جاء الإسلام رافعا من شأن المرأة وما كان واقعا عليها من ظلم واضطهاد، فاعترف بكرامتها وأثرها البارز في الكون، مما جعلها تتمتع بمنزلة كبيرة في المجتمعات الإسلامية، فبدا دورها واضحا في مصر، ولا سيما في حقبة الفاطميين. بوادر ظهور المرأة للمطالبة بحقوقها يعد أول واقع جلي لمطالبة المرأة بحقها في مصر الفاطمية، في عهد الحاكم بأمر الله، عندما فرض على المرأة الكثير من القيود التي تمثلت في عدة أوامر صدرت في أعوام متتالية مما كبل حرية المرأة، ولعل صدور هذه الأوامر يرجع في المقام الأول لشخصية الخليفة الحاكم، الذي تميز بميله للزهد والتقشف ومحاولة الرجوع بالإسلام إلى بساطته الأولى، هذا بجانب تصرفات فئة من النساء وقد أسرفن في اللهو، مثل خروجهن إلى الشوارع سافرات متبرجات، كما أقبلن على شرب الخمر وأكثرن من الخروج واختلطن بالرجال. من ثم بدأ الحاكم أصدار أوامره ضدهن، وفي عام 402ه/1011م منع النساء من الخروج بعد العشاء، ثم بعد ذلك بعامين أصدر مرسومه الخاص بمنع النساء من الخروج ليلا أو نهارا بما في ذلك المرأة الشابة أو العجوز، وكان يباشر تنفيذ أوامره من خلال بعض العيون من النساء "الدلالات"، غير أنه لم يصدر أوامره دفعة واحدة رغبة منه في إصلاح المظاهر العامة لسلوك هؤلاء النساء، والارتفاع بهن إلى الفضيلة. أما عن موقف المرأة من تلك الأوامر والتي أدت إلى حبسهن سبع سنوات فإن بعض النساء رفعن إلى الخليفة رقاعا، يبدين اعتراضهن ويشرن إلى عدم وجود من يخدمهن، وفيهن من لا زوج لها، كما شكى إليه التجار كساد تجارتهم نتيجة عدم خروج المرأة للأسواق، فوضع الخليفة حلا وسطا وهو أن يحمل التجار كل السلع التي تباع في الأسواق إلى الدروب، حيث تخرج النساء فتأخذ ما تريد. بعد مقتل الخليفة الحاكم عام 411ه/1020م، سمح الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بالإفراج عن النساء، فعدن بعد فترة لما كن عليه أيام الحاكم، مما أدى إلى إصدار الأوامر ضدهن مرة أخرى. امرأة تنقذ مصر من الهلاك مر عهد الظاهر أيضا ليأتي عصر المستنصر ويأتي معه دور المرأة المصرية الذي لا ينكر، وهذا ما ظهر فيما عرف بالشدة المستنصرية، عندما وقعت المجاعة بمصر وكادت تهلك أهلها جميعا، حيث أتبعها وباء نتيجة ارتفاع الأسعار وخاصة الخبز، مما جعل الناس يأكلون القطط والكلاب، حتى قيل أنه كان يأكل بعضهم بعضا، ويقال أيضا أن النساء كانت تذبح وتؤكل لحومهن على أيدي بعض الطباخين، وكذلك لم تسلم نساء القصر من تلك المحنة فقد خرجن ناشرات شعورهن ويصحن من الجوع، ويردن الذهاب إلى العراق، حيث أصبحت الجواهر وما يقتنيه الناس لا قيمة له. وسط كل هذه الأزمات والمعامع التي كادت تطيح بأهل مصر، تظهر المرأة المصرية ويظهر دورها الفعال تجاه الأزمة، وذلك من خلال سيدة تزعمت مظاهرة وكانت هي شرارتها الأولى ضد المستنصر ونظامه، مما جعله ينظر في هذه الأزمة ويجد لها حلا في أسرع وقت، ويسرد المقريزي هذا القصة قائلا: إن امرأة من أرباب البيوت خرجت من القاهرة، ولعلها كانت من أسرة ثرية، فقد كان معها عقد يساوي مبلغا كبيرا، وبدأت في عرضه على الناس حتى يعطوها عوضا عنه دقيقا، فكان الكل يعتذر إليها ويدفعها عن نفسه، حتى أخذه منها أحدهم، وباع لها بقيمة العقد دقيقا، وعند رجوعها من الفسطاط إلى القاهرة، اضطرت أن تعطي بعضه لمن يحمله لها ويحميه من النهابة في الطريق، وعندما وصلت باب زويلة تسلمته منه ومشت به، فتكاثر عليها الناس وانتهبوه منها، ولم يبق لها إلا ملئ يدها، فعجنته وصنعة منه قرصة، فوقفت بها عند أحد أبواب القاهرة ورفعت القرصة على يدها حيث يراها الناس، ثم نادت بأعلى صوتها "يا أهل القاهرة ادعوا لمولانا المستنصر، الذي أسعد الله الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركاته، حتى تقومت على هذه القرصة بألف دينار". بهذه الكلمات استطاعت هذه المرأة أن تنتقد سياسة الخليفة المستنصر بكل جرأة وشجاعة، ولم تخش بطشه في وقت تأزمت فيه الأمور، وكان انتقادها بطريقة حادة يشوبها التهكم والسخرية، مما جعل الخليفة يغضب غضبا شديدا، فأحضر واليه وتهدده أن يظهر الخبز في الأسواق وإلا ضربت رقبته وانتهب ماله، مما جعل الوالي يذهب إلى الخبازين وتجار الغلال واتهمهم باحتكار الحبوب؛ مما أخل بأحوال الدولة والرعية، فما كان منهم إلا أن تراجعوا عن مواقفهم، فأخرجت الغلال وعمرت الأسواق بالخبز، ورخصت الأسعار إلى حد كبير. هنا وكانت هذه المرأة هي السبب الرئيس في الإطاحة بهذه المجاعة التي ربما كانت ستستمر لفترة أطول وتكون سببا في هلاك البلاد لولا صنيعها، مما يجعلنا في النهاية لا نستطيع أن ننكر دور المرأة المصرية في القديم أو الحديث.