بدأت ألمانيا في الفترة الأخيرة تطبيق قرارات صارمة من شأنها الحد من تدفق اللاجئين، بعد موجة الاستقبال الواسعة، في أعقاب تدهور الأوضاع في المنطقة العربية وهروب عدد كبير من السوريين والعراقيين والليبين؛ جراء اشتعال الحروب في بلادهم. لكن بخلاف تصريحات صدرت في البداية كانت مرحبة ومتعهدة باستقبال أكبر عدد من اللاجئيين، لاسيما من قِبَل المستشارة أنجيلا ميركل، يبدو أن هناك شيئًا ما تغير في الاستراتيجية الألمانية تجاه اللاجئين؛ لتبدأ مرحلة جديدة من التقييد والتضييق عليهم. ففي أول تقرير من وزارة الداخلية الألمانية موجه ضد اللاجئين لتعميم صورة تشوههم كافة، أكدت الشرطة الألمانية أن عدد الجرائم التي ارتكبها لاجؤون كان كبيرًا، ووفقًا للتقرير فإن نحو 69 ألف جريمة ارتكبها أو حاول ارتكابها مهاجرون خلال الربع الأول من العام الجاري، ولم يفصل التقرير عدد الجرائم الفعلية أو المحتملة، ولم يحدد نسبة هذه الجرائم من إجمالي الجرائم الفعلية أو المحتملة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2016. وقال التقرير إن الغالبية العظمى من المهاجرين لم يرتكبوا أي جرائم. ولكن الغريب هنا أن هذه هي أول مرة تنشر فيها الشرطة الاتحادية تقريرًا عن الجرائم التي يرتكبها مهاجرون؛ ليشمل بيانات من جميع ولايات ألمانيا الست عشرة؛ ولهذا السبب لا تتوفر بيانات سابقة لعقد مقارنات؛ ليزيد الشكوك حول الهدف من إصداره في وقت بدأت تلوح في الأفق إشارات بعدم رغبة المسؤوليين الألمان في استقبال عدد إضافي من اللاجئين في الفترة المقبلة. وفي هذا السياق واستمرارًا لحملة التشويه؛ طالب عضو البرلمان الألماني غريغور غولاند تقصيًا أمنيًّا حول كل اللاجئين المقيمين في ولاية شمال الراين فستفالن، منتقدًا تصريحًا سابقًا لوزير داخلية الولاية قال فيه "عن طريق البلقان لم يدخل ألمانيا أي إرهابي"، واصفًا تصريح الوزير بالساذج، مضيفًا "لا نستطيع حتى اليوم التأكد من هويات كل اللاجئين". وعلى الرغم من صدور تقرير ألماني يرصد جرائم اللاجئين، إلا أنه تغاضى بشكل واضح عن رصد الهجمات التي شنت ضدهم، حيث ارتفعت الهجمات على مراكز إيواء اللاجئين إلى 1031 هجومًا بالمقارنة مع 199 في العام السابق، ونفذ اليمين المتطرف 923 جريمة منها، وقالت تقارير إن هذه الأرقام ستزيد على الأرجح هذا العام، إذ نُفِّذ بالفعل 347 هجومًا في الثلاثة شهور الأولي من عام 2016. واستقبلت ألمانيا أكثر من مليون من المهاجرين واللاجئين العام الماضي، أغلبهم من سوريا والعراق وأفغانستان ومناطق حروب أخرى، إلا أنها تراجعت في استضافتهم في الشهور القليلة الماضية، بعد إغلاق طريق البلقان الذي تسبب في خفض تدفق اللاجئين إلى ألمانيا إلى مستوى مُتدَنٍّ. وكان واضحًا منذ عدة مؤشرات أن هناك توجهًا ألمانيًّا لهذا التقييد، وذلك بعدما أثارت حادثة كالونيا التي وقعت في يناير من العام الجاري جدلًا واسعًا، واتهمت فيها قوى سياسية ألمانية اللاجئين بتعميم الفوضي من خلال عمليات التحرش التي حدثت في أعياد الميلاد الأخيرة، الأمر الذي استغله اليمين المتطرف، حيث دعت صراحة رئيسة حزب البديل من أجل ألمانيا، فراوكه بيتري، لإطلاق النار على اللاجئين؛ لمنعهم من دخول ألمانيا إن اقتضى الأمر. وقالت بيتري «يجب منع دخول مزيد من اللاجئين غير المسجلين عبر الحدود النمساوية»، مضيفة «لا يوجد أي شرطي يسعى لإطلاق النار على اللاجئين، لكن يجب عليه أن يمنع عبور الحدود بطريقة غير شرعية، وإن اقتضى الأمر استعمال سلاحه، فهذا ما ينص عليه القانون». وهذه التصريحات العنصرية والمتشددة من قِبَل اليمين المتطرف أدت إلى ارتفاع معدل تنفيذ الهجمات ضد اللاجئين، حيث شهدت البلاد في الأيام الأخيرة أكثر من عملية اعتداء ضد اللاجئين، كما اندلع حريق ضخم في أحد مخيمات اللاجئين، كان غالبيتهم من السوريين والعراقيين والأفغان؛ ما أسفر عن احتراق المخيمات بالكامل، وعلى أثر ذلك أصيب 24 شخصًا بالتسمم؛ جراء استنشاق الدخان المنبعث من الحريق. وأرجع متابعون ذلك إلى أن السياسة الألمانية متناقضة، وأن الضغط اليميني المتطرف على الحكومة أدى إلى انقسام الوسط الحزبي الألماني تجاه سياسة الباب المفتوح التي استخدمتها ميركل في تعاملها مع اللاجئين في بداية الأزمة، حيث تزايدت دعوات الساسة للحد من تدفق اللاجئين، وشمل ذلك اقتراحًا بإلغاء حقوق لم شمل الأسر لبعض اللاجئين السوريين، ما أدى إلى انعكاسات وخيمة على اللاجئين أنفسهم. فبعد استقبال جزء من الأعداد التي حددتها الحكومة الألمانية، سرعان ما أخذت الإدارة خطوات في اتجاه آخر، معلنة عبر وزارة داخليتها أنها قد توقف اتفاقية دبلن التي تساعد على استقبال أكثر عدد من باللاجئين، مشيرة إلى أنها تخطط لإرسال اللاجئين إلى دول أخرى، في تراجع واضح عن سياساتها التي تبنتها في بداية الأزمة.