حالة من الاضطراب والتوتر وتبادل الاتهامات عادت من جديد بين الطرفين الهنديوالباكستاني، فبعد سنوات من الحروب المشتعلة والصراعات الخفية لم تنجح اتفاقيات وقف إطلاق النار في وقف النزاع بين البلدين، ليتجدد تلقائيًّا من حين إلى آخر. اجتمع وكيل وزارة الخارجية الهندية، سوبراهمانيام جايشانكار، ونظيره الباكستاني، إعزاز أحمد تشودري، أمس لاستئناف المحادثات الدبلوماسية بينهما، والتي كانت قد توقفت بعد هجوم شنه متشددون على قاعدة باثانكوت الجوية الهندية، وأسفر عن مقتل 7 عسكريين في يناير الماضي، ووصفت المفوضية العليا الباكستانية في نيودلهي الاجتماع بأنه أتاح فرصة مفيدة لتبادل الآراء بشأن التطورات الأخيرة، وأضافت أن كل القضايا العالقة نوقشت في الاجتماع ومن بينها النزاع بين البلدين على إقليم كشمير المقسم. يأتي هذا الاجتماع بعد يوم واحد من تقديم الهند احتجاجًا رسميًّا إلى السلطات الباكستانية، على بناء الأخيرة مخابئ عسكرية مزودة بتكنولوجيا عالية في عدة أماكن على طول الحدود الدولية مع إقليم راجستان الهنديوباكستان، حيث تسببت هذه الخطوة الباكستانية في قلق الهند من تعاون باكستاني صيني في هذه المنطقة، وهو ما يتناسق مع وجود قوات صينية في تلك المنطقة، خاصة بعد أن أجرت باكستانوالصين مؤخرًا تدريبات عسكرية بينهما. وقالت المخابرات الهندية في احتجاجها إن باكستان تسعى لإنجاز العمل في إطار تقنيات حرب الصحراء، وقامت ببناء ما يقرب من 180 مخبئًا في شهر واحد فقط، منها ما يوجد في النقطة صفر، والتي تفصل ولايتي جوجارات وراجستان الهنديتين عن إقليم السند في باكستان، وأضافت أن الجانب الباكستاني أقام مخازن ذخيرة دفاعية دائمة هناك. الاحتجاج الهندي رأى فيه مراقبون أنه جاء بمثابة "بلاغ كيدي" ضد باكستان، حيث إنه جاء بعد أن أعربت وزارة الخارجية الباكستانية في 21 إبريل الجاري عن قلقها من الاختبارات الهندية لصواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، معتبرة أن هذه الاختبارات تؤدي لاختلال التوازن الاستراتيجى في جنوب آسيا. وقال المتحدث باسم الخارجية الباكستانية، نفيس زكريا، حينها إنه على الهند إبلاغ باكستان مقدمًا إذا أرادت القيام بالاختبارات، وجاء الرد الباكستاني بعدما أطلقت الهند في مارس الماضي صاروخًا طويل المدي قادرًا على حمل رأس نووي من غواصة في المحيط الهندي، وهو ما أثار المخاوف حول التوازن النووي في المنطقة، وخاصة التسليح النووي في المحيط الهندي. الاحتجاج الباكستاني الذي قابله بعد أيام احتجاج هندي، يأتي في خضم المعارك والحرب الباردة وتبادل الاتهامات بين الطرفين، حيث لم تنعم العلاقات بين الدولتين بالهدوء منذ أن استقلتا في عام 1947، فقد نشبت بينهما ثلاث حروب رسمية خلال أعوام 1947-1949، و1965 و1971، من بينها حربان بسبب إقليم كشمير، ناهيك عن الحروب الباردة وتبادل الاتهامات بينهما من حين إلى آخر، إضافة إلى تبادل إطلاق النار على الحدود بين البلدين المتنازع عليها بين الفترة والأخرى. يعتبر إقليم كشمير هو محور النزاع بين نيودلهي وإسلام أباد، فعلى الرغم من توقيع الطرفين على اتفاق وقف إطلاق النار على الخط الحدودي الذي يفصل منطقة كشمير إلى قطاعين هندية وباكستانية، والذي جاء برعاية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 1949، إلا أن ذلك الاتفاق لم يمنع المناوشات بين الطرفين، حيث عادت الحرب لتشتعل بينهما من جديد في عام 1965، ليتم إعلان وقف جديد لإطلاق النار في سبتمبر من نفس العام، لتعود الحرب مرة أخرى في عام 1971، والتي استمرت حتى توقيع الطرفين على اتفاقية "شِملا" التي حددت خطًّا للهدنة يفصل بين كشمير الهندية وكشمير الباكستانية في عام 1972. ويخوض الطرفان سباق تسليح منذ عام 1998، حيث يسعى كل منهما إلى التفوق على الآخر، وأجرت كل من البلدين تجارب نووية، وأطلقت العديد من الصواريخ الباليستية؛ في محاولات لاستعراض القوة، ونشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية تقريرًا عن الدول العشرة الأكثر تصديرًا واستيرادًا للأسلحة، حسبما أورد معهد ستوكهولم لأبحاث السلام في تقريره الأخير لعام 2015، وجاءت باكستان في المرتبة الخامسة في ترتيب الدول المستوردة للأسلحة، وتبلغ حصتها 4% من إجمالي الواردات العالمية، فيما جاءت الهند في المرتبة الأولى؛ لتكون أكبر مستورد للأسلحة، وتسهم بحصة قيمتها 15% من إجمالي سوق الاستيراد العالمي. يكمن الفرق بين الطرفين في أن البرنامج التسليحي الباكستاني دفاعي، ويهدف إلى مواجهة الهند بالدرجة الأولى، حيث لا تخشى باكستان من جيرانها الآخرين بحكم تفوقها عليهم عسكريًّا وشراكتها الاستراتيجية مع الصين، فيما يأتي برنامج التسلح الهندي في الإطارين الهجومي والدفاعي معًا، ويهدف إلى مواجهة كل من باكستانوالصين، حيث تشهد الحدود الصينيةالهندية توترًا من وقت لآخر، كما أن التحالف الباكستانيالصيني يقلق الهند كثيرًا.