مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الفرنسية، أظهرت أغلب استطلاعات الرأي الفرنسية انخفاض شعبية الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى مستوى غير مسبوق، وبدأت تظهر ملامح الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر أجراءها عام 2017، وتحدث الكثيرون عن استبعاد انتخاب أولاند مرة أخرى؛ في ظل وضع اقتصادي وسياسي أمني ضعيف. ويرى المراقبون ضرورة أن تنتج الانتخابات الرئاسية المرتقبة مشهدا جديدا على الصعيد الداخلي بفرنسا، مع ترجيح إعادة النظر في قدرة الحزبين المهيمنين "الجمهوريون" و"الحزب الاشتراكي" على الخروج من الوضع الراهن، حيث عكست تداعيات الظروف السياسية والاقتصادية الحالية، التي جاءت بعد عهدين رئاسيين لشخصيتين تنتميان إلى هذين الحزبين الكبيرين، حالة من تراجع الثقة فيهما، في مقابل صعود ملحوظ لشعبية "الجبهة الوطنية" المصنفة في خانة اليمين المتطرف، الأمر الذي يثير تخوف الكثيرين، خاصة العرب منهم، لاسيما أن هذا الحزب يميل إلى العنصرية ضد اللاجئين والمغتربين الأجانب في فرنسا. وتذكر الأيام الجارية الفرنسيين بانتخابات 2002 الرئاسية عندما صعط اليمين المتطرف على حساب الحزب الاشتراكي الذي سقط في الجولة الأولي، فانتقل إلى الجولة الثانية بدلاً من مرشحه، زعيم "الجبهة" اليمينية المتطرفة، جان ماري لوبن، وهو والد رئيستها الحالية، مارين لوبن. وتظهر في حزبي "الجمهوريين" و"الاشتراكيين" انقسامات داخلية حادة، خصوصا في ظل غياب أي توافق عام بشأن المرشحين المفترضين، أي الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي الذي يترأس حزب الجمهوري، والرئيس الحالي، فرنسوا أولاند الذي يتزعم الحزب الاشتراكي، فكل هذه المؤشرات تدفع فرنسا أكثر نحو مشاهد سياسية شبيهة بواقع عدد من الدول الأوروبية اتجهت ناحية انكسار هيمنة الأحزاب التقليدية على الحياة السياسية، الأمر الذي يفتح الانتخابات الرئاسية المقبلة على كل الاحتمالات، في وقت عزت الصورة الضبابية بدرجة كبيرة إلى رفض الرأي العام للاشتراكي أولاند واليميني ساركوزي، وفق جميع استطلاعات الرأي التي أكدت رفض خوض إعادة بينهما كما حصل في 2012. تراجع شعبية أولاند وتراجعت شعبية أولاند وهبطت إلى مستوى غير مقبول بسبب حصيلته الاقتصادية الضعيفة مع مستوى قياسي من البطالة تجاوز %10، وفي حين لا يشكك الخبراء في رغبته في الترشح غير أن الشكوك تحيط بقدرته على القيام بذلك. ويقول خبير العلوم السياسية، غايل سليمان، من معهد أودوكسا، في تصريحات نقلتها وكالة فرانس برس «الفرنسيون لا يريدونه أن يترشح، لقد فقد ثقة الناس، عندما يقول إن الأمور تتحسن، حتى وإن كانت لديه عناصر يمكن الاستناد إليها، لا يصدقه أحد»، فيما أكد إيمانويل ريفيار من معهد «تي.أن.أس سوفر» لاستطلاعات الرأي: «لم يكن أي مرشح لولاية جديدة في مثل هذا الوضع قبل سنة من الانتخابات». ووفق استطلاعين للرأي، فإن أولاند سيخرج من الدورة الأولى في حال قرر خوض السباق، على أن يحصل في أحسن الأحوال على %15 من الأصوات، متخلفا بكثير عن مارين لوبن وعن مرشح اليمين أيا كان. وخلافا لاستطلاعات الرأي، فواجه أولاند هجوما شديدا من قبل المعسكر اليميني، كما شهدت فترة رئاسته احتجاجًا واسعًا على سياسية من أوساط اليسار بعد اتخاذ قرارات أكثر ليبرالية في العام قبل الماضي، ثم تغليب الطابع الأمنى بعد اعتداءات باريس الأخيرة، وفي الأشهر الماضية، اضطر للتراجع عن عدد من التعديلات القانونية المهمة الأمر الذي عكس غموضًا حول سياسياته تجاه الشعب الفرنسي وخلف شعورا بالغدر لدى البعض وبالريبة لدى آخرين. ساركوزي يرى مراقبون أن ساركوزي ليس في وضع أفضل من أولاند، فجاءت استطلاعات الرأي حول فوز رئيس حزب الجمهوريون بالرئاسة الفرنسية، متدنية جدًا؛ إذ تقدم عليه آلان جوبيه، رئيس الوزراء السابق (1995-1997). أيمانيول ماكرون ويعد من أبرز المرشحين لرئاسة فرنسا المقبلة، ويشارك في الحكومة الحالية بمنصب وزير الاقتصاد الفرنسي، وأطلق إيمانويل ماكرون حزبا جديدا بعنوان "ماضون"، ليس من مصنفًا كيميني أو يساري. ويرى ماكرون أن إنشاء حزب سياسى جديد يعد الطريق الوحيد للتعبير بحرية عما يراه صالحا وضروريا للمجتمع، خاصة أنه وجد العمل فى الحزب الاشتراكى أصبح صعبا للغاية بسبب الانقسام الحاد بين تيار رئيس الوزراء مانويل فالس وتيار اليسار، وأيضا لأن ماكرون لا يريد أن يكون ضمن تيار فالس، على الرغم من القرب "الليبرالى" بينهما. جوبيه وفي الوقت الذي كشفت فيه استطلاعات الرأي أن فرنسوا أولاند سيهزم من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، أكد متابعون أن هذا الأمر سيسمح لرئيس بلدية بوردو، آلان جوبيه، لليسار بالانتقال إلى الدورة الثانية. ويقول مراقبون إنه ربما أصبح أمام آلان جوبيه، رئيس الحكومة السابق في عهد جاك شيراك، مستقبلا سياسيا واعدا، حسب استطلاع للرأي أجرته صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، الذي أظهر أن 47 % من الفرنسيين يأملون أن يصبح رئيس بلدية مدينة بوردو الحالي رئيسا للجمهورية الفرنسية في عام 2017. وشغل آلان جوبيه مناصب سياسية عليا، فكان وزيرا للخارجية في عهد ساركوزي ورئيسا للحكومة في ولاية شيراك، وضمن الشخصيات السياسية المحبوبة لدى الفرنسيين بحكم تجربته في تسيير أمور الدولة واعتداله السياسي. مارين لوبان أما عن مارين لو بان المعروفة بعنصريتها ضد العرب وزعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينى المتطرف، فكل الظروف المحيطة بفرنسا تساعدها خاصة بعد تزايد العمليات الإرهابية في دول أوروبا، الأمر الذي استغلته في الترويج لسياسيتها التي تعرف بالإسلام فوبيا. ورغم الانتقاد الشديد الموجه لها بعد مهاجمتها المسلمين، إلا أن فصيلا كبيرا داخل فرنسا أصبح مقتنعا برؤتها الضالة، وساعدها على ذلك الإرهاب الذى يتخذ الدين ستارا له.