تشهد مدن القناة العديد من الحوادث البحرية التي تنتهي بالغرق في بعض الأحيان، وتخلف العديد من الخسائر المادية والبشرية، وتكون في الغالب ناتجة عن أخطاء بشرية، وهو أمر خطير على المحافظات التي تتحكم في قناة السويس وأهم الموانئ التي يعتمد عليها الاقتصاد، الأمر الذي يؤكد عشوائية الملاحة وبطء اتخاذ القرار، وهو ما كشفه تقرير صادر عن هيئة السلامة البحرية، الذي أكد وقوع حوادث شهرية بهذه المحافظات بمعدل 20 حادثًا سنويًّا. تتكرر الحوادث في مدن القناة بشكل مثير للدهشة، يصحبها عدم تحرك المسؤولين لتجنب وقوعها أو منعها، فضلًا عن التأخر في نداءات الاستغاثة، وتأتي واقعة غرق العبارة شهد كيلو باترا آخر هذه الحوادث، حيث تركت أمام ميناء الزيتيات البترولي بالسويس لأكثر من 48 ساعة، ولم تتم الاستجابة لاستغاثة الغرق، مما أدى إلى فرار طاقمها وتركها تغرق ببطء لخلاف مع مالكها والتفتيش البحري. وتقع أغلب الحوادث بين شحوط السفن وجنوحها، الأمر الذي يتسبب في تعطل الملاحة بقناة السويس أو الموانئ التي يقع فيها الحادث، أو الحرائق التي تشهدها بعض السفن بين الحين والآخر، أقلها الغرق والتصادم. قال القبطان أحمد سليم، ربان إحدى سفن الشحن، إن الحوادث التي تقع بمدن القناة أغلبها ناتج عن أخطاء في الإرشاد، وليست أخطاء من الربان كما تدعى الجهات الرسمية، حيث بترك الربان الدفة تمامًا للمرشدين أثناء عبور قناة السويس، أي يعبر بناء على تعليماته، كما أن الموانئ أيضًا تتعامل بناء على تعليمات الإرشاد، سواء في الدخول أو الخروج أو المرسى، وهذا لا ينفي أي اتهام على الربان. وتابع: الكثير من الحوادث تقع بسبب أخطاء من ربان المركب، لكن أغلبها خارج قطاع القناة، وتأتي في عرض البحر، وأكد أن الغرق والتصادم أقل الحوادث التي يشهدها القطاع، لكنها تحدث، وأغلب الحوادث التي يشهدها هي جنوح وشحوط المراكب والسفن، وهى ليست بالحوادث الهينة بحسب قوله، بل يمكن أن تسبب الغرق وتعطل الملاحة في بعض الأحيان، حال عدم التدخل السريع. وعن حادث العبارة شهد كيلو باترا قال: إنهم سمعوا نداء الاستغاثة من قِبَل طاقم العبارة وتعجبنا من عدم تلبية النداء، خاصة أنها تعرضت للميل الشديد وكانت مهددة بالغرق خلال الساعات المقبلة، في حالة عدم التدخل، وأكد أن خلاف الشركة المالكة مع التفتيش البحري وتأخر سداد بعض الرسوم والغرامات، ليست مبررًا في ترك السفينة، وطاقمها يغرق رغم إطلاقهم نداء الاستغاثة، ويجب إنقاذهما أولًا بعدها، يمكن أن نفعل كما نشاء ونلقي التهم والمبررات كما يحلو لنا. واستطرد: هناك حوادث تصادم مراكب ببعضها بعضًا وتصادمها بالأرصفة، وغرقت إحداها منذ سنوات، وكلها حدثت في مداخل الموانئ، تسببت في كوارث اقتصادية واستغرق إنقاذها الكثير من الجهد والمال، وأكد عدم وجود رادع قوي هو السبب في تكرار الحوادث، وكالعادة ننتظر كارثة حتى نجد المبررات، ونبحث عن الحلول قبل فوات الأوان وإزهاق الأرواح وتدمير الاقتصاد أكثر فأكثر. وقال القبطان إسماعيل العيسوي: حوادث السفن تكثر في هذه المنطقة؛ نظرًا لتكدس السفن بها، ووجود عدد كبير من الموانئ، فضلًا عن المجرى