجزر القمر وموريشيوس وجيبوتي وتونس والمغرب وموريتانيا، في مناورات رعد الشمال التي نظمتها السعودية في مارس الماضي، بمنطقة حفر الباطن، كما تشارك السنغال في التحالف الإسلامي إلى جانب السعودية، الأمر الذي يعبر عن تنامي التحالف العسكري والسياسي بين السعودية والسنغال، خاصة أن هذه المشاركة العسكرية السنغالية السعودية لم تكن الأولى من نوعها، فأرسلت داكار قوات إلى المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية، وكانت من بين دول التحالف الدولي الذي يضم 34 دولة في عملية عاصفة الصحراء عام 1991 ضد الغزو العراقي للكويت، حين شاركت بقرابة 500 جندي، وبلغت الخسائر السنغالية آنذاك نحو 92 جنديًا. وفيما يخص المواقف السياسية، فدعمت السنغال مرارًا المواقف السياسية السعودية، وكان آخرها إدانة داكار بشدة الهجمات التي استهدفت سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، خلال يناير الماضي، حيث استدعت وزارة الشؤون الخارجية السنغالية حينها سفير إيران بدكار، عين الله غاشغافي، وأكدت له أن الهجمات تشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، لاسيما اتفاقية فيينا لسنة 1963 حول العلاقات القنصلية، وأعربت حينها عن المخاوف العميقة للسنغال إزاء تصاعد العنف وتطورات الأوضاع التي يمكن أن تهدد بشكل خطير الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم. من جانب آخر، فإن السنغال تسعى إلى توثيق روابطها الاقتصادية والتنموية مع المملكة السعودية طمعًا في الحصول على المساعدات النقدية والتمويل اللازم لتنفيذ مشروعات البنية التحتية هناك، وتسعى الحكومة السنغالية إلى الاستفادة من سوق التمويل الإسلامي، حيث أصدرت صكوك بلغت قيمتها نحو مائة مليار فرنك إفريقي في يونيو 2014، وقبل أيام من إعلان داكار اشتراكها مع السعودية في عاصفة الحزم، زار الرئيس السنغالي، ماكي صال، المملكة وعبر عن أمله في أن يساعد البنك الإسلامي للتنمية في التمويل الإسلامي، لا سيما مشروع الصكوك. أما من ناحية الأمن القومي السنغالي، فإن داكار تظهر مخاوفها من التمدد الإيراني الذي يهدد الداخل السنغالي، فرغم بُعد داكار عن طهران آلاف الأميال، إلا أن التمرد الذي اشتعل في أكتوبر عام 2011 في إقليم كازامانس جنوبي غربي السنغال، الذي وجهت فيه حكومة داكار اتهامات لإيران بإرسال أسلحة للمتمردين هناك وقطعت خلاله العلاقات مع طهران، لايزال حاضرا في الذاكرة السنغالية وتتخوف من تكراره رغم عودة العلاقات بين كلا الطرفين في فبراير عام 2013، وإعادة فتح سفارتي البلدين فى داكار وطهران. الانفتاح السعودي على إفريقيا العلاقات بين السعودية والسنغال لم تكن الوحيدة في إطار القرن الإفريقي، حيث تسعى السعودية خلال الفترة الأخيرة لتعميق علاقاتها مع معظم دول القارة السمراء والدخول معها في شراكات اقتصادية وتجارية واستثمارية وأحيانًا أمنية وعسكرية على أوسع نطاق، الأمر الذي رأى فيه مراقبون استراتيجية سعودية جديدة تبنتها المملكة وعززتها منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز، إدارة شؤون المملكة، وأرجعه المراقبون لعدة أسباب، أولها كسب مساحة جديدة للنفوذ السعودي وتوسعه في إفريقيا، ما يحقق الهدف السعودي الساعي إلى تحقيق توازن بين النفوذ السعودي والإيراني الذي يتوسع كثيرًا في المنطقة، خاصة أن تعزيز المملكة علاقاتها مع إفريقيا من شأنه أن يعزز الأمن الإقليمي والبحري في باب المندب والحد من نفوذ إيران في إفريقيا. من جهة أخرى، فإن السعودية ترى أن القارة الإفريقية لاتزال أرضا بِكرا مليئة بالثروات الخصبة في مختلف المجالات الزراعية والتعدينية والصناعية والتجارية، حيث تزخر بنحو 30% من احتياطي الثروات المعدنية في العالم، وتضم أكثر من 21 دولة منتجة للنفط، ما تسعى المملكة إلى استغلاله، حيث كشف تقرير صدر عن مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" أن حجم التبادل التجاري بين السعودية ودول إفريقيا في العام 2014 بلغ 68.6 مليار ريال. مع صعود الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، إلى عرش المملكة، بدأ تعزيز علاقات بلاده مع دول إفريقيا من خلال تبادل الزيارات وعقد الاتفاقيات مع بعض هذه الدول، على رأسها إثيوبيا وجيبوتي والسودان والسنغال وأريتريا وموريتانيا، حيث استقبل الملك السعودي رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي مريام دسالني، في أكتوبر الماضي، كما زار رئيس جمهورية جيبوتي، إسماعيل عمر جيله، المملكة في 18 أكتوبر أيضًا، وسبقهم الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، بعد 3 أشهر فقط من تولي "سلمان" مقاليد الحكم في 23 يناير الماضي. وخلال الأشهر القليلة الماضية، أجرى وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، جولة إلى عدد من دول إفريقيا، والمشاركة في القمة الإفريقية بإثيوبيا في يناير الماضي، بالإضافة إلى زياراته السودان وجنوب إفريقيا وزامبيا في فبراير الماضي، ثم كينيا وتنزانيا في شهر مارس، وفي المقابل، استقبلت الرياض عددًا من الزعماء الأفارقة أيضًا، من بينهم رئيس غينيا، ألفا كوندي، ورئيس جنوب إفريقيا، جاكوب زوما، في شهر مارس الماضي، وقبلهما الرئيس النيجيري، محمد بخاري، في فبراير الماضي.