«نقص الأدوية، اختفاء لبن الأطفال، إغلاق أبواب المستشفيات في وجوه المرضى، قلة الأسرة بالمستشفيات، المرضى في انتظار عزرائيل علي أبواب المستشفيات الحكومية، إلقاء المرضى خارج أسوار الصروح الطبية».. أزمات عديدة تواجه وزارة الصحة، ولا تجد لها حلول؛ خاصة أنها سرعان ما تتجدد وتتكرر وقائع، في ظل تجاهل المسؤولين. المستشفيات تغلق أبوابها في وجوه المرضى عبد الرحمن طه، طفل مصاب ب85% من حروق الدرجة الثالثة، ورغم سوء حالته، إلا أن مستشفى جامعة أسيوط رفض استقبال الطفل بعد محاولات استمرت من الساعة الخامسة فجرًا حتي الثامنة صباحًا، دون مبالاة من إدارة المستشفى على حياته. ولم يكن عبد الرحمن، الحالة الأولى من نوعها، بل سبقه العديد من المرضى ممن أغلقت المستشفيات أبوابها في وجوههم، أبرزهم، إلقاء أفراد أمن مستشفى بالإسكندرية مريض مسن خارج أسوارها؛ بحجة رائحته الكريهة، بالإضافة إلى واقعة طرد مريض من مستشفى حكومي بالشرقية. وأصاب إهمال المستشفيات أيضا، الطفل بلال يوسف، المصاب بالتهاب حاد في المخ، ولم يجد سريرا في العناية المركزة بمستشفى الطلبة بالإسكندرية، وغيره العديد من الحالات، مثل صبري عبد الحميد، الذي يبلغ من العمر 57 عاما وأصيب بفيروس كبدي، وعندما طرق أبواب معهد الكبد، لم يجد سريرا واحدا يرقد عليه؛ نظرًا لاكتظاظ المعهد بالمرضى، ما دفعه لافتراش الأرض؛ لأنه لا يستطيع توفير ثمن العلاج في مستشفي خاص، بحسب تعبيره. يقول الدكتورعبد الرحمن حماد، مدير وحدة الإدمان بمستشفى العباسية، إن المستشفى يعاني من نقص حاد في عدد الأسرة، ما يضطرهم إلي إغلاق أبواب العلاج في وجوه المرضى، لافتا إلى مخاطبة وزارة الصحة مرارًا وتكرارًا، لكن دون جدوى. ولفت حماد إلى أن عدد المدمنين في مصر تجاوز ال3 ملايين، بحسب التقرير الصادر عن وزارة الصحة لعام 2015، في مقابل 600 سرير فقط توفرهم الدولة لعلاج الإدمان، ما يعني أننا نواجه كارثة حقيقية تفتح المجال أمام المراكز غير المرخصة لممارسة عملها غير القانوني، بالإضافة إلى عدم وجود سرير واحد لعلاج الإدمان في محافظتي سوهاج والأقصر، مطالبا الوزارة بالتدخل السريع لحل الأزمة. وأوضح الدكتور محمد حسن، مدير مستشفى الدمرداش السابق، أن الأزمة لا تكمن فقط في نقص الأسرة بالمستشفيات، بل في قلة عدد فريق التمريض، مضيفا: «إذا وفرت وزارة الصحة أسرة للمستشفيات بشكل عام والرعاية المركزة بشكل خاص، فلن نجد فريق تمريض يستطيع تلبية خدمات المرضى». وتابع: «عندما كنت أدير مستشفي الدمرداش، كانت الأبواب تغلق في وجه عشرات المرضى يوميا؛ بسبب عدم توافر الأسرة، وبعضهم مات علي أبواب المستشفي»، مطالبا الدولة بتفعيل قرار الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، بإعادة مستشفيات التمريض مرة أخرى؛ حتي لا نجد أنفسنا أطباء بلا تمريض. وأكد الدكتور محمد عز العرب، رئيس وحدة الأورام بالمعهد القومي للكبد، وجود نقص حاد في أسرة المستشفيات، خاصة غرفة الرعاية المركزة، مضيفا أننا نواجه أزمة حقيقية، تكمن في إغلاق أبواب الكثير من المستشفيات في وجوه المرضى. وألقى عز العرب المسؤولية على عاتق وزارة الصحة، مؤكدا أنه بحسب المواصفات الدولية، يجب تحديد عدد السكان في كل منطقة، وبعدها يتم توفير أسرة الرعاية المركزة على أساس ذلك، قائلا: «الأمر ليس مجرد أسرة تلقى بالمستشفى فقط، لكن هناك معايير دولية يجب اتباعها». استمرار نقص اللبن المدعم.. أزمة يدفع ثمنها الأطفال مازال الآلاف من المواطنين يبحثون عن لبن الأطفال، دون جدوى، ورغم أن وزارة الصحة ونقابة الصيادلة تنفيان وجود أزمة نقص اللبن المدعم، إلا أن العديد من الأمهات والآباء يجدون صعوبة بالغة في الحصول علي علبة لبن لأطفالهم، ويقفون في طوابير طويلة بالساعات أمام مقر شركة الأدوية على كرنيش النيل بمنطقة الساحل؛ في محاولة لاقتناص علبة لبن أطفال مدعم؛ لاختفائه من الصدليات، وسيطرة السوق السوداء عليه. تقول رانيا الألفي، أم لرضيع: «أجد صعوبة بالغة في الحصول على علبتي لبن شهريًا لرضيعي الذي يبلغ من العمر ستة أشهر، فكل شهر أتوجه إلي