مسلسل غموض مستقبل الحكم في السعودية لم ينتهي كما توقع البعض بانتقال السلطة إلى الملك الحالي، سلمان بن عبدالعزيز، بعد وفاة شقيقة الأكبر الملك السابق، عبدالله بن عبدالعزيز. فعلى الرغم من الإجراءات والقرارات التي اتخذها الأول على مدار عام مضى على حكمه لتثبيت انتقال السلطة وإدخال جيل الأحفاد لأول مرة إلى مناصب ولي العهد وولي ولي العهد لم تكن كافية لإزالة شكوك حول مستقبل حكم الأسرة المالكة، فالإجراءات التي وصف بعضها ب"الانقلاب" على ما أعده الملك الراحل من ترتيبات انتقال الحكم من بعده ومن جيل الأبناء لجيل الأحفاد من آل سعود، قد أكدت أن مسألة استقرار الحكم وتواتره في المملكة في المستقبل المنظور لن تكون بسهولة واستقرار ما كان معهوداً في مرحلة ما قبل الملك عبدالله، بل أنها ضاعفت هذه الشكوك لتصبح مطروحة من جديد بعد عام واحد من حكم الملك الجديد. هذا الغموض حول مستقبل السعودية بدأ قبل وفاة الملك السابق بنحو أربعة سنوات، مع التغييرات التي طرأت على العائلة السعودية والتي في مجملها متعلقة بآلية الحكم في المملكة التي تنتمي للعصور الوسطى، وإلحاح مسألة انتقال الحكم من جيل الأبناء الذي كانوا يمرروا السلطة فيما بينهم من أخ إلى أخ إلى جيل الأحفاد واحتمالية فتح باب التوريث المباشر من الأب إلى ابنه، والتي تجلت في الصراع الذي دار داخل أروقة آل سعود في أواخر سنوات حكم وعمر الملك عبدالله، الذي أراد طبقاً أن يضع نجله في مسار الوصول للعرش طبقاً لابتداع اجراءات ومناصب جديدة وتغييرات الهدف منها حصر مراكز القوى داخل العائلة في جناح ابنه متعب واسترضاء أخيه سلمان بمنصب ولي العهد واستحداث منصب ولي ولي العهد وتعيين ذو الحظ والطموح القليل، مقرن بن العزيز فيه، وتحصين هذه القرارات لضمان استمرارها بعد وفاته، على اعتبار أن وجود سلمان في الحكم سيصبح أمر مؤقت بسبب عوامل السن والاعتلال الصحي، وبقاء مقرن في منصب ولي العهد مستقبلاً سيضمن منصب ولي ولي العهد لنجله متعب. وبالإضافة إلى اعتبارات الصراع المُعقدة حول الحكم ما بعد الملك الراحل، كانت هناك مسألة لأعمار والحالة الصحية لما تبقى من أبناء الملك المؤسس، عبدالعزيز بن سعود، فالملك عبدالله قد قام بتعيين ثلاثة من ولاة عهده توفى أثنين منهم في حياته بسبب أمراضهم، هما بالترتيب، سلطان بن عبدالعزيز، نايف بن عبد العزيز، سلمان بن عبدالعزيز؛ والأخير الذي أضحى الملك الجديد لم يكن باستثناء عن سابقيه في ولاية العهد من حيث كبر السن (81 عام) والاعتلال الصحي بحكم الشيخوخة، بالإضافة إلى الاعتلال العقلي الذي كان يُشاع عن سلمان منذ توليه ولاية العهد بحسب مصادر استخباراتية ودبلوماسية غربية، وتحول الأمر الأن إلى حقيقة شبه مؤكده تطرح علامات استفهام حول مستقبل المملكة وتفاقم وازدياد وتيرة الصراعات بين جيل الأحفاد في ظل حكم ملك شبه مُغيب. بدأت الأقاويل عن صحة سلمان بن عبدالعزيز منذ 2013، وهو العام الذي تولى فيه ولاية العهد، فبداية من ما كتبه المحلل السابق في الاستخبارات المركزية الأميركية، توماس ريدل، عن "الاعتلال الذهني لولي العهد الجديد"، والذي نقل عنه المحلل والخبير في الشأن السعودي، سايمون هندرسون هذا الأمر بالإضافة إلى تأكيدات نقلها عن مصادر دبلوماسية أميركية أن "الأمير سلمان يعاني من تشتت الذهن وفقدان بالغ في التركيز جعله شريد في أحد الاجتماعات والتحدث عن أمور غير مفهومة وغير متعلقة بأجندة الاجتماع". هذه الأقاويل على الرغم من عدم تأصيلها وقتها بشكل كامل إلا أنها أضافت بعداً جديداً للأزمة المتعلقة بمستقبل الحكم، فحتى بعد حسم جناح السديريين بقيادة سلمان (الشكلية) للصراع الذي أوجده سلفه وتصعيد لكل من ولي العهد الحالي محمد بن نايف، وابنه ولي ولي العهد محمد بن سلمان، فإن مستقبل الحكم بعد صار رهن صراع المُحمدين، وهو ما انعكس في كوارث حكم العام الأول للملك الجديد، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. في السياق نفسه، كان صعود محمد بن سلمان السريع خلال سنوات قليلة، على الرغم من ندرة الموهبة والخبرة لديه وامتلاكه