تخطت العلاقات بين إسرائيل والأردن حاجز الدبلوماسية وتبادل الزيارات السرية والعلانية؛ لتصل إلى تملك الأراضي والاستثمار عليها، حيث فتحت الأردن أبوابها لتطأ أقدام الكيان الصهيوني أراضيها بحجة الاستثمارات، بعد السماح للشركات الإسرائيلية بالاستثمار في الأردن، من خلال إقرار قانون صندوق الاستثمار الأردني لعام 2016، من قِبَل مجلس النواب، الأمر الذي يعتبر خطوة كبيرة وجديدة في طريق التطبيع الأردني مع الكيان الصهيوني الذي يسير على قدم وساق. تراجع البرلمان الأردني عن استثناء إسرائيل من قانون الاستثمار الأردني، حيث كان مجلس النواب قد استثنى، خلال مناقشة مشروع صندوق الاستثمار الأردني لسنة 2016، إسرائيل من المساهمة في صندوق الاستثمار الأردني في جلسته الصباحية الاستثنائية التي عقدها في 22 مايو الماضي، وتخللها سجال بين رئيس مجلس النواب السابق والبرلماني الحالي، عبد الكريم الدغمي من جهة، ورئيس مجلس الوزراء حينها، عبد الله النسور، من جهة أخرى، وفي المساء أعاد البرلمان التصويت من جديد، بعد أن رفع الجلسة للاستراحة؛ ليقر القانون الذي حظي بتأييد 60 نائبًا من أصل 92 نائبًا حضروا الجلسة المسائية. يتضمن صندوق الاستثمار الأردني «حقوق وتملك واستثمار وتطوير وإدارة وتشغيل مشاريع: شبكة السكك الحديدية، والربط الكهربائي مع السعودية، وأنبوب نقل النفط الخام والمشتقات النفطية، وتطوير البنية التحتية في مدينة خادم الحرمين الشريفين، والمدينة الترويحية في محافظة العقبة، إضافة إلى أي مشاريع بنية تحتية أو تنموية كبرى إضافية يوافق عليها مجلس الوزراء، بناء على تنسيب من مجلس إدارة الصندوق بالاتفاق مع الشركة المساهمة التي تؤسسها الصناديق السيادية العربية ومؤسسات الاستثمار المحلية والعربية والأجنبية». بموجب نفاذ القانون يكون للشركات الإسرائيلية الأحقية في الاستثمار داخل المملكة، بل ومنافسة الشركات الأردنية المحلية والعربية والأجنبية على تنفيذ عطاءات على أراضي المملكة، وكذلك يسمح بتلاعب المستثمرين اليهود في الاقتصاد الأردني، بعد إعادة تعريف مسمى الشركات بتعريفها في المادة الثانية على أنها «شركة مساهمة تؤسسها الصناديق السيادية العربية ومؤسسات الاستثمار المحلية والعربية والأجنبية»، بعد أن كان تعريفها سابقًا أنها «شركة مساهمة تؤسسها الصناديق السيادية العربية ومؤسسات الاستثمار المحلية والعربية والأجنبية ما عدا الإسرائيلية منها». إملاءات إسرائيلية ورغم تأكيد رئيس مجلس الوزراء حينها، عبد الله النسور، أن القانون «مصلحة أردنية ولم يُمْلِه علينا أحد»، إلَّا أن العديد من المراقبين رأوا في تغيير النواب آراءهم ما بين الجلستين الصباحية والمسائية تطبيعًا بالأمر المباشر وإملاءات إسرائيلية لا تحيد عنها المملكة الهاشمية، مما وضع علامات استفهام متعددة حول كواليس ما دار بين الجلستين، وما إذا كانت إسرائيل أو جهات تابعة لها قد ضغطت على الأردن لإقرار القانون، رغم علمها بالغضب الشعبي الذي سينفجر عقب إقراره؟ وهل أصبح البرلمان الأردني منزوع الصلاحية وخاضعًا بالأمر المباشر للإملاءات الصهيونية؟ غضب شعبي وسياسي أثار هذا القرار استياء وغضب الشارع الأردني؛ لعدم استثناء إسرائيل منه، وصب الشعب الأردني غضبه على النواب المصوتين لصالح القرار، حيث احتشد عدد من الأردنيين أمام مبنى البرلمان الأردني في عمّان، ورددوا شعارات ضد القانون، من بينها «بقلي هذا استثمار.. هذا أكبر استعمار»، و«مجلس نواب يا دكان.. التطبيع بالمجان»، فيما دشن ناشطون أردنيون على شبكات التواصل الاجتماعي حملة تنتقد قرار مجلس النواب، وركز المغردون على أعضاء لجنة فلسطين النيابية الذين صوتوا لصالح الشركات الإسرائيلية، منتقدين ازدواجية قرارهم الذي لا يتسق مع موقفهم الداعم للقضية الفلسطينية، متسائلين: كيف يستوي القرار مع مبدئهم؟ من جهة أخرى اعتبر مراقبون أن السماح للشركات الإسرائيلية بالاستثمار داخل حدود الأردن خطوة تطبيعية هي الأخطر منذ معاهدة وادي عربة الموقعة بين الأردن ودولة الكيان عام 1994، بل أصبحت إسرائيل بهذا القرار شريكة أساسية في الاقتصاد الوطني الأردني، ووصف آخرون هذا القانون بالهدية العظيمة التي قدمها مجلس النواب لدولة تحتل الضفة الأخرى للأردن. في الإطار ذاته رأى سياسيون أن الاستراتيجية الرسمية الحالية للأردن تصب في اتجاه تعزيز العلاقة مع إسرائيل، بعد أن فشلت جهودها في خلق تطبيع اقتصادي شعبي، حيث قال رئيس مقاومة التطبيع النقابية، مناف مجلي: إن قرار النواب بالسماح لإسرائيل بالمشاركة في الصندوق هو الأكثر اتساقًا مع مجلس نواب يدرك الأردنيون أنه لا يمتلك قراره، مؤكدًا: كنا ننتظر أن يفاجئنا النواب بالتمسك بموقفهم الأول، لكنهم لم يفعلوا. من جانبه وصف القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، سالم الفلاحات، عدم استثناء دولة الاحتلال من هذا الصندوق ب«الضربة الموجعة في الضمير العربي والأردني»، فيما قال عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية، فاخر دعاس: إن إصرار الحكومة على حذف التعديل النيابي وحجم الضغط على النواب يؤكد أن هذا الصندوق الاستثماري له أهداف أخرى، قد تكون أولها فتح باب الاستثمار المشترك بين دول عربية بعينها والكيان الصهيوني، معتبرًا أن تراجع النواب عن قرارهم يؤكد أن هذا المجلس ليس سيد نفسه ولا يمتلك قراره. الغضب تخطى حدود الأردن ليصل إلى فلسطين، حيث أكد المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي، داود شهاب، أن القرار لا يعبر عن موقف الشعب الأردني الذي عودنا على مواقفه النبيلة تجاه القضية الفلسطينية، وأضاف أنه من المعيب والعار أن يكون رأس المال العربي شريكًا للمحتل الإسرائيلي، ونحن ننظر بخطورة إلى هذا الموقف؛ لأن الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى احتلال الأراضي العربية بحجة إنشائه مشاريع استثمارية.