أثار خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخير من على منبر الجامعة العربية جدلًا واسعًا في الأوساط الفلسطينية، خاصة بعدما أعلن استعداده لإجراء تبادل طفيف في الأرض للضرورة مع الكيان الصهيوني، حيث تساءل كثيرون عن ماهية هذا لاسيما وهو إحدى الاقتراحات الصهيونية التي لطالما نادى بها الاحتلال على مر السنوات الماضية كشرط لدخوله في المفاوضات. وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن: إن السلطة الفلسطينية مستعدة لإجراء تبادل طفيف في الأرض؛ لإعادة تحديد الحدود بين إسرائيل وفلسطين، لافتًا إلى أن السلطة لن تلتفت لأي مقترح بشأن تعيين حدود مؤقتة. وأضاف أبو مازن خلال كلمته أمام الاجتماع غير العادي لوزراء الخارجية العرب، بجامعة الدول العربية، السبت، أن السلطة الفلسطينية تعترف بالدولة الإسرائيلية منذ عام 1993، منذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولم تغير أي سلطة بعد ذلك هذا الاعتراف، مشددًا على أن ما ترفضه السلطة هو الاعتراف بالدولة اليهودية وليس دولة إسرائيل، حسبما قال. متى طرحت الفكرة؟ وتعيد تصريحات أبو مازن عن تبادل الأراضي للذاكرة تاريخ هذا الاقتراح ومن أول الشخضيات التي أطلقتها، حيث تسربت معلومات في عام 2013 عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود اولمرت كان هو من عرض في 2008 أمام الرئيس محمود عباس، في اجتماع عُقد بينهما «اقتراحًا تاريخيًّا» للتوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين، تضمن خريطة لخطة تبادل الأراضي بين الطرفين في إطار هذه الاتفاق. وعلى الرغم من خروج أبو مازن من الاجتماع رافضًا المصادقة على تبادل الأراضي، بعكس رغبة اولمرت، الذي طلب من أبو مازن التوقيع عليها بالأحرف الأولى، إلَّا أنه بشكل أو بآخر أعاد الرئيس الفلسطيني الحديث عن مبادرة أولمرت بعد ما يقارب 8 سنوات، ورغم خروج تقارير صهيونية تؤكد أن عروض أولمرت كانت مغرية للفلسطينين، حيث سيتنازل الكيان عن الكثير من الأمور الخلافية الأخرى، إلَّا أن الرئيس الفلسطيني رفضها في ذلك الوقت. وفي عام2013 أعيدت الفكرة في إطار دعوة عربية لإحياء عملية السلام مرة أخرى، فمن على منصة الجامعة العربية أعلنت قطر عن دعوتها لبدء مفاوضات جديدة بين الكيان الصيهوني والقيادة الفلسطينية، تشمل في طياتها إنهاء الاحتلال وحل الدولتين وتبادل الأراضي الفلسطينية بالأراضي المحتلة التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني، حيث أكد رئيس الوزراء القطري في ذلك الوقت، حمد بن جاسم الثاني، أن الجامعة العربية تقبل فكرة تبادل الأراضي بين إسرائيل والفلسطينيين؛ من أجل إنهاء النزاع بين الطرفين على أساس مبدأ «دولتين لشعبين»، تفصل بينهما حدود عام 1967. واحتفى الكيان الصهيوني بموافقة الجامعة العربية برعاية قطرية على تبادل الأراضي، حيث صرحت وزيرة العدل حينذاك، تسيبي ليفني، بأن تأكيد ممثلي الجامعة العربية تمسكهم بالمبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط، وموافقتها على تبادل الأراضي يبرز أهمية التوقيع على اتفاقية سلام مع الفلسطينيين، ورغم موافقة الجامعة العربية وعدم اعتراض القيادة الفلسطينية على فكرة تبادل الأراضي في ذلك الوقت، إلَّا أن آثار الإعلان عن ذلك من قِبَل الدول القطرية في الجامعة العربية أغضب الفلسطينيون وفتح الكثير من أبواب الانتقادات ضد الدوحة. اقتراحات تبادل الأراضي رغم أن الرئيس محمود عباس أبو مازن أكد في خطابه الأخير أنه يوافق على فكرة تبادل الأراضي، لكن بشكل طفيف حيث لم يتخط ذلك 1% من أراضي الضفة، إلَّا أن ما أثار غضب المعلقون والمحللون أن أبو مازن لم يحدد الأراضي المتبادلة، وأعطى صورة بأن هناك تنازلًا من قِبَل القيادة الفلسطينية مقابل تعنت من قِبَل الاحتلال الصهيوني، لذلك فتح باب التأويلات، حيث نشر الكثير من الاقتراحات الصهيونية لتبادل الأراضي. تقوم الفكرة المتدوالة منذ فترة على «تبادل الأراضي» بضم القرى الفلسطينية داخل المناطق المحتلة المعروفة بأراضي عام 48 دون أراضيها الزراعية بالكامل إلى الدولة الفلسطينية، وبالمقابل ضم المستوطنات اليهودية الرئيسة قرب خط الهدنة لعام 1949 «حدود 1967» إلى الكيان الصهيوني. ويقطن في منطقة المثلث نحو ربع مليون من فلسطينيي 48 وعشرات الآلاف من اليهود، وقد ضمت عام 1949 بموجب اتفاقية رودس لوقف إطلاق النار، إلى الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1948. ردود فعل سياسية وانتقد الكاتب الصحفي الفلسطيني حسن عصفور خطاب الرئيس أبو مازن الأخير، مؤكدًا أنه كان به الكثير من التنازلات، مؤكدًا أن حديث الرئيس عباس عن إنهاء الاحتلال للأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدسالشرقية لإقامة دولة فلسطينية عليها بعاصمتها غير منقوصة يستحق التقدير، لكن حدث ما لا يتوقع عندما أعلن أنه مستعد ل«تعديل طفيف» على الحدود في إطار «تبادل أراضي بذات النسبة والقيمة». وأضاف في مقال له على إحدى الصحف الفلسطينية أن الصدمة هنا أن مسألة تبادل الأراضي الفلسطينية هي جزء من العملية التفاوضية لا تقدم بتلك الطريقة «الفاضحة» وتكشف استعدادًا مبدئيًّا على التنازل دون معرفة موقف الطرف الآخر، وأن «التبادلية» ليست فعلًا مطلقًا دون تحديد ما يجب أن يكون لك وما يريد الآخر، فليس كل «طلب تبادلي» يمكن أن يقبل به مهما كانت نسبته؛ لأن هناك مناطق يحرم وطنيًّا وسياسيًّا ودينيًّا وضعها تحت بند «تبادل أراضي»، خاصة في منطقة الحرم القدسي الشريف، وكل ما يمكن أن يمثل خطرًا على دولة فلسطين ووحدة أراضيها وتواصلها.