لا تزال تداعيات المقابلة التي أجراها الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" مع صحيفة "ذا أتلانتك" تلقي بظلالها على الساحة السياسية، خاصة بعد أن انتقد أوباما السياسة الخليجية عامة والسعودية على وجه الخصوص، فلم يتوقف الأمر عند رد رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق، تركي الفيصل، على الخطاب الأمريكي، بل امتد الأمر إلى الكويت التي انضمت إلى الحليفة السعودية، وشنت هجومًا شرسًا على أوباما. الكويت تساند السعودية شن رئيس جهاز الأمن الوطني الكويتي، الشيخ ثامر الصباح، هجومًا حادًّا على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث قال الصباح إن بلاده لا تنتفع بالمجان من الحملات التي تقودها الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب وغيره من التهديدات، رافضًا تعليقات أوباما التي انتقد فيها بعض حلفاء واشنطن الخليجيين. وأضاف رئيس جهاز الأمن الوطني، الخميس الماضي، أن الكويت شأنها شأن قطر فتحت قواعدها الجوية ومجالها الجوي أمام التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة؛ لقصف تنظيم داعش في العراق وسوريا. وأشار إلى أن طائرات من بلدان خليجية أخرى نفذت طلعات جوية. وتابع المسؤول الكويتي "إنني أستغرب ما يمكن أن يكون ركوبًا بالمجان مع القيام بكل هذه الأشياء". وتساءل الصباح "عندما نتبادل معلومات المخابرات، وعندما نفتح مجالاتنا الجوية والبرية والبحرية، وعندما ننفق مليارات الدولارات في محاربة الإرهاب ومساعدة اللاجئين السوريين، كيف يكون كل ذلك انتفاعًا بالمجان؟". تصريحات أوباما الصادمة تأتي هذه التصريحات بعد حوالي أسبوع من حديث الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي شن فيه هجومًا على العديد من حلفائه، خاصة الخليجيين، حيث وصفهم أوباما ب "النفعيين"، قائلًا إنهم يتاجرون وينتفعون من الحرب على الإرهاب دون المشاركة فيها، مشيرًا إلى أن بعض الدول في الخليج وأوروبا تنتفع بالمجان من خلال دعوة أمريكا للتحرك دون أن تشارك بنفسها. رد سعودي شكلت تصريحات أوباما صدمة، وأثارت بلبلة وجدلًا كبيرًا في العديد من الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، التي كانت أول من يرد على تصريحات الرئيس الأمريكي، حيث شن الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية الأمير تركى الفيصل هجومًا لاذعًا على أوباما، قائلًا: نحن لسنا الذين يمتطون ظهور الآخرين لتحقيق أهدافنا. نحن شاركنا بمعلوماتنا التى منعت هجمات إرهابية على أمريكا. نحن المبادرون إلى عقد الاجتماعات التي أدت إلى تكوين التحالف الذي يقاتل داعش. وذكَّر الفيصل الرئيس الأمريكي بأن المملكة هي الممول الوحيد لمركز مكافحة الإرهاب فى الأممالمتحدة، وأنها تشترى السندات الحكومية الأمريكية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم أمريكا، وتبعث آلاف الطلبة إلى الجامعات الأمريكية وبتكلفة عالية، كما تستضيف أكثر من 30 ألف مواطن أمريكي وبأجور مرتفعة. توترات ليست جديدة توتر العلاقات الخليجية الأمريكية لم يكن وليد تصريحات أوباما الأخيرة فقط، حيث كانت العلاقات بين الطرفين متوترة منذ سنوات؛ بسب العديد من الأزمات الإقليمية، خاصة منذ أن توجهت أمريكا إلى إيران خلال المفاوضات التي أثمرت عن عقد الاتفاق النووي، وأدارت ظهرها إلى الحليفة الخليجية. وعلى الرغم من محاولات الطمأنة والاستعطاف التي قامت بها أمريكا في ذلك الوقت للحفاظ على العلاقات الدبلوماسية والتعاون المشترك بينهما، إلا أن الخلافات والتوترات بين الطرفين سريعًا ما ظهرت جليًّا. ويمكن القول إن التصريحات الأخيرة شكلت لحظة فارقة في تاريخ هذا التعاون، وأظهرت ما يُكِنُّه كل طرف للآخر. ماذا عن مستقبل العلاقات؟ التصريحات الخليجية المتعاقبة، سواء السعودية أو الكويتية، تظهر مدى الخذلان الذي وصلت إليه هذه الدول، التي طالما كانت تنظر للأمور من تحت العباءة الأمريكية، وتنصاع لأوامرها. لكن يبدو أن تصريحات أوباما سوف تنهي شهر عسل طويلًا بين المنطقة الخليجية والإدارة الأمريكية، أو على الأقل تُحجِّمه حتى وصول إدارة أمريكية جديدة إلى الحكم في نوفمبر القادم من خلال الانتخابات الرئاسية. توتر العلاقات الخليجية الأمريكية سيجعل الأولى لا تعلق الكثير من الآمال على الأخيرة، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو العسكري، حيث كانت المملكة تتخذ واشنطن كمظلة حامية لها ولنظامها. وربما يتغير هذا الحال، وتتجه السعودية إلى سياسة أكثر اقترابًا من الدول العربية والإسلامية، وتتخذ القوة العربية مثل "التحالف الإسلامي" كمظلة لها بدلًا من الاعتماد على القوة الأمريكية ونظامها، الذي سعى مرارًا إلى تأليب الدول العربية والإسلامية على بعضها بعضًا، تحت عنوان إثارة الفتن الطائفية أحيانًا، ومكافحة الإرهاب أحيانًا أخرى. وحول مستقبل العلاقات الخليجية الأمريكية، استبعد مدير المركز العربي في واشنطن، وأستاذ الدراسات الدولية بجامعة بيبردين الأمريكية، خليل جهشان، إنهاء العلاقة الاستراتيجية مع الرياض، مبينًا أنه حتى لو كان هناك قرار بإنهاء العلاقة الاستراتيجية مع الرياض، لكن لا تستطيع أي إدارة في البيت الأبيض القيام بذلك؛ بسبب الخلفية التاريخية والاقتصادية والأمنية. وأوضح جهشان أن تصريحات أوباما هزت العلاقات بين الرياضوواشنطن، وستقود إلى إعادة تقييم لها. لكن في واشنطن هناك انتخابات رئاسية قد تساهم نتيجتها في تحسين العلاقات.