على الرغم من الخطوات التي تتخذها أمريكا باتجاه التقارب مع إيران بين الحين والآخر، والتصريحات التي توحي بفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين العدوين اللدودين، إلا أن العلاقات بين الطرفين من الصعب أن تصبح يومًا دافئة بالقدر الذي تَوقَّعَه بعض المحللين والمراقبين عقب توقيع الاتفاق النووي بين الدول الست وإيران، فبين الحين والآخر تخرج بعض التصريحات التي تؤكد أن واشنطن لا تصلح أن تكون حليفة لطهران أو العكس. كشف وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في تقرير قدمه أمام نواب مجلس الشوري الإيراني، الأحد، أن دولته سترفع دعوى قضائية ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية أمام محكمة العدل الدولية خلال الأيام القليلة المقبلة، لما وصفه بقرصنة أمريكا أموال إيران، ولكشف انتهاكاتها أمام العالم، وقال ظريف: إننا نمتلك اليوم القدرة على الدفاع عن حقوق إيران في الأوساط الدولية براحة تامة، وأكد أن إيران قامت بالخطوات الضرورية في مجال مواجهة القرصنة على أموالها، مشددًا على أن مرحلة إذلال الشعب الإيراني انتهت اليوم، متابعًا: إننا نقف اليوم كمنظمة منسجمة في مواجهة مجموعة تنتهك القوانين، وينبغي التصدي لها، وهذه هي سياستنا. هذه الخطوة الإيرانية تأتي استكمالًا للتوترات التي اندلعت بين طهرانوواشنطن في شأن القرصنة على الأموال الإيرانية الموجودة في أمريكا، ففي إبريل الماضي أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكمًا يمهد الطريق لحصول عائلات ضحايا هجمات إرهابية على حوالي 2 مليار دولار من الأصول المجمدة للبنك المركزي الإيراني في الولاياتالمتحدة، حيث قالت المحكمة العليا حينها إن الكونجرس الأمريكي لم يتجاوز سلطاته بإقراره قانونًا عام 2012، يقضي بوجوب توجيه الأموال الإيرانية المجمدة لتنفيذ حكم في قضية تعويضات بدأت عام 2001، لصالح عائلات ضحايا هجمات إرهابية ألقيت المسؤولية عنها على إيران، ومنها تفجير ثكنة لمشاة البحرية الأمريكية في بيروت في 1983، والذي أسفر عن مقتل 241 أمريكيًّا، وهو الحكم الذي أدانته وزارة الخارجية الإيرانية قائلة إنه لا يتطابق مع المبادئ والأسس الأولية لحقوق الإنسان. وقال حينها المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، حسين جابري أنصاري، إن الحكم يشكل استهزاء بالعدالة والقانون، ولن يوفر أي حق للرعايا الأمريكيين، وتابع أنه يعد تطاولًا على الأموال الإيرانية، ومن الطبيعي أن الإدارة الأمريكية تتحمل مسؤولية التعويض عن الخسائر الناجمة عن هذا الحكم ودفع الغرامة لإيران، واعتبر أنصاري أن الحكم يكشف التأثير المستمر للوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية، وتواصل الممارسات العدائية لهذه الإدارة ضد إيران، مؤكدًا أنها لن تقود سوى إلى تكريس انعدام ثقة إيران حكومة وشعبًا بالسياسات العدائية الأمريكية. بالتزامن مع هذه الخطوة الإيرانية جاء تصريح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الأحد، ليؤكد أن الاتفاق النووي لا يعني انتهاء الخلافات مع البلدان الأخرى المعنية، وأضاف ظريف: استطعنا إزالة الذرائع والعقبات التي وُضعت أمام تقدم الشعب الإيراني، إلا أن ذلك لا يعني انتهاء خلق الذرائع وممارسة الضغوط على الجمهورية الإيرانية؛ لأن طبيعة البلدان الأخرى لا تتغير، وأرجع وزير الخارجية الإيراني استمرار الخلافات إلى أننا لم ندخل مفاوضات في موضوعات أخرى غير النووي. التصريحات والخطوات الإيرانية التي تكشف العداوة بين طهرانوواشنطن، أكدتها تصريحات مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، جون برينان، الأحد، حينما قال إنه لا يوجد أى اتصال أو تعاون استخباراتى مع إيران، معربًا عن قلقه من نشاطات إيران الإرهابية ودعمها للميليشيات الإرهابية خاصة "فيلق القدس" فى عدة دول بالمنطقة، حسب قوله. وشدد برينان، في مقابلة مع قناة "العربية الحدث" السعودية، على أنه يتعين على إيران أن تثبت أنها ملتزمة بمحاربة الإرهاب وعليها وقف دعم الميليشيات، وأعرب عن أسفه من الصراع الطائفى المدمر الذي تشهده العراق، مشيرًا إلى وجود تنظميات وجماعات تحاول تأجيج هذا الصراع، متهمًا قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليمانى، بلعب دور قيادي في تأجيج الصراع الطائفي في العراق وسوريا ودول أخرى في المنطقة. يبدو أن الحديث عن تحسن العلاقات بين إيرانوأمريكا لا يزال سابقًا لأوانه، بل يؤكد بعض الخبراء أنه ليس واردًا من الأساس على الساحة السياسية؛ بسبب اختلاف وجهات النظر وتوجهات كلا الطرفين، ناهيك عن انعدام الثقة بين كليهما والتشكيك المتبادل في النوايا والتاريخ الطويل من الصراع المرير بين أمريكاوإيران، الذي وصل مع مرور السنوات إلى حد التهديد بشن حرب، فعلى الرغم من توقيع الاتفاق النووي بين الطرفين واعتقاد العديد من الدول والحكومات العربية والغربية أن هذا الاتفاق سيكون بمثابة فتح صفحة جديدة وانتهاء زمن العداوة بين البلدين، إلا أنه لم يُنْهِ الخلافات، ولم يوقف التصريحات والخطوات العدائية بينهما.