بعد بدء الأزمة السورية في منتصف مارس من العام 2011، شهدت معظم المحافظات السورية العديد من الإضطرابات الأمنية و التي سرعان ما تصاعدت إلي أحداث دموية و اشتباكات مسلحة عنيفة هزت أرجاء الوطن السوري، و فقدت علي إثرها الدولة السورية و جيشها السيطرة علي مناطق واسعة. فيما احتفظت منطقة الساحل السورية بمحوريها "اللاذقية و طرطوس" بهدوء نسبي و تواجد قوي و آمن لوحدات الجيش العربي السورية و الأجهزة الأمنية فيها. حتي تعرضتا كلتا المدينتين " طرطوس و جبلة" لسلسلة تفجيرات هي الأعنف علي الأطلاق منذ الثمانينات، فما الدوافع وراء مثل هذه التفجيرات؟ و ما الرسائل التي تحملها؟ 1. تفاصيل الهجمات تعرضت مدينتا جبلة وطرطوس أمس الأول لأعنف سلسلة هجمات حملت توقيع تنظيم داعش، وأوقعت أكثر من 140 قتيل و مئات الجرحي بحسب المرصد السوري. التفجيرات غير المسبوقة التي شهدتها المنطقة الساحلية استهدفت بحسب وكالة الأنباء السورية «سانا» منطقة «الكراجات» و«المستشفى الوطني» و«مديرية الكهرباء» في مدينة جبلة، سبقهما 3 تفجيرات في مدينة طرطوس في منطقة «الكراجات الجديدة» و«الضاحية السكنية». التفجيرات التي ضربت «جبلة» بمحافظة اللاذقية كانت باستخدام سيارتين مفخختين بالإضافة إلى حزامين ناسفين، بينما استخدمت في تفجيرات طرطوس سيارة مفخخة استهدفت منطقة الكراجات، في حين تم ضرب الكراج نفسه مرة أخرى بواسطة حزام ناسف وآخر في الضاحية السكنية المقابلة للكراجات. ووقعت التفجيرات في مدينة طرطوس بالتزامن عند الساعة التاسعة صباحا، وفق ما قال مصدر في شرطة المدينة لوكالة فرانس برس. ونقلت سانا ان انتحاريين فجرا نفسهما داخل محطة للحافلات «الكراجات» وانفجرت سيارة مفخخة عند مدخلها. واوضح المرصد بدوره ان انتحاريين فجرا احزمتهما الناسفة في محطة طرطوس بعد تجمع الاشخاص في المكان اثر انفجار السيارة المفخخة. وبعد ربع ساعة، ضربت اربعة تفجيرات مدينة جبلة التي تبعد 60 كيلومترا شمال طرطوس. وافادت مصادر في شرطة جبلة فرانس برس ان «تفجيرا انتحاريا استهدف قسم الاسعاف في المستشفى الوطني، ووقعت التفجيرات الثلاثة الاخرى بواسطة سيارات مفخخة في محطة حافلات المدينة وامام مؤسسة الكهرباء واما مستشفى الاسعد» عند مدخل المدينة. وقد تبنى تنظيم داعش الهجمات، بحسب بيان أوردته وكالة «اعماق» الاخبارية التابعة له. 2. تبني تنظيم داعش الارهابي للتفجيرات .. الرسائل و الدوافع أعلن مصدر أمني سوري أن الجهات المختصة ألقت القبض على انتحاري قالت إنه "تابع لحركة أحرار الشام، قبل تفجير نفسه بالقرب من مستشفى جبلة بريف محافظة اللاذقية". وأوضح المصدر، في اتصال مع وكالة "سبوتنيك"، أن الانتحاري "كان يرتدي حزاما ناسفا ويحاول الدخول إلى مشفى جبلة الوطني لتفجير نفسه، مستغلا حالة الارتباك في المستشفى والازدحام الذي حصل جراء التفجير المركب الذي ضرب المدينة صباح اليوم.". يأتي بعد تبني تنظيم "داعش" الإرهابي سلسلة التفجيرات الدموية عبر منبره الإعلامي " أعماق". القراءة الميدانية لعمليات الأمس وتبني داعش لها نجد تساؤلات كبيرة توصلنا فيما بعد إلى صورة عن التقاطعات بين كافة الفصائل المسلحة المقاتلة على الأرض. فبين الرسائل التي اراد تنظيم داعش ارسالها بهذه العمليات، و دوافع القيام بها تتضح الصورة أكثر ف أكثر. حيث تتمحور رسائله في الاتي: إعلانه بإنه