الملاحي لقناة السويس، الذي يشهد العديد من الجنوح للسفن، وهو نوعان الأول يمثل الجنوح الاضطراري، ويحدث فى حالة سوء الأحوال الجوية أو الإجباري، ويقع بسبب خطأ ربان السفينة، مشيرًا إلى أن السفن حاليًا أصبحت مجهزة بأحدث الخرائط والعلامات الملاحية، ورغم ذلك تقع الحوادث. وتابع: سفن الشحن عند الحوادث أو الغرق تضع الربان في حيرة من البضائع التي تحملها السفينة، حيث من المتعارف عليه دوليًّا أن مسؤولية إلقاء بضاعة السطح تقع على صاحب البضاعة وليس القبطان؛ لأنه عمل على إنقاذ السفينة والبضاعة من الغرق، لافتًا إلى أن المسؤول عن البضاعة يؤمن على البضائع، وفي حالة إلقائها في البحر يدفع له تأمينًا نظير ذلك، وعند إمضاء الضابط الأول إيصال استلام البضاعة يدون فيه أن مسؤولية الشحن تقع على صاحب البضاعة. وأشار إلى أن منطقة «البلاح» بقناة السويس تعد من المناطق التي تتطلب مهارة خاصة أثناء مرور السفينة، ولا توجد بها مشكلة فنية تتسبب في الجنوح، وهناك مناطق أكثر خطورة من البلاح، وهي مدخل القناة من السويس أو بورسعيد، موضحًا أن أبرز الحوادث التي تقع بمنطقة البلاح ترجع إلى سوء توجيه السفينة، مؤكدًا ضورة وجود رادع للموظفين في الموانئ والهيئات في حالة تورطهم في الإهمال الذي تنتج عنه هذه الحوادث. وقال المهندس سعيد محمد، من هيئة السلامة البحرية: التقرير لا يؤكد بالضرورة فشل المنظومة، كونها نسبة طبيعية بمعدل حادث أو اثنين شهريًّا، وهي نسبة قليلية جدًّا مقارنة بعدد الموانئ المنتشرة في محافظاتالسويس وبورسعيد، فضلًا عن عدد السفن المارة بقناة السويس، وتقع أغلب هذه الحوادث بين الجنوح والشحوط، وحوادث التصادم والغرق والحرائق قليلة جدًّا مقارنة بما تشهده باقي دول العالم. من جانبه، قال الربان محمد فوزي، رئيس مراقبة الملاحة بهيئة قناة السويس: إن حوادث السفن في قطاع المجرى الملاحي لقناة السويس لا تتعدى الجنوح، والحرائق المحدودة وجنوح السفن يقع بين الحين والآخر في عدد من القنوات الملاحية حول العالم، ومنها قناة السويس وتتنوع الأسباب من حادثة لأخرى، ويتمثل أبرزها في عطل فني بالسفينة، وسوء توجيهها من قِبَل القبطان وخطأ الإرشاد. وتتعامل الهيئة مع تلك الحوادث بشكل طارئ، حيث يتم استدعاء فرق الإنقاذ لسحب السفينة إلى منطفة آمنة، حتى لا تتأثر الحركة الملاحية في القناة. وأضاف أن الهيئة لديها خطط طوارئ وإدارة للأزمات للتعامل مع الحالات المختلفة، وتتنوع ما بين أزمة تلوث في المياه، أو تسرب المياه إلى السفينة، مرجعًا أبرز أسباب جنوح السفن إلى سرعة الرياح وسرعة السفينة، أو وجود عيوب فنية فيها، بالإضافة إلى الخطأ البشري، المتمثل في إدارة السفينة من قبل القبطان. وأشار إلى أن مراقبة الحركة المسؤولة عن الإرشاد من خارج بورسعيد إلى السويس، مضيفًا أن رأي الإرشاد التابع للهيئة يعد استشاريًّا ويجوز لقبطان السفينة عدم الاستعانة برأيه، موضحًا أن الهيئة تمتلك جميع أنواع القاطرات التي تبدأ قوة الشد بها من 40 طنًّا وحتى 160، بالإضافة إلى اللانشات والكراكات والمعديات، وأكد أن قناة السويس تمثل أقل معدل حوادث جنوح سفن عالميًّا.