تعديل حكومي جديد يعد الخامس من نوعه على حكومة رئيس الوزراء الجزائري، عبد مالك سلال، على مدى 4 سنوات من توليه رئاستها في سبتمبر عام 2012، حيث يسعى الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، من خلال التعديل إلى انتشال ما تبقى من اقتصاد الدولة التي عصف بها انهيار أسعار النفط. أجرى بوتفليقة، السبت الماضي، تعديلًا جزئيًا على حكومة، عبد المالك سلال، شمل وزارتي المالية والطاقة، حيث أعفى وزير الطاقة، صالح خبري الوز، بعد عام من تعيينه، ونصّب بدلًا منه الرئيس التنفيذي لشركة الغاز والكهرباء، نور الدين بوطرفة، كما تم ترقية حاجي بابا عمي، من وزير منتدب مكلف بالميزانية والاستشراف إلى وزير للمالية، خلفًا لعبد الرحمن بن خالفة. في ذات الإطار، غادر عميد الوزراء وزير السياحة، عمار غول، الذي ينتمي إلى حزب "تجمَع أمل الجزائر"، تشكيلة الحكومة بعد أن قضى فيها 17 عاما متواصلا متنقلًا بين وزارات الصيد البحري والأشغال العمومية والنقل والسياحة، إذ حصل على أول حقيبة وزارية مع أول حكومة للرئيس بوتفليقة في عام 1999، ليتم إعفاؤه من منصبه الحكومي نهائيًا أمس السبت، ليخلفه في وزارة السياحة، وزير الموارد المائية، عبد الوهاب نوري، الذي ترك منصبه لعبد القادر والي، وزير الأشغال العمومية، وهي الحقيبة التي تم إدماجها مع وزارة النقل، لتصبح وزارة الأشغال العمومية والنقل ليقودهما بوجمعة طلعي. في وزارة الفلاحة والصيد البحري، تم الاستغناء عن سيد أحمد فروخي وتنصيب عبد السلام شلغوم، أحد الذين رافقوا كل برامج إصلاح القطاع الفلاحي منذ أكثر من عقد، كما تم تعيين غنية إيداليا، المنتمية لحزب جبهة التحرير الوطني، كوزيرة منتدبة مكلفة بالعلاقات مع البرلمان بدلًا من الطاهر خاوة، لتنضم الوزيرة الجديدة لصفوف وزيرات الأسرة والبريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال والصناعة التقليدية والتربية، إضافة إلى ذلك عيّن بوتفليقة وزير الخارجية ورئيس المجلس الدستوري الأسبق، بوعلام بسايح، البالغ من العمر 86 عام، كوزير دولة مستشار خاص وممثل شخصي لرئيس الجمهورية. استحدث التعديل الجديد لأول مرة منصب وزير منتدب مكلف بالاقتصاد الرقمي وعصرنة الأنظمة المالية، وهي الوزارة التي تقلدها المدير العام للتجمع النقدي الآلي، بوضياف معتصم، المفترض أن يكون على علم بالوضعية الكارثية التي تعيشها الجزائر في مجال النقد الآلي والبنوك بصفة عامة، فتعتبر الجزائر من أكثر الدول تخلفًا في هذا المجال على الصعيد القاري، حيث كان رئيس الوزراء، عبد المالك سلال، أعلن في آخر زيارة له إلى ولاية تيزي وزو عن استحداث وزارة للاقتصاد الرقمي، وأكد رغبة الحكومة الجزائرية الاهتمام رسميًا بالاقتصاد الرقمي والاقتصاد القائم على المعرفة عمومًا، في إطار التوجه الجديد الهادف لفك الارتباط بالمحروقات وإيلاء العناية اللائقة باقتصاد الذكاء والمعرفة. رأى العديد من الخبراء أن التغيير الحكومي الجديد الذي يُعد الثالث للرئيس بوتفليقة منذ إعادة انتخابه لولاية رابعة عام 2014، لمسة فنية اقتصادية خالية من السياسة تقريبًا؛ حيث عزز الرئيس الجزائري طاقمه التنفيذي بوجهين من حزب جبهة التحرير الوطني، وهما غنية أيداليا وعبد السلام شلغوم، وهو الحزب الذي يُعد الداعم الأقوى لسياسات بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم، واحتفظ الرئيس بوزراء يتولون حقائب سيادية، مثل الخارجية والعدل والداخلية، كما احتفظ بحليفه الكبير في السلطة، نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الفريق، أحمد قايد صالح. في المقابل، استغنى بوتفليقة عن وزيري المالية والطاقة، في محاولة منه لتغيير استراتيجية الحكومة في التعامل مع الموارد الاقتصادية سعيًا لإنعاش ما تبقى من الاقتصاد الجزائري المتهالك، حيث رجح مراقبون أن يكون إنهاء مهام وزير المالية، عبد الرحمن بن خالفة، جاء بسبب فشله في تطوير قطاع المالية والبنوك الذي يعد أحد أهم معرقلات الاستثمار في الجزائر بسبب ثقله البيروقراطي، فيما أرجع المراقبون إنهاء مهام وزير الطاقة، صالح خبري، لعدم قدرته على إحداث الديناميكية المأمولة في هذا القطاع الذي يمثل 98% من موارد الجزائر من العملة الصعبة. وأرجع بعض الخبراء تخلي بوتفليقة عن حليفة الرئيسي، وزير السياحة السابق، عمار غول، إلى دواعي انتخابية، حيث رجح بعض المراقبين أن يكون ابتعاد غول عن الحكومة يرجع إلى تحضيره لحملته الانتخابية إذ لا يمكن له الاستمرار في الحكومة والقيام بحملة انتخابية في ذات الوقت، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية العام المقبل. تأتي التعديلات بعد أيام من استعراض الحكومة الجزائرية أهم معالم النموذج الاقتصادي الجديد الذي تسعى لتطبيقه بين عامي 2016 و2019، للتصدي لانهيار أسعار البترول، حيث يشتمل النموذج الجديد على كيفية تحرير اقتصاد البلاد من التبعية للمحروقات بواسطة إصلاح الجباية حيث تشكل المحروقات حوالي خمسة وتسعين بالمائة من إجمالي صادرات الدولة وتمثل عائدات تلك الصادرات حوالي ستين بالمائة من ميزانية الدولة، كما يشمل النموذج على تطويع الميزانية لخدمة النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى إنشاء أسس صناعية وإنتاجية قوية عن طريق تحسين المناخ المؤسسي وزيادة جودة المنتجات المحلية والتصدي لكل من الفساد والبيروقراطية. خلال عرض هذا النموذج الاقتصادي الجديد، أعلنت الحكومة الجزائرية عن مدى حساسية الوضع الاقتصادي وعدم وضوح المستقبل الاقتصادي للدولة، ما اتفق حوله الخبراء الاقتصاديون الذين حذروا من انهيار الاقتصاد الجزائري مع منتصف عام 2017، إذا استمرت الحكومة في عدم البحث عن الحلول الناجحة والكفيلة بالنهوض باقتصادها، وعدم الوصول إلى مرحلة الاستدانة مجددًا من صندوق النقد الدولي. يأتي التعديل الحكومي بعد انتقادات شديدة اللهجة لاقتها الحكومة إثر عرض مشروع قانون المالية لسنة 2016 أمام لجنة المالية والميزانية بالبرلمان الجزائري، بسبب ما يتضمنه من زيادات مختلفة في الضرائب والرسوم في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها الجزائريون، وتحمّله الحكومة هذه الأعباء الجديدة، خاصة أن 40% من الطبقة الهشة في الجزائر يقدرون ب14 مليونًا.