في الأشهر الأخيرة اتخذت إفريقيا مركز الصدارة لدى الكوريتين الشمالية والجنوبية، واستطاعت أن تكون النفوذ الأقوى في العالم الثالث. ومن الواضح أنهما تتنافسان بشكل قوي على كسب نفوذ إفريقيا، وأن الدولة التي تكسب موضع قدم في القارة دائمًا تنتظر الرد من الأخرى. قال موقع إن كى نيوز إن كوريا الجنوبية استطاعت أن تتقدم على كوريا الشمالية داخل القارة، خاصة بعد زيارة الرئيس بارك جيون هاي للقارة في مايو الماضي، تلك الرحلة التي توجت النصر الرئيسي الذي سعى له بارك داخل القارة بتقويض نفوذ كوريا الشمالية في المنطقة، وأتت الضربة القوية عندما أعلن الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني أن بلاده ستقطع العلاقات العسكرية والأمنية مع بيونغ يانغ، وستنهي الشراكة بينهما والتي عقدتها منذ الحرب الباردة، أي أن فترة طويلة جمعتهما كشريكين. انتصار كوريا الجنوبية لم يقضِ على الشمالية انضمت ناميبيا إلى أوغندا، وهما الحليفتان منذ فترة طويلة لبيونغ يانغ، في اتخاذ موقف بطرد اثنين من الشركات الكورية خارج بلادهما والتي كانت تمول مصنعًا للأسلحة والذخيرة، ليكون القرار ضربة قاسمة جديدة لكوريا الشمالية؛ وذلك امتثالًا لعقوبات الأممالمتحدة، وبذلك يتضاءل حلفاء كوريا الشمالية في إفريقيا؛ نتيجة الضغوط الدولية وتدخل كوريا الجنوبية، التي أغرت القارة بأن لديها القدرة على تعويض الدول إذا حلت محل كوريا الشمالية، التي كانت قد وصلت لدرجة كبيرة من ترسيخ علاقاتها في جميع أنحاء إفريقيا، لا سيما مع الأنظمة الاستبدادية، التي ما زالت قوية، والتي ربما تنطلق منها كوريا الشمالية مرة أخرى؛ لنمو علاقات جديدة مع باقي الدول. حيث إن الانتصارات الأخيرة لسيول لم تقضِ كليًّا على نفوذ بيونغ يانج داخل القارة، التي بها العديد من الدول التي ترفض تدخل المؤسسات الغربية، خاصة وأن تأثير كوريا الشمالية في إفريقيا يعود إلى السنوات الأولى لحركة إنهاء الاستعمار، وكانت منطقة رئيسية للسياسة الخارجية الوليدة لكيم إيل سونغ، والذي فرد جناحيه من خلالها كقوة معادية للإمبريالية. كما أن كوريا الشمالية لديها أعظم النجاحات الدبلوماسية مع دول شعرت بأنها ضحايا للنظام العالمي السائد، والتي ضاقت ذرعًاً من تدخل واشنطن في شؤونها الداخلية. مركز قوة كوريا الشمالية في إفريقيا في السنوات الأولى من الحرب الباردة، كانت إفريقيا مرتعًا لحركات الاستقلال الوطني والثورات، ومختبرًا لبناء الأمة التي سلطت الضوء على الصعوبات التي فرضتها عليها أنظمة ما بعد الاستعمار التي تواجهها. حيث انخفض الاستعمار في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في أواخر الخمسينيات. وفي تلك الفترة استخدمت بيونغ يانغ جهاز السياسة الخارجية التي لا تزال في مهدها؛ لتأجيج النار في هشيم الثورة. وقام كيم إيل سونغ بتخصيص موارد لدعم حرب الاستقلال في ناميبيا عام 1965، ونشر المساعدات العسكرية لجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وتنزانيا. تلك الأسس التي اعتمدت عليها دبلوماسية كوريا الشمالية تجاه إفريقيا عادت لتعتمد عليها مرة أخرى الأشهر الأخيرة؛ للحصول على دعم من دول العالم الثالث وكسب مكانة دولية، ولكن الفرق اليوم هو مدى استجابة الدول الإفريقية لتلك السياسة؛ حيث إن القادة الأفارقة اليوم أقل عرضة للإذعان لأصبع الأممالمتحدة الذي يهز سياسة الدول. والأرجح أن استعداد بيونغ يانغ للعمل خارج المعايير الدولية أفاد عدة أنظمة إفريقية؛ وذلك لأن العديد من أقرب شركاء كوريا الشمالية في إفريقيا. أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي وبوروندي، وغينيا الاستوائية هي أيضًا من المفروض عليها عقوبات الاممالمتحدة، وتقدم بيونغ يانغ المساعدات الناعمة، بجانب المساعدات المخيفة للمجتمع الدولي كالأسلحة والتدريب لدول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تواجه أيضًا عقوبات الأممالمتحدة. ورغم أن التقارير الأخيرة للأمم المتحدة توضح أنها استطاعت خنق مصادر دخل كوريا الشمالية، إلا أن الواقع يقول إن نقص الشركاء لم يؤثر في كوريا الشمالية التي ما زالت تتحدى المعايير الدولية. ولعل الأهم من ذلك أن كوريا الشمالية وأقرب حلفائها في إفريقيا قادرون على ترسيخ العلاقات وتعويض عزلهم عن المجتمع الدولي، بل ويحتمل أن يشكلوا كتلة مشابهة للحركة الأفرو-آسيوية التي ولدت في باندونغ في عام 1955، وحركة عدم الانحياز، على حد سواء، والتي لعبت فيها كوريا الشمالية دورًا نشطًا خلال الحرب الباردة. حيث كانت توفر الدعم الخطابي والمادي للأنظمة الشرعية والاستقرار الذي كانت تهدده الانتقادات الدولية بعد فترة الاستعمار. ورغم ذلك فإن المناخ الحالي يظهر أيضًا أن كوريا الشمالية لا يمكن ببساطة أن تكتفي بالاحتفاظ بشركائها الحاليين أو بناء شراكات، وإنما ترمي سياستها إلى تقويض الدول الغربية نفسها. وفي اعتراف لروبرت موغابي، رئيس زيمبابوي الذي يحكمها منذ فترة طويلة، ويعتبره المجتمع الغربي ديكتاتورًا استبداديًّا، فإن نظامه فقد الاتصال مع كوريا الشمالية منذ تولي كيم جونغ أون السلطة. في إشارة إلى أن القوى الغربية تقف في حالة تأهب. وتابع موجابي أنه رغم ذلك فإن الباب دائمًا مفتوح لاستئناف العلاقات بين البلدين؛ لأن كوريا الشمالية لها الفضل على زيمبابوي، ففي الوقت الذي كانت أصوله المالية مجمدة هو وزوجته، قامت كوريا الشمالية بعقد اتفاقات خاصة باليورانيوم والأسلحة مع زيمبابوي، وضمته لنادي كيم جونغ أون؛ مما يوضح حكمة كيم الاستراتيجية في احتواء حلفائه، حتى وإن أجبروا على قطع العلاقات مع بيونغ يانغ.