تتسم علاقات دول أمريكا اللاتينية مع الكيان الصهيوني دائمًا بحالة من البرود والجمود، على خلفية مواقف دول القارة من الاعتداءات والانتهاكات التي يمارسها الأخير ضد الشعب الفلسطيني يوميًا من قتل وتدمير. أمريكا اللاتينية خارج السرب ورغم أن العديد من دول العالم اتبعت سياسة الولاياتالمتحدة، التي دائمًا ما تصدر تصريحات فارغة تهاجم فيها الفلسطينين، وتغض النظر فيها عن ممارسات الاحتلال، إلا أن هناك دولا ما زالت تعيش في عصر الحرية، فمثلما تنحاز الحكومة الأمريكية للتأكيد على دعمها غير المشروط لإسرائيل، تبرز منطقة واحدة في معارضتها لما يحدث ضد الفلسطينين، وهي أمريكا اللاتينية. ويأتي موقف أمريكا اللاتينية من الاحتلال الصهيوني ليعبر عن تاريخ قديم من الدعم اللاتيني للفلسطينين، حيث دافعت هذه القارة عن الفلسطينيين في لحظات مهمة في التاريخ، ودعت دول أمريكا اللاتينية إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة في حرب عام 1967 ووضعت ما أصبح لاحقًا القرار رقم 242، وفي السنوات الأخيرة، اعترفت معظم دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية. الاستقلال بداية التغيير وبدأت أمريكا اللاتينية تأخذ توجهًا متغييرًا عن جارتها الشمالية في العقود الماضية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي بعد استقلالها نسبيًا عن السياسة الخارجية الأمريكية، لاسيما مع ظهور الحركات المضادة للهيمنة الأمريكية، وهي منظمات إقليمية جديدة، مثل اتحاد دول أمريكا الجنوبية ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، التي لا تشمل الولاياتالمتحدة، فضلًا عن النضوج الذي شهدته الشؤون العالمية، ويضاف على ذلك حقيقة أنها كانت واحدة من أكثر المناطق ديناميكية اقتصاديا – بوجود اقتصادات ناشئة، وعضوية بريكس. ذعر صهيوني عاد هذا الدعم الأمريكي اللاتيني للقضية الفلسطينية مرة أخرى هذه الأيام، بعدما ذكر موقع "واللا" الإسرائيلي أن هناك تخوفات صهيونية حولتحركات فلسطينية لإقناع دول في أمريكا الجنوبية من أجل أن تشارك في حركات المقاطعة لمنتجات المستوطنات الصهيونية، وأن تقوم بوضع علامات تميز بضائعها خاصة التي تنتج في مستوطنات الضفة الغربية والجولان المحتلين، الأمر الذي تتخوف منه تل أبيب وسعت إلى زيادة تحركاتها في هذه الدول لمنع أي أمر قد يضر بهذه المنتجات. تزامن نشر هذه التقارير مع تصويت مجلس حقوق الإنسان الدولي التابع للأمم المُتحدّة، على إنشاء قائمة سوداء لشركات صهيونية تعمل داخل الضفة الغربية، والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان، وجميعها مناطق محتلّة، وتمّت الموافقة على المشروع بدون معارضة أي دولة، وطالب القرار من مسؤولي حقوق الإنسان في الأممالمتحدة إقامة قاعدة بيانات فيها جميع الشركات التجارية التي تمكن أو تنتفع من نمو المستوطنات الإسرائيلية. رهان خاسر وأضاف الموقع أن ما يزيد قلق إسرائيل أنها استغلت العقد الأخير في إقامة علاقات تجارية قوية مع دول أميركا اللاتينية، من بينها توقيع اتفاقية التجارة الحرة، وهو ما دفع وزير الخارجية السابق أفيجدور ليبرمان للتوصية بتعزيز العلاقات الاقتصادية في تلك القارة لتعويض أي مقاطعة أو تراجع في العلاقات الاقتصادية مع أوروبا. لم تكن المقاطعة الاقتصادية والتجارية فقط التي أبدى الاحتلال الصهيوني تخوفه منها، حيث كشفت تقارير صهيونية أن هناك مساعي من دول أمريكا اللاتينية بأن تقاطع الكيان أكاديميا، حيث كشفت القناة التلفزيونية الإسرائيلية العاشرة عن قلق يسود الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية عقب الترويج للقرار الذي يتوقع أن تتخذه رابطة علماء الأنثروبولوجيا الأمريكية، بإعلان المقاطعة الأكاديمية للمؤسسات التعليمية والجامعية والبحثية في إسرائيل لاستمرارها في احتلال الأراضي العربية، وفي حال المصادقة على القرار فسيعد استجابة لطلب منظمات المجتمع المدني الفلسطيني التي تطالب بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، انطلاقا من الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل المعروفة باسم "بي دي إس".