جولة جديدة من المواجهة وقعت بين الحكومة العراقية وتنظيم داعش في العاصمة بغداد، ففي الوقت الذي تحتفل فيه القيادات الأمنية والسياسية بانتصارها في معركة الفلوجة ودحر تنظيم داعش الإرهابي من المدينة التي كانت تشكل معقلًا للإرهابيين، وإعلانها محررة وآمنة تمامًا، علت صرخات تنظيم داعش ليعلن عن نفسه بتفجير جديد في حي الكرادة ببغداد، وينفذ أحد الاعتداءات الأكثر دموية في العراق. لاتزال حصيلة قتلى تفجير الكرادة غير واضحة بشكل كامل، حيث ترتفع الحصيلة كل ساعة نتيجة قوة التفجير وسقوط العديد من القتلى وتفرق أشلاء بعض المواطنين، إضافة إلى سقوط مئات الجرحي الذين تتدهور حالتهم نتيجة خطورة الإصابات، الأمر الذي يصب في ارتفاع عدد القتلى، فبعد إعلان السلطات الأمنية والطبية سقوط 75 قتيلا في التفجير، ارتفعت الحصيلة إلى 180، فيما أعلن بعض المسؤولين تخطي الحصيلة النهائية للقتلى في التفجير الإرهابي 213 شخصًا على الأقل، حيث قال مسؤولون أمنيون وطبيون، إن التفجير بسيارة مفخخة الذي استهدف حي الكرادة المكتظ بالمتسوقين في العاصمة العراقية، أدى أيضًا إلى إصابة أكثر من 200 شخص بجروح. إلى جانب الخسائر البشرية، أدى التفجير الإرهابي إلى أضرار مادية كبيرة أيضًا، حيث احترق على الأقل مبنيان كبيران يشكلان مركزًا للتسوق، إلى جانب عشرات المحلات التجارية الأخرى والمساكن المجاورة والسيارات المدنية التي احترقت نتيجة شدة الانفجار. في ذات الإطار، أعلن المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد، سعد معن، أن التفجير نفذ بواسطة سيارة مفخخة مركونة وسط الكرادة، القلب التجاري الحيوي للعاصمة بغداد ساعة ذروة التسوق والاستعداد للعيد، مؤكدا أنه ناجم عن تفجير شاحنة تبريد ملغومة في المنطقة المكتظة وفي وقت السحور، مضيفا أن الجهد مستمر للقبض على المجرمين الذين حاولوا قتل البسمة، بحسب تعبيره. التفجير الإرهابي الذي حصد أرواح المئات، أخفى مظاهر احتفال الشعب بانتصارات جيشه ليعم الحداد على أرواح الضحايا، حيث بدأ العراق اليوم الاثنين، حدادًا وطنيًا يستمر ثلاثة أيام، وبعد ساعات من التفجير أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم، مؤكدًا أن أحد مقاتليه فجر سيارة مفخخة مستهدفًا تجمعًا شعبيًا للشيعة. من جانبه، توعد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بعد تفقده موقع التفجير أمس الأحد، بالقصاص من الإرهابيين، مضيفا: «بعد سحقهم في ساحة المعركة تقوم بالتفجيرات كمحاولة يائسة»، وأعلن العبادي تعديل الإجراءات الأمنية وخصوصًا سحب أجهزة كشف المتفجرات المحمولة يدويًا التي تم التشكيك بفاعليتها، وأمر رئيس الوزراء العراقي وزارة الداخلية بالإسراع في نشر أجهزة رابيسكان لكشف العربات على جميع مداخل بغداد، كما منع استخدام أفراد الأجهزة الأمنية للهواتف الخلوية. تأتي الإجراءات الأمنية التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي، بعد أن شكك الكثيرين في فعالية أجهزة الكشف عن المتفجرات التي تسمى "العصا السحرية"، حيث رأى بعض الخبراء أن التفجير الذي أدى إلى سقوط أكبر