رغم أن علاج فيروس سي يدخل ضمن قائمة العلاج على نفقة الدولة لغير القادرين، إلا أن حصول المرضى علي العلاج يأتي بصعوبة بالغة؛ لعدم توفره بصورة دائمة، كما أن بعض المرضى في المحافظات لا يستطيعون تدبير نفقة الانتقال إلى مراكز العلاج في العاصمة، رغم قرار محكمة القضاء الإداري بصرف تكاليف الانتقال لمرضى فيروس سى بواقع 50 جنيهًا للمرة من أجل العلاج. «ذل وعناء».. ضريبة يدفعها المرضى لاقتناص العلاج من جانبها، تفتح «البديل» ملف الالتهاب الكبدي الوبائي «فيروس سي»؛ للتعرف على معاناة المرضى مع المراكز العلاجية ووزارة الصحة في الحصول على العلاج. يقول إسماعيل صالح، أحد مرضى فيروس سي: «اقتنصت قرار العلاج علي نفقة الدولة بعد محاولات دامت لمدة أربعة أشهر، لكنني أواجه صعوبة بالغة في الحصول علي العقار المناسب لحالتي، فأحيانًا أذهب إلى مراكز العلاج، أجد طابور انتظار أمامي لمدة ساعات». «الحصول علي عقار سوفالدي أمر غاية في الصعوبة».. كلمات قالها أحمد توفيق، أحد مرضى فيروس سي، مضيفا: «أعاني كل شهر من محاولات الحصول علي العقار، والأمر مرهق وأحيانا يبوء بالفشل، فأكثر من مرة يتم تأجيل حصولي علي العلاج، حتى تجاوزت شهرا، ما يمثل خطورة بالغة على حالتي، كما يقول الأطباء». وتوضح سميرة زكريا، والدة أحد المرضى: «مؤمن نجلي مصاب بفيروس سي، وبعد أن نجحنا في الحصول على قرار العلاج علي نفقة الدولة، أجد صعوبة في الانتقال إلى مراكز العلاج؛ نظرا للتكلفة الباهظة، فلا أستطيع الحصول علي مبلغ ال50 جنيها الذي أقرته الدولة كي ننتقل من المحافظات إلى مراكز العلاج بالقاهرة»، مضيفة: «إذا كان الأمر بيدي، كنت سأعالج نجلي علي نفقتي حتى أرحمه من ذل العلاج على نفقة الدولة»، بحسب تعبيرها. وقالت خديجة سعيد: «زوجي مصاب بفيروس سي، ومنذ أن اكتشفنا المرض، نحمل هم نفقات العلاج الباهظة، التي نعجز عن توفيرها، خاصة أن زوجي كان عاملا بأحد المصانع وتركه، وليس لدينا مصدر رزق آخر»، متابعة: «بعد خمسة أشهر، حصلنا على قرار العلاج على نفقة الدولة، لكن عملية صرف الأدوية شاقة ومرهقة للغاية، فأحيانا نتردد علي مركز العلاج أكثر من 6 مرات حتى نتمكن من الحصول علي السوفالدي». وأشار سيد ناجح، زوج مرضية: «كنت موظفا قبل بلوغي سن المعاش، وبالطبع مثل أي موظف في الدولة، لم أتمكن من توفير علاج لزوجتي المصابة بفيروس سي، وبعد معاناة وقائمة انتظار، نجحنا في حصولها علي قرار العلاج علي نفقة الدولة، لكن ما يؤرقنا كثيرًا، توجهنا إلى مراكز العلاج لصرف العقاقير المناسبة لحالتها، فحصولنا علي الأدوية أمر غاية في المشقة، وكثيرا ما نضطر إلى تكرار الذهاب للمراكز حتى نحصل علي السوفالدي، وأحيانا تمر أيام ولا تتناول زوجتي العلاج بسبب عدم توفره في المركز». «شلل وعمى وقرح معوية».. كوارث مرضية نتيجة العلاج الثنائي «شلل، عمى، قرح بالمعدة، آلام متفرقة في الجسد».. أمراض أصابت العديد من المرضى ممن تناولوا العلاج الثنائي الذي أقرته وزارة الصحة في عهد الدكتور عادل عدوي، وزير الصحة السابق، رغم تحذيرات الكثير من الأطباء، الذين وصفوا تطبيق القرار بالسريع، دون الخضوع لتجارب كافية، ما نتج عنه بعض الكوارث الصحية. يقول بدر الجندي، مريض فقد نور عينه اليمني بعد تناوله العقار، إنه تقدم للحصول علي العلاج من فيروس سي التابع للتأمين الصحي، وبالفعل صرف الكمية المناسبة لحالته، المكونة من ثلاثي «إنترفيرون، وسوفالدي، وريفابرين»، مضيفًا: «كنت أتلقي العلاج أسبوعيًا، وبعد الحقنة الثامنة، استيقظت من النوم، على وجود غمامة سوداء بعيني اليمني، وعندما توجهت إلي أطباء العيون، أكدوا أن حالتي نتيجة تلقي عقار سوفالدي المحلي»، لافتا إلى إصابة مرضى آخرين بحساسية علي الصدر وقرح بالمعدة؛ نتيجة تناولهم للعقار نفسه. ويؤكد ناصف شوقي، مريض فيروس سي، أنه تناول العلاج الثنائي «سوفالدي وريفارين» لمدة ستة أشهر، وقبلهما «إنترفيرون»، لكنه شعر بتعب شديد وقرحة في معدته، مضيفا أنه أجرى تحاليل بمعامل تابعة للتأمين الصحي، وتبين أن