الصيدلي للحصول علي أكثر من علبتين، لكنه يرفض؛ معللًا بوجود نقص حاد في اللبن، وبعدها أبدأ رحلة العذاب في البحث عن صيدليات أخرى». وأوضحت سميرة محمد، أم لرضيع: «بالفعل، يوجد نقص حاد في لبن الأطفال المدعم، وللأسف نسمع دائمًا تصريحات المسؤولين بنفي الأزمة، لكن الواقع عكس ذلك»، مطالبة وزارة الصحة بضرورة حل الأزمة التي تهدد حياة ملايين الأطفال الرضع، قائلة: «ليس لدي إمكانية لتوفير علبة لبن ب95 جنيها». وأشار عبد الله طه، أب لطفل رضيع: «أنا موظف، وليس لدي إمكانية لتوفير لبن لطفلي غير مدعم، لكنني أعاني من الحصول على الكمية الكافية لنجلي، واضطر التوجه إلى أكثر من صيدلية حتى أستطيع توفير أكثر من علبة لبن». وعن الأزمة، قال الدكتور رامي فوزي، صيدلي: «بالفعل، أزمة نقص اللبن المدعم ونصف المدعم مازالت قائمة، رغم نفي وزارة الصحة ونقابة الصيادلة»، مضيفا: «مفترض أن يصرف لكل صيدلية 12 قطعة لبن، لكن يتم صرف 4 فقط، ونواجه إشكالية كبرى، عندما يأتي إلينا الأهالي ويطلبون أكثر من علبة لبن، ونظل في حيرة؛ خاصة أن الأزمة تتفاقم، دون وجود أي حلول». نقص الأدوية كارثة تهدد حياة المرضى يعاني سوق الدواء من نقص حاد ل188 صنفا دوائيا، بحسب تقرير صادر عن المركز المصري للحق في الدواء، أبرزها، حقن الصبغات وسيولة الدم، ومذيبات الجلطات وأدوية مهمة لمرضى الأورام، على رأسها «اندوكسان، ولولوكزان، وفايف فلو يوراسيل، وميثوتريكسات، ويوروميتكزان» والتي تدخل بشكل أساسي في جرعات الكيماوي، ما يؤثر سلبًا علي حياة المرضي وتدهور صحتهم، بالإضافة إلى نقص مجموعة من الفيروسات، أهمها، عقار أبيلاكسين لاكسين، وأقراص مضادة للفيروسات، مثل «أسيكلوفير-ستادا» 400 مجم. وبحسب تقرير «المصري للحق في الدواء»، يوجد نقص ل8 أدوية للحموضة، و18 دواء للضغط، و12 فيتامينا، منها أقراص سيولة الدم، وحقن فيتامينات «بي كوم فورت»، و8 أدوية لقرحة المعدة، و12 دواءً لعلاج الجيوب الأنفية، و9 أدوية لتنظيم ضربات القلب منها «كوردارون»، و8 أدوية لعلاج الغدة الدرقية، و4 أدوية لعلاج السرطان، و4 مسكنات، و11 دواء للهضم، و8 للدوار، و11 مضادًا حيويًا، وثمانية أدوية للقلب، و13 مُلينًا للكبد. يقول ممدوح شلبي، صيدلي: «يوجد نقص حاد في العديد من الأدوية، وكثير منها ليس له بديل, وللأسف، الجميع يفكر في تحريك أسعار الدواء فقط، رغم أننا في حاجة ماسة إلى حل سريع لأزمة نقص الأدوية، خاصة أستربتوكاينيز، الخاص بعلاج الجلطة، وكوردارون، أحد أهم الأدوية التي تستخدم لعلاج اضطراب ضربات القلب، بجانب حقن منع الحمل المدعمة، وحقن الصبغة، وحقن RH التي تؤخذ بعد الولادة». وأكد الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، وجود نقص لحوالي 500 دواء، منها نحو 30 نوعا ليس لها بديل أو مثيل، مضيفا: «توجد في مصر 130 شركة تتحكم في سوق الأدوية وتحدد كميتها، بالإضافة إلى 16 شركة أجنبية، و8 شركات مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص، و1260 شركة ليس لها مصانع. «الأطباء»: منظومة الصحة تحتاج إعادة هيكلة وأكد عدد من أعضاء مجلس نقابة الأطباء أن وزارة الصحة بحاجة ماسة إلى تعديل وإعادة هيكلة من جديد؛ نظرًا للممارسات الخاطئة التي تتكرر بشكل شبه دوري. يقول الدكتور رشوان شعبان، عضو مجلس بنقابة الأطباء، إن منظومة الصحة بحاجة ماسة إلى تغيير وإعادة هيكلة؛ في ظل تكرار الأخطاء، مؤكدا أن واقعة رفض علاج الطفل المصاب بحروق ليست الأولى من نوعها، بجانب استمرار كارثة إلقاء مرضى خارج أسوار المستشفيات. وأضاف شعبان ل«البديل» أن الأمر لا يتوقف علي مجرد محاسبة مدير مستشفى فقط، لكن وزارة الصحة بحاجة إلى إعادة هيكلة وغربلة وإصلاح، متابعا أن نقابة الأطباء متمسكة بحق المرضى في العلاج المجاني، وإقالة الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة؛ كونه المسؤول الأول عن المنظومة. وأوضح الدكتور أحمد شوشة، عضو مجلس نقابة الأطباء، أن إغلاق أبواب أي مستشفى في وجه مريض عمل غير إخلاقي علي الإطلاق، مؤكدا وزارة الصحة بحاجة إلى تغيير شامل، على رأسها الوزير.