عدد من القتلى في هجوم واحد منذ عام، يكشف عجز السلطات عن تطبيق إجراءات أمنية فعالة في بغداد، خاصة أنه قبل أعوام عدة تبين أن هذه الأجهزة غير قادرة على الكشف عن وجود متفجرات سوّق لها رجل الأعمال البريطاني، يدعى جيمس ماكورميك، الذي عوقب في بلاده بالسجن لمدة عشر سنوات لتعريض حياة الناس للخطر، لكن السلطات العراقية لاتزال تستخدمها في مجال مكافحة الإرهاب، بعد أن اشترت 6 آلاف جهاز خلال الفترة ما بين 2008 و2010 مقابل 40 مليون دولار. رأى بعض المراقبين أن تفجير الكرادة الإرهابي يكشف مدى انتكاس تنظيم داعش في العراق، حيث أعده متخصصون محاولة يائسة من تنظيم إرهابي تلقى العديد من الضربات العسكرية الناجحة في معاقله المهمة، الأمر الذي استدعى تخطيطًا من التنظيم لتنفيذ عملية يعلن بها عن نفسه من جديد، للإيحاء بأن قوته لاتزال فعالة في المنطقة ما زال قادرًا على ارتكاب اعتداءات رغم النكسات العسكرية التي لحقت به مؤخرًا. إلى جانب ذلك، يحاول تنظيم داعش الانتقام من رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي يقود عميات عسكرية ناجحة منذ تولية منصبه، التي كان أولها معركة الأنبار والرمادي وأخيرًا الفلوجة، الأمر الذي دفع التنظيم إلى التخطيط لعملية إرهابية في مسقط رأس رئيس الوزراء، في محاولة لتهييج أبناء منطقته عليه وإثارة الغضب الشعبي. اشعل التنظيم الإرهابي عبر التفجير الأخير الغضب الشعبي في مسقط رأس رئيس الوزراء العراقي، وطال الغضب موكب العبادي أثناء تفقده لموقع التفجير الإرهابي، حيث تعرض موكبه للرشق بالحجارة والزجاجات والنعال من مجموعة من المواطنين الغاضبين من عجز قوات الأمن عن حماية المنطقة، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي لقطات تظهر الشبان الغاضبين يهاجمون الموكب الذي تمكن من المغادرة. واستطاع رئيس الوزراء العراقي استيعاب الغضب الشعبي وتحجيمه، حيث قال ردًا على الحادثة: «اتفهم مشاعر الانفعال والتصرف الذي صدر في لحظة حزن وغضب من بعض أبنائي الأعزاء، التي رافقت زيارتي لمنطقة الكرادة»، وأضاف: «زيارتي من أجل الوقوف ميدانيًا على الجريمة الإرهابية والتحقيق فيها ومواساة أبنائها ومشاطرتهم أحزانهم في هذه الفاجعة الأليمة التي جاءت لتسلب فرحة العراقيين بانتصارات ابنائهم بهزيمة داعش المنكرة في الفلوجة». لم يكتف العبادي، بتهدئة الشعب العراقي كلاميًا، بل التقى مدير مكتبه اليوم الاثنين، ببعض المتظاهرين من حي الكرادة، واستجاب العبادي إلى مطالبهم، حيث ذكر بيان صدر عن المكتب الإعلامي للعبادي اليوم الاثنين، أن رئيس الوزراء يأمر بالاستجابة لمطالب وفد من شباب منطقة الكرادة المتظاهرين الذين التقوا مدير مكتبه، ويؤكد على محاسبة المسؤولين الأمنيين المقصرين في الكرادة على الخرق الأمني الذي تسبب في العمل الإرهابي الجبان. وحسب البيان، وافق العبادي على مشاركة متطوعين من أهالي الكرادة في حماية منطقتهم وتعاون الأهالي مع الأجهزة الأمنية في المعلومات، والإبلاغ عن أي اشتباه إضافة إلى أن تكون نقاط التفتيش في منطقة الكرادة وبقية المناطق وفق استراتيجية أمنية جديدة.