النتيجة إيجابية، أي أن الفيروس انتهي، لكنه كرر التحليل في معمل خاص، ليفاجأ باستمرار سريان الفيروس في جسده، كما أظهرت الأشعة زيادة نسبة التليف الكبدي، والطحال تضخم بنسبة 17 ونصف سنتيمتر، ما يوضح عدم إجراء تجارب على العقار قبل إعطائه للمرضى. أما سحر شوقي، مريضة، تقول: «تناولت العلاج الثنائي، وبعدها شعرت بآلام حادة في المعدة، وعندما توجهت إلى الطبيب المعالج، أكد عدم وجود علاقة بين الآلام والعلاج، لكن بمرور الوقت، اكتشفت إصابتي بقرحة في المعدة، وعندما عرضت الأمر علي أكثر من طبيب، أكدوا أن سبب القرحة تناول العلاج الثنائي، وبالفعل، أوقفت العلاج، ما أدى إلى تدهور حالتي بشكل أكبر». وكان المركز المصري للحق في الدواء تقدم ببلاغ إلى النائب العام يحمل رقم 658 ضد الدكتور عادل عدوي، وزير الصحة السابق، والدكتور وحيد دوس، رئيس اللجنة القومية للفيروسات الكبدية؛ بسبب تضرر الكثير من المرضي ممن تناولوا عقاري «سوفالدي». وقال محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء ل«البديل»، إن المركز بالفعل، تقدم ببلاغ للنائب العام؛ بعد تحرير عدد من المرضى توكيلات لهم؛ لمقاضاة المسؤولين عن الكارثة، مؤكدا أن ما تضرر منه المرضى هو العلاج الثنائي، ومتابعا: «لا تستخدم أي دولة في العالم ذلك العلاج الفتاك الذي أودى بالعديد من المرضى إلي الجحيم، فمنهم من فقدوا بصره، وبعضهم أصيب بأمراض أخرى». وأكد الدكتور أحمد إسماعيل، أخصائي أمراض الكبد: «للأسف، مصر اعتمدت العلاج الثنائي دون إجراء التجارب الكافية، وتجاهلت تحذيرات العديد من المتخصصون في علاج أمراض الكبد وقتها، ما سبب العديد من الكوارث للمرضى». قلة المراكز.. أبرز أزمات مرضى فيروس سي من جانبهم، أكد عدد من المتخصصين في أمراض الكبد أن مرضى فيروس سي سيواجهون العديد من المصاعب التي يجب تنظر فيها وزارة الصحة خلال الفترة المقبلة، أبرزها قلة أعداد المراكز المعالجة للمرض، التي تقتصر علي 55 فقط، إلى جانب قلة الميزانية المخصصة لعلاج مرض فيروس سي، إضافة إلى التفاوت في أسعار العلاج داخل وخارج المراكز. يقول الدكتور محمد عز العرب، رئيس وحدة الأورام بمعهد الكبد، إن الميزانية المخصصة لعلاج مرضى فيروس سي غير كافية علي الإطلاق، مؤكدا أن مصر بها 55 مركزا لعلاج فيروس سي، في حين أننا نحتاج حوالي 800، حتى يتم تغطية أعداد المصابين، والقضاء على المرض نهائيًا، ومضيفا أن الفترة المقبلة سوف تشهد طفرة في زيادة أعداد المراكز المعالجة للمرض، بما يغطي جميع المحافظات؛ للقضاء على المرض. وأوضح الدكتور خيري عمار، أخصائي أمراض الكبد، أن مرضى فيروس سي يواجهون العديد من المشاكل، على رأسها قلة عدد المراكز المعالجة للمرض، حيث يضطر العديد من المرضى إلى الانتقال للمحافظات الأخرى حتى يستطيعوا تلقي العلاج، ما يكلفهم نفقات إضافية. وتابع: «بعض الأطباء والمسؤولين يقرون أنواع جديدة لعلاج فيروس سي دون إجراء تجارب كافية، ما يؤدي إلى حدوث العديد من الآثار الجانبية الكارثية عليهم، مثل العلاج الثنائي الذي فتك بصحة الكثير»، بحسب تعبيره، لافتا إلى وجود نقص حاد في العقاقير المعالجة للمرض ك«سوفالدي»، مطالبا وزارة الصحة بتخصيص ميزانية مناسبة لعلاج فيروس سي، خاصة أن اعداد المرضى في زيادة سنوية. ويعد مرض الالتهاب الكبدي الوبائي «فيروس سي» أحد أهم الأزمات الصحية؛ لخطورته على الثروة البشرية، وبحسب الإحصاءات، وصل عدد المصابين به إلى 15 مليونا، بينهم نحو 5 آلاف طفل، لتحتل مصر المرتبة الأولى فى قائمة مرضى الفيروس الكبدي على مستوى العالم العربي، بما يبلغ نسبته حوالي 14% من تعداد سكان مصر، وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية. وتشير الإحصاءات إلى أن أعداد مرضى فيروس سي في زيادة مستمرة سنويًا، ورغم إعلان وزارة الصحة عن عقار «سوفالدي» لعلاج المرض، لكن ثمة معاناة يعيشها المرضى بسبب عدم توافره، بالإضافة إلى قلة أعداد المراكز المعالجة له، بجانب استخدام المرض كفئران تجارب للعديد من العقاقير حديثة الاستخدام.