رصدت مجلة "الفورين بوليسي" الأمريكية في تقرير لها السيناريهوات المحتملة لتنظيم "داعش" الإرهابي في حال إنهياره جراء الضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم خلال الفترة الوجيزة الماضية. حيث قالت المجلة: إن قوة تنظيم "داعش" تتضائل شيئاً ف شيئاً خاصًة مع خسارة التنظيم لمدينتيّ الرمادي و تدمر، فضلاً عن تقدم القوات الكردية المدعومة أمريكياً بالشمال السوري و العراقي ايضاً. و مع الغارات التي استهدفت أهم مصادر تمويل التنظيم الا و هي الحقول و المنشآت النفطية، فإن التنظيم الإرهابي بات يخسر مساحات شاسعة من الأراضي التي سيطر عليها كما واجه صعوبات جمّة في تجنديد مقاتلين جُدد. و بالرغم من تلك الضربات الأخيرة فإنه لا يُمكن التسليم بحقيقة أن التنظيم علي وشك الهزيمة المدوية، فمقاتلوا التنظيم يسيطرون حتي الآن علي العديد من المناطق الهامة، كما مازالت مدينة "الرقة" عاصمة التنظيم في أيديهم، كما هو الحال بمدينة الموصل في العراق، بالإضافة لمساحات كبيرة حول مدينة "نينوي" العراقية و جيوب سُنيّة بمحافظة الأنبار مثل الفلوجة. علاوةً علي ذلك و بحسب الفورين بوليسي فإن التحالف الدولي قد حرم التنظيم من ملايين الدولارات من عائدات النفط، الأمر الذي دفع بالتنظيم إلي اللجوء لطرق جديدة لسد النقص و تعويض هذه الخسائر الفادحة، و تتابع المجلة قولها بإن استسلام ابو بكر البغدادي أمر مستبعد تماماً، و بذلك فإن التنظيم الإرهابي و قادته قد يفكرون في طرح و تنفيذ خطط إستراتيجية و بديلة إن صح التعبير، تضمن لهم البقاء و التمدد و تعزيز سطوتهم و وجودهم و إجبار الغرب و العالم علي مكافحتهم. فما هي الإجراءات و الخطط الإستراتيجية التي من المحتمل إن يلجأ إليها التنظيم الإرهابي طبقاً لمجلة الفورين بوليسي الأمريكية؟ ليست هذه الإستراتيجية بالمعني الحرفي المٌشار إليه أي التوجه تحت الأرض و إنما علي غرار ما حدث في الماضي لحركة طالبان في أفغانستان، إنشاء حكومة ظل أو مجلس قيادة، تتواري في الخفاء، و تقوم بتنفيذ العمليات الإرهابية النوعية تباعاً، و بهذه الطريقة يضمن التنظيم ولاء قطاعات عريضة من الناس في المناطق التي سيّطر عليها و يقلل من قواته و عتاده كماً و كيفاً و الإعتماد علي الهجوم السريع الخاطف بدلاً من التمركز في المدن الكبري و تحويلها إلي منصات إنطلاق للعمليات في الجوار. و بحسب الفورين بوليسي، فإن هذه الإستراتيجية الجديدة المتبعة قد لا يندمج بها مقاتلي التنظيم الأوروبيين، خاصة بعد رجوع أكثر من 20% منهم إلي بلادهم بعد انحسار قوة و تهاون نفوذ التنظيم بالشهور القليلة الماضية. و من ناحية أخري فإن الوضع سيتطلب وقتاً طويلاً حين تمتلك الدولة السورية و العراقية أجهزة استخباراتية و أمنية فعّالة و قوية لملاحقة عناصر و قادة التنظيم الإرهابي بعد إعتمادهم تلك الإستراتيجية، كما أنه من المرجح أن يكسب التنظيم بهذه الإستراتيجية تعاطف الجمهور السُني في البلاد و ذلك لانه من المحتمل أن يفسر الاهالي الامر بأنه انتصار جديد للشيعة او العلويين و تباعاً يضمن التنظيم انسحاباً هادئاً و تواجداً خاطفاً متمثل في عمليات نوعية كالتي انتهجها مقاتلوا تنظيم القاعدة بعد التدخل الامريكي في افغانستان و العراق. 2. إعادة التموضع. ايضاً من الإجراءات المحتلمة لتنظيم داعش الإرهابي حال بداية إنهياره في سوريا و العراق، هو إعادة التموضع و الإنتشار في أحد المعاقل الغنية بالنفط و الإرهابيين، لذا تمثل الأراضي الليبية الوجهة المُثلي للتنظيم، فقد يمثل إنتقال مركز قيادة التنظيم من سوريا إلي ليبيا عاملاً قد يطيل من مدة وجوده و بقائه علي الساحة الدولية. و لكن وجود تنظيم داعش بليبيا بكل ثقله سيدفعه بالتأكيد الي الدخول في معارك مع الميلشيات القبلية المتعددة التي تنشط هناك، و لذلك للإستحواذ علي المساحة الجغرافية المطلوبة لوجوده و لتعزيز سطوته. يبدوا الأمر بالنسبة لداعش " مقامرة" جديرة بالإهتمام لانه و بحسب الفورين بوليسي، ستضرب تلك الإستراتيجية سياسات الإدارة الامريكية بعدم فتح جبهة قتال جديدة في الحرب القائمة الأن علي الإرهاب. كما يعد إنتقال مركز القيادة للتنظيم الإرهابي للاراضي الليبية محفوفاً بالمخاطر علي صعيد أنصار التنظيم الذين سيرون