مازال متواجداً و نشطاً إلي حدِ كبير في الساحة السورية، وقادراً علي فتح العديد من الجبهات و المعارك في أمكان جديدة. التنظيم من الناحية المنطقية والنظرية لا يمتلك القدرة اللوجستية اللازمة والمتمثلة بإمكانية نقل هذا الكم من الأشخاص المنفذين والمتفجرات وإيصالها بهذه الدقة إلى الأماكن المكتظة في ساعات الذروة، الامر الذي يرجح تنسيقه بصورة مسبقة و غير معلنة مع الفصائل المسلحة الاخري ك احرار الشام و التي لا تريد الخروج من العباءة المعتدلة لواشنطن. الامر الذي يزيد من احتمالات ان يتشرك التنظيم مع بعض الجماعات المسلحة في فتح جبهات جديدة، خاصًة بعد انحسار قوة تنظيم داعش و فقدانه للعديد من ركائز بقائه و تمدده. اما الدوافع التي أدت بالتنظيم لتنفيذ تلك الهجمات المتزامنة ف تَكمُن في : تدخل تلك العمليات ضمن الإستراتيجية الجديدة التي اتبعها التنظيم الارهابي بعد انحسار قوته جرّاء الضربات القاسمة التي تعرض لها، بتحرير تدمر السورية و الرمادي العراقية و الاتجاه لتحرير الموصل، و الرقة عاصمة التنظيم، تخبرنا الوقائع العسكرية الاخيرة أن التنظيم في مراحله الأخيرة لذا ترتكز إستراتيجيته الجديدة، في بعض الإجراءات العسكرية المتمثلة في فتح جبهات جديدة علي أكثر من محور و الإنتقال إلي بقع جغرافية لطالما كانت بعيدة عن سطوة التنظيم. تعتبر تلك العمليات الاخيرة كإجراءات إنتقامية من التنظيم و داعميه ضد النازحين السُنّة السوريين، الذي فروا من بؤر النزاع المشتعلة و توجهوا صوب الساحل السوري المستقر نسبياً، حيث أتت تلك التفجيرات بالتزامن بعد تصفية التنظيم لبعض عناصره ممن حاولوا الهروب. إرباك الوضع في الساحل السوري و محاولة إدخال الكتلة السكانية فيه لحرب طائفية، كي يضمن التنظيم حاضنة اجتماعية و شعبية له في بقعة جغرافية جديدة، و مهمة جيوستراتيجياً. يُذكَر، علي إثر هذه التفجيرات هاجمت مجموعة من المواطنين، وفق المرصد، مخيم الكرنك للاجئين في طرطوس وطردوهم منه بحجة «انهم يشكلون حاضنة شعبية للارهاب"، ويضم مخيم الكرنك وهو عبارة عن بعض المباني قيد الانشاء عشرات الاشخاص النازحين من محافظتي ادلب وحلب. وهذا ما أكدته مصادر أخرى في المعارضة نقلا عن مصادر محلية في طرطوس أن مجموعات مسلحة قامت بأعمال انتقامية طالت مناطق تواجد النازحين في المدينة، عقب التفجيرات. 3. تجاهل الإعلام الغربي للهجمات الاخيرة. تعرضت مدينة حلب قبل اسابيع مضت لاحداث دموية عنيفة، كان اشهرها قصف مستشفي بحي السكري بالمدينةو الذي اوقع عشرات القتلي و الجرحي، تنصل من مسؤولية هذا الحدث جميع اطراف الصراع، الذين تبادلوا الإهتمامات. كما حازت مدينة حلب ذات الأهمية الاستراتيجية القصوي في الحرب السورية، حازت علي اهتمام وسائل الاعلام العالمية و الاقليمية، و ادانت العديد من المنظمات الحقوقية و الدولية الدولة السورية للوضع الميداني في حلب، في حين تغاضت وسائل الإعلام العالمية و الاقليمية عما يحدث في طرطوس و اللاذقية، علي الرغم ان طرطوس و اللاذقية شهدت سقوط قتلي في يوم واحد يقارب الي حد كبير ما سقط ف مدينة حلب قرابة الاسبوع، تخبرنا هذه الوقائع، إنه كلما اقترب الجيش العربي السوري و حلفائه من تحرير مدينة "هامة إستراتيجياً" كلما زات الوتيرة الاعلامية ضده. و كلما هُمِشَت الأحداث الدموية التي تحدث في مدن اخري، كطرطوس و جبلة.