بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، أخذت المقاومة الفلسطينية بالقطاع في التطور بشكل ملحوظ، وكانت الأداة التي شكلت فصلًا جديدًا لتاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي حفر الأنفاق التي برعت فيه حماس وباقي الفصائل، إلَّا أن نصيب الأسد من الأنفاق التي أعدت خصيصًا لمفاجأة العدو وتكبيده خسائر ملحوظة يذهب لحركة حماس. وتجهز الحركة أنفاقًا بكفاءة عالية جدًّا، حيث تتوفر شبكات للمياه والكهرباء والصرف الصحي، كذلك غرف مخصصة للقادة؛ لمنع العدو من الوصول إليهم، وتحاكي الأنفاق إلى حد ما مفهوم أنفاق الفيت كونغ، التي تم حفرها تحت أدغال فيتنامالجنوبية، إلَّا أن جودتها متطورة بمراحل كبيرة، حيث الجدران والأسقف خرسانية ومزودة بشبكات للاتصالات، ومعدة للمكوث فيها لفترات طويلة. ويحاول الاحتلال الإسرائيلي بكل السبل المتاحة والتقنيات الحديثة اكتشاف الأنفاق التي تمتد من الأماكن القريبة من الحدود الفاصلة لقطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة داخل الخط الأخضر، إلَّا أن جهوده تذهب سدى، حيث إن الأنفاق التي يتم كشفها وتدميرها تعد قليلة جدًّا مقارنة بعدد الأنفاق التي تستخدمها المقاومة للدفاع عن قطاع غزة أثناء الحروب. وتبعد هذه الأنفاق عن التأثير المباشر لقصف الطائرات الصهيونية، حيث يتم حفرها على عمق 25 35 مترًا تحت الأرض، بعيدًا عن كل التقنيات التي يستخدمها الاحتلال من كاميرات وأسلاك شائكة وجدران عازلة وأبراج مراقبة على الحدود. ويتطلب هدم الأنفاق دخولًا بريًّا لقطاع غزة وبحثًا دقيقًا ومكثفًا، إلَّا أن هذا الخيار يعتبر مستبعدًا لدى الاحتلال، بفضل وجود الأنفاق التي تفاجئ العدو بعمليات خطف الجنود والتصدي لهم. أهم عمليات المقاومة بفضل الأنفاق عام 2006 عندما كانت الأنفاق مجهزة بشكل مبدئي، استطاعت المقاومة الفلسطينية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي أُطلق سراحه فيما بعد، باتفاق حررت فيه المقاومة أكثر من ألف أسير فلسطيني بسجون الاحتلال، كما استطاعت التسلل إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وإيقاع خسائر فادحة في الجانب الصهيوني، كعملية زيكيم في الحرب الأخيرة، التي اقتحم فيها مجموعة من المقاومة الفلسطينية موقعًا عسكريًّا وقتلوا عددًا كبيرًا من الجنود، وعادوا من حيث جاءوا سالمين. ويتم استطلاع تمركز القوات الإسرائيلية البرية على الحدود مع قطاع غزة بفضل الأنفاق، حيث يعرف عددها وقوامها للاستعداد للحرب البرية حال وقوعها، إضافة لنسف المنظومات الاستخبارية التي يضعها الاحتلال لرصد محيط قطاع غزة. الحفر.. مهمة شاقة يتطلب حفر الأنفاق وقتًا وجهدًا شاقًّا، حيث تحاول المقاومة عدم استخدام الآلات التي قد تلفت انتباه الناس؛ للحفاظ على سريتها، فغالبًا ما يتم حفرها بشكل يدوي، وتستغرق شهورًا. وكان موقع «واللاا» العبري قد زعم أن حماس تستخدم آلات هندسية مبتكرة في حفر الأنفاق بشكل سريع، حيث قالت إنها تستخدم حفارات هندسية في الأماكن الضيقة، وادعى الموقع أن حماس تستخدم الأسمنت لتبطين الأنفاق، وفي حال عدم وجود الأسمنت فإنها تلجأ لاستخدام الأخشاب، ويقود هذا الاعتقاد الصهيوني إلى منع دخول الأسمنت والأخشاب إلى قطاع غزة. وكان الاحتلال قد أعلن منتصف الأسبوع الجاري عن اكتشاف أحد أهم الأنفاق وأطولها والذي يصل لمسافة 200 متر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، باستخدام تقنيات حديثة بالقرب من تجمع «أشكول» جنوب قطاع غزة. ورغم كل المحاولات والمضايقات والمعلومات الاستخباراتية التي يستخدمها الاحتلال للكشف عن أماكن الأنفاق بقطاع غزة، تبقى المعلومات الواردة عن تلك الأنفاق شحيحة بقدر يمكِّن المقاومة الفلسطينية من أن تكون مستعدة للهجمات الصهيونية ضد قطاع غزة، بل وإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون التي تسبب خسارات فادحة وذعرًا لا يوصف في صفوف الصهاينة. ويمكن القول بأن الأنفاق تعد مرحلة متطورة جدًّا للمقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، التي استطاعت أن تشكل قوة مضادة للاعتداء الصهيوني على القطاع.