السياسة الأمريكية تتغير وهناك مزاج جديد يتنامى في الولاياتالمتحدة من خلال نهج "أمريكا أولا" الذي لا يضع اعتبارا للدبلوماسية والتعاون الدولي. لأول مرة منذ أجيال يظهر ما يدعو للتساؤل حول مستقبل العلاقات البريطانية الأمريكية. وهذا لا يتعلق بدونالد ترامب، الذي أعلن عن تشككه من التحالفات الحيوية للولايات المتحدة، بل يتعلق بمشروع قانون وافق عليه مجلس الشيوخ ويتم مناقشته حاليا في الكونجرس، والذي من شأنه فتح الطريق أمام المحاكم الأمريكية لمقاضاة أجهزة الأمن البريطانية. قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يشق طريقه في نقاشات الكونجرس ليس المقصود منه هجوم على وكالة الأمن الداخلي "MI5" أو وكالة الأمن الخارجي "MI6" البريطانيتين ، واللذان يعملان بشكل وثيق مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية. تمت كتابة القانون بقصد السماح لضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 برفع دعاوى قضائية في المحاكم الأمريكية ضد الحكومة السعودية أو أي جهاز أمني غض الطرف أو قدم يد العون للإرهاب . وقد أقر مجلس الشيوخ القانون بالفعل، الأمر الذي أدى إلى تهديد الحكومة السعودية بسحب أصول بقيمة 750 مليار دولار في الولاياتالمتحدة. قد تكون السعودية هي المستهدفة من القانون، لكنه قد يكون له عواقب غير مقصودة على بريطانيا، فالقانون يفتح الباب للكشف عن أسرار العمليات الاستخباراتية السرية للحكومة البريطانية، أو طلب تعويضات عن الفشل المزعوم لمنع الهجمات الإرهابية، وفي الحالتين ستتعرض العلاقة الخاصة بين بريطانياوأمريكا للتوتر. وبموجب هذا القانون، مواطني الولاياتالمتحدة لديهم الحق في رفع دعاوى قضائية ضد الحكومة البريطانية بدعوى الإهمال أو عدم التقدير الصحيح لمواجهة خطر التطرف الإسلامي في العقود السابقة. بالفعل هناك البعض في الولاياتالمتحدة يتهمون بريطانيا بالتسامح مع وجود دعاة متشددين في لندن خلال التسعينات، وهو نهج يقولون إنه أدى إلى نمو الإرهاب. يشير منتقدو الحكومة البريطانية إلى حالات مثل الهجوم الفاشل الذي قام به ريتشارد ريد عام 2001 محاولا تفجير طائرة أمريكية. فقد كان مجرما تافها اعتنق الإسلام وتبنى أفكارا متطرفة في مسجد "فينسبري بارك" الذي كان معروفا لدى الشرطة وMI5 " " كقاعدة لدعاة التطرف. إذا تم التقدم بدعوى قضائية في إطار مشروع القانون الجديد، قد تجبر الحكومة البريطانية للكشف عن المعلومات الاستخباراتية حول المؤامرة، ولماذا لم تتحرك لمنعها؟. بدلا من ذلك، قد تضطر بريطانيا للموافقة على تسوية مالية. وفي كلتا الحالتين، سمعة بريطانيا ستتضرر بشدة. تستند الدبلوماسية الحديثة على المفهوم القديم المتمثل في "الحصانة السيادية"، الذي تبنته بريطانيا منذ عام 1648. والذي بموجبه يحظر استخدام محاكم أي دولة لمقاضاة دولة أجنبية. مشروع القانون المطروح أمام الكونغرس يبين تخلى الولاياتالمتحدة عن هذا المبدأ. وبذلك الحكومات الأجنبية، حتى الصديقة منها، ستكون عرضة للمحاكم الأمريكية مع احتمالية الابتزاز القانوني لتجنب الكشف عن المعلومات الأمنية السرية. هذا القانون لن يؤدي إلا إلى فتور العلاقات الأمريكية. رفض القضايا المرفوعة بموجب القانون الجديد سيكون أمر صعب، لأن القانون أيضا يقوض السلطات الأمريكية لوقف هذه المحاكمات. ومن شأن ذلك أن يسمح للمحامين في الولاياتالمتحدة إما إجبار حكومات الدول الأجنبية على الكشف عن معلومات حساسة أو ابتزازها من أجل تسوية مالية. وقد يستخدم الرئيس الأمريكي صلاحياته الاحتجاجية لمنع القضايا الأشد ضررا المتعلقة بمعلومات حساسة من أجل حماية العلاقة الخاصة بين بريطانياوالولاياتالمتحدة. وفي ظل الإدارة الحالية، قد تكون هناك الحماية الكافية لحليف مثل بريطانيا. ولكن نظرا لتجاهله التعاون الدولي فإنه يبدو من المعقول أن نتساءل عما إذا كان الرئيس المحتمل ترامب سيستدعي صلاحياته القانونية حتى نيابة عن دولة حليفة. يعارض الرئيس أوباما ووزارة الخارجية بشدة لهذا القانون. هم يرون احتمالات الضرر الدبلوماسي الناتج عنه. كما أنهم يدركون إمكانية شن إجراءات انتقامية من قبل الحكومات الأجنبية. فالنظام المصرفي العالمي يجعل معظم المعاملات المالية في العالم تمر عبر سيرفرات الكترونية في الولاياتالمتحدة. وإذا سمحت الولاياتالمتحدة بالدعاوى القضائية ضد حكومات أجنبية بتهمة التواطؤ في الإرهاب، فكم سنحتاج من الوقت لتحريك قضية ضد الولاياتالمتحدة بتهمة الإهمال حول تمويل الإرهاب؟ مجلس الشيوخ الأمريكي أخطأ في تمرير هذا القانون، ويجب على مجلس النواب رفضه. على الرغم من أن للأسف كلا المرشحين الرئاسيين ترامب وهيلاري كلينتون قالوا أنهما سيوقعان عليه. فعل ذلك من شأنه إضعاف العلاقات الدولية للولايات المتحدة وتركنا جميعا في عزلة. النائب البريطاني توم توجندهات – دايلي تليجراف