ذلك بحسب الفورين بوليسي مجرد تراجع ليس أكثر، كما سيمهد لخفض نشاطات التنظيم في الشام و العراق، الأمر الذي يمس عقيدة التنظيم و يدخل في صميم مبادئها الثيوقراطية التي تقر أن ارض الشام ستشهد المعركة الأخيرة بين الخير ضد الشر. منزوع المناطق او مطرود منه، فإن تنظيم "داعش" لن يبقَ داخل نطاق جغرافي واحد، سيكون عبارة عن عدة أفرع في الكثير من البلدان، سيكون تنظيم "داعش" دولة إسمية فقط، لكن علي الوضع "الجيوبوليتكي" سينفي ذلك. كما يرجح إنتقال داعش إلي الأراضي الليبية صعوبة احتواء ولاء مقاتلي التنظيم او حتي إدارتهم بنفس الصورة السابقة. 3. التصعيد من المحتمل بحسب الفورين بوليسي أن تتضمن الخطة "ب" لتنظيم "داعش" الإرهابي، التصعيد العسكري الفوري، عن طريق إطلاق هجمات كبيرة علي مناطق و مقاطعات هامة إستراتيجياً، حيث من المفترض أن يرمي هذا الإجراء إلي إستخدام التنظيم لكامل قوته و إمكاناته العسكرية. و هو ما يشبه هجمات ألمانيا النازية بأواخر الحرب العالمية الثانية. و تعتقد الفورين بوليسي أن التنظيم الإرهابي في حال إعتماده هذه الإستراتيجية العسكرية فمن المحتمل أن يتم إغتيال الرئيس السوري بشار الأسد، او جرّ الولاياتالمتحدة الي طاحون حرب مباشرة في سوريا، وبدء هجوم موسع بالشمال السوري لمعاقبة روسيا علي تدخلها عسكريا في سوريا و تغييرها إلي حد ملحوظ للخريطة العسكرية. فضلاً عن إحتمالية أن يأمر البغدادي بشن عمليات إرهابية في مكة و الرياض كسابقاتها يأتي هذه بالتزامن مع زعزعة الإستقرار في الاردن و لبنان و تعرض إسرائيل لهجمات مماثلة بحسب الفورين بوليسي سيكلف هذا الهجوم البائس تنظيم "داعش" الكثير كماً و كيفاً لكنه سيثبت للعالم بطريقة أو بأخري أنه مازال موجوداً و قادراً علي تغيير ديناميكية الصراع إلي حد كبير. 4. تجنب مصير تنظيم "القاعدة". مهما لحق بتنظيم "داعش" فإنه سيحتفظ بتأثير نفسي قوي علي الساحة. لذا إذا تبعثر مقاتلوا التنظيم الإرهابي خارج سوريا و العراق، فإن شمال إفريقيا و اليمن ستكونان المنصتين القادمتين لعناصر التنظيم، و كما حدث لتنظيم القاعدة بعد انهيار حكم طالبان، لم يمنع ذلك الإنحلال من تواجد عناصر القاعدة لدول لم يكونوا بها من قبل. و تنظيم "داعش" ليس ببعيد عن ذلك، و لكن هذا قد يجعل من البغدادي قائد ذا صوت بعيد عن ساحات القتال مثل "أيمن الظواهري" و لكن في هذه الحالة قد ينبثق عن تنظيم "داعش" العديد من الجماعات الإرهابية ذات الولاءات المختلفة. مثل الجماعات السلفية في سيناء و حركة الشباب بإفريقيا. فمن القرن الإفريقي لجنوب آسيا هنالك العديد من الجماعات الإرهابية التي انشقت من عباءة تنظيم القاعدة و انطلقت نحو تنظيم "داعش" الإرهابي، ففي أكتوبر من العام 2014 أعن ستة قادة من طالبان الباكستانية ولائهم لأبو بكر البغدادي و تنظيمه الجديد. و لكن هل يستطع تنظيم "داعش" و الذي يعيش علي نهب و سرقة ثروات البلاد و المناطق التي يحتلها، هل يستطع البقاء دون جغرافيا؟ و هل بإمكان التنظيم البقاء دون تدفع اموال الخليج؟، تجيب الفورين بوليسي علي هذه الأسئلة الهامة و التس ستحدد مصير التنظيم، بنعم، لأن التنظيم له باعُ طويل في عمليات الخطف و الإبتزاز و التهريب فيستطيع البقاء دون الدعم المالي الذي يأتي من الخليج لمدي قريب. 5. افضل الخطط .. قد يكون مصيرها الإنحراف عن أهدافها. مع تدهور الخلافة المزعومة يحاول قادة التنظيم الإرهابي حماية أنفسهم برفع الروح المعنوية و محاولة استقطاب و تجنيد المقاتلين، في حال الإنهيار مؤكد أن يكون للبغدادي خططه المفضله و التي يحتفظ بها سراً، لكن العديد من القادة بالتنظيم قد يكون لهم رأياً مخالفاً لتلك الخطط، و مع انتهاج التنظيم و قادة عدم الانصياع و السماح لمخاليفهم في الرأي بتغيير شئ خاصة في الامور الاستراتيجية و التكتيكية، فقد ينقلب القادة علي البغدادي نفسه، إذ وجب الأخذ في الاعتبار انه من الصعب الحفاظ علي الولاءات وقت الإنهيار. كانت تلك السيناريوهات المحتملة لإنهيار تنظيم داعش والتي استعرضتها الفورين بوليسي الامريكية، قد تخبرنا الوقائع العسكرية الأخيرة ان التنظيم الارهابي قد خسر الكثير، لكن ذلك لان يؤكد هزيمته حتي الأن، فما زال التنظيم متماسكاً و متواجداً علي الأرض.