لأفضلية وحيدة هي مكانته الخاصة عند أبيه على خلاف إخوته الذين يفوقوه سناً وخبره، مؤشر على تأكيد السابق، خاصة وان بن سلمان قد استغل هذه العلاقة في إحكام السيطرة على والده وجعل منه مجرد توقيع على قرارات حاسمه سواء عندما كان ولي للعهد –تولى محمد رئاسة ديوان ولي العهد وقتها- أو عندما أصبح ملكاً، لدرجة أن هذا الأمير الشاب قليل الموهبة والخبرة والإمكانيات أصبح الآمر الناهي في سياسات المملكة الداخلية والخارجية، جعلته يتحدث من هذا المنطلق في حواره الشهير مع مجلة "ذي ايكونوميست" البريطانية قبل شهرين، وهو الأمر الذي بدأ يتجلى شيئاً فشيئاً منذ تولي سلمان الحكم رسمياً قبل ما يربو عن العام، وتولي ابنه الحكم بشكل فعلي، وهو ما جعل الصدام بينه وبين بن عمه، ولي العهد محمد بن نايف ذو القدرة والخبرة الكبيرة حتمياً وربما وشيكاً في المستقبل العاجل، ليأتي تفاقم مسألة مرض الملك سلمان العقلي وعدم قدرته على اتخاذ القرار لتضيف احتمالات كثيرة للصورة المعقدة لمستقبل الحكم في السعودية. فقبل أيام، أكدت صحيفة «االسفير» اللبنانية صحة الأقاويل التي كانت منتشرة عن صحة الملك سلمان، والتي أصبحت في واقع الأمر حقيقة تدعمها الصورة الحالية لترتيب الأوضاع في المملكة والصراع المكتوم بين المُحمدين، والذي ربما يخرج إلى العلن قريباً بتعجيل من تدهور صحة الملك المُصاب بحسب تقرير الصحيفة اللبنانية ب"العته الوعائي" وهو مرض عقلي ينتج عن تضرر الخلايا العصبية في المخ، والمرجح أن يكون بدأ منذ عام 2009، إثر إصابة الملك بجلطة أدت إلى "تلف دماغي" في الفص الجبهي، سرعان ما تطور إلى "العته الوعائي"، ويقول تقرير «االسفير» أن "الملف الطبي للملك سلمان الذي يخلص إلى أن الملك لن يكون قادرا خلال عام ونصف من الآن، بسبب تدهور حالته الذهنية وقدراته الفكرية، على اتخاذ أي قرار سياسي من تلقاء نفسه. والاحتمال الأخطر أنه لم يكن في الأصل قادرا على اتخاذ كل القرارات التي نسبت إليه منفردا منذ أعوام. ومع بلوغ مرض التلف الدماغي الذي يعاني منه منذ العام 2009 مرحلة متقدمة، لن يكون بوسعه قريبا، حتى أن يتواصل مع محيطه الاجتماعي". وتكشف الصحيفة اللبنانية في تقرير أخر متصل بالأمر ذاته عن تفاصيل المرض الذي يعاني منه الملك سلمان والذي يحد من قدرته عن اتخاذ أي قرار أو حتى التواصل السليم مع محيطه، فيذكر التقرير أن "صور الرنين المغناطيسي سوى تأكيد ما كانت تشير إليه العوارض الظاهرة لمرض الملك سلمان الحالي: العته الوعائي أو خرف الأوعية الدموية. ويقول طبيب اطلع على ملف الملك إن الأمير سلمان سبق أن أكد منذ العام 2009 التشخيص نفسه، إلى المعاناة من تشوش ذهني عابر، ونقص في التركيز، واضطراب متزايد في السلوك اليومي، وصعوبة نسبية ومتقطعة، في الاحتفاظ بتوازن مشيته. وقدم الأطباء في ذلك العام، تصورا وافيا وسيناريو، لم يأت حتى الآن ما يناقضه، يعتمد على التحاليل والصور المغناطيسية، والمتابعة العيادية. منح الأطباء، الملك الحالي منذ العام 2009، مهلة من 6 إلى 8 أعوام، قبل أن يدمر التلف الدماغي ما تبقى له من قدرات ذهنية. وبحسب العد التنازلي للمرض، تقول المعلومات الطبية أن الملك سلمان سيعاني من ازدياد التلف في الجزء الأمامي من الدماغ، في مساحة كبيرة من الخلايا، أول نتائجها، وأخطرها خصوصا لدى الملك الذي يقود البلاد انعدام القدرة على اتخاذ أي قرار". حقيقة مرض الملك سلمان تأتي في وقت دقيق تشهد المملكة فيه صراعاً داخلياً قد ينفجر أي لحظة، خاصة وأن أمر استغلال محمد بن سلمان لمرض والده في إفساح الطريق أمامه نحو عرش المملكة قد أصبح أمراً علنياً ومؤكداً، وهو ما قد يدفع الأمور مع خصمه محمد بن نايف إلى الحافة، خاصة وأن الأول يدرك أن ترك والده العرش سواء بالوفاة أو بالإعفاء لما ألم به من أمراض يعني أن الأخير سيصبح الملك القادم بلا شك، وفي هذه الحالة ستكون الإطاحة ببن سلمان وبطموحه أسهل من ذي قبل، خاصة وأنه فشل في تحقيق أي انجاز على المستوى الداخلي أو الخارجي في الفترة التي انفرد بها بشكل شبه تام بأمور المملكة في الداخل والخارج.