بعدما ضربت الفوضى والحروب منطقة الشرق الأوسط، خلال السنوات الأخيرة، لصالح مخططات إقليمية ودولية مهتمة بالهيمنة على بلدان المنطقة لتحقيق أهدافها الاستعمارية، كشف موقع ويكليكس الخاص بالتسريبات عن رسالة سرية لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة الحالية لرئاسة البيت الأبيض هيلاري كلينتون، أكدت فيها أن إشعال حرب سُنية شيعية وإسقاط النظام السوري فيهما مصلحةٌ أمنيةٌ لإسرائيل. هذه الرسائل التي نشرتها ويكليكس جاءت لتؤكد بعد أعوام التقارير التي نشرت عن مساعي الولاياتالمتحدة لنشر الفتن في المنطقة لإشعال حرب طائفية، كما تؤكد دور أمريكا في الصراع السوري ومحاولة تأجيجه لإسقاط النظام، أو على الأقل إضعاف سوريا وتقسيمها لصالح الكيان الصهيوني. إسقاط النظام السوري بدأت واشنطن التفكير في إسقاط النظام السوري منذ العقد الماضي، حيث لم تكن وثيقة كلينتون التي نشرت مؤخرًا هي الأولى من نوعها عن مساعي أمريكا التخريبية في هذا البلد العربي، حيث أشارت وثيقة ويكليكس إلى أن هناك خطة أمريكية لزعزعة سوريا والعمل على تقويض النظام السوري منذ عام 2006. ويعد حديث هيلاري كلينتون عن أن إسقاط النظام السوري ضروري لخدمة الكيان الصهيوني، استكمالًا لنشر ويكليكس مخططات أمريكا في سوريا، التي بدأ الكشف عنها مؤسس موقع «ويكيليكس» أسانج، حيث أكد في العام الماضي أن «السفير الأمريكي وليام روبوك، كان أرسل من دمشق في 2006 برقية مهمة، كتب فيها مخططًا للإطاحة بحكومة الأسد يتلخص في دعم المعارضة السورية عبر وسائل الإعلام واستخدام عدد من العوامل لإثارة الذعر بين أعضاء الحكومة السورية لدفعهم إلى رد فعل مبالغ فيه، ولزرع الخوف من حدوث انقلاب ليستخدموا سلطتهم ضد المتطرفين»، وطبقا ل«المخطط الأمريكي» الذي نشر في عدد من الحلقات، فإن الحكومة السورية «ستعلن بعد المخطط أن المتطرفين يدخلون البلاد عبر الحدود العراقية، وبذلك ستبدو ضعيفة بسبب مواجهة مشكلة المتطرفين، والأهم من كل ذلك العمل على إذكاء الفتنة بين السُنة والشيعة هناك لإشعال التوترات. لم تخجل أمريكا من تسريب معلومات عن دورها في تذكية الصراع السوري لإثبات أنها كانت خاطئة وتقف على الحياد، ففي العام الماضي تلقى الرئيس السوري بشار الأسد رسالة من السيناتور الأمريكي ريتشارد بلاك، أكد فيها أن الحرب في سوريا لم يكن سببها اضطرابات داخلية، بل كانت حربًا غير قانونية لعدوان من قِبَل قوى خارجية صممت على فرض نظام عميل بالقوة، مضيفًا: لقد بدأ الناس يدركون أن الإرهابيين السوريين مدعومون عسكريًّا من أمريكا وحلفائها. ورغم فشل واشنطن في إسقاط النظام السوري بعد خمسة أعوام منذ بداية الأزمة، إلَّا أنها نجحت في تأجيج الصراع لإضعاف أقوى ثالث جيش عربي في المنطقة، وبهذا الأمر تكون حققت هدفًا رئيسًا لتحقيقه بسوريا، وتصب في مجملها لصالح الكيان الصهيوني. إشعال المنطقة بتأجيج الصراع الطائفي أكد ما نشره ويكليكس من رسائل كلينتون، أن تذكية الصراع السُني الشيعي هدف كان تحقيقه يصب في صالح الكيان الصهيوني، لا سيما أن سجل أمريكا الأسود في المنطقة بهذا الصراع تحديدًا، بدأ منذ نحو ثلاثة عقود، فمنذ الحرب العراقيةالإيرانية التي استمرت أكثر من 9 سنوات، طفحت على سطح الساحة السياسية ملامح الصراع السُني الشيعي، الذي أسهمت في تغذيته وزيادته القوى الغربية بزعامة أمريكا والكيان الصهيوني. بدأت أمريكا وحلفاؤها في تصدير صورة الهلال الشيعي، التي تقوم على تخويف الدول السُنية من أن إيران بعد غزو أمريكا للعراق، تريد تزويد نفوذها ونشر فكرها في المنقطة العربية، من خلال ربط نفوذها في العراق جغرافيًّا بسوريا، ثم بحزب الله في لبنان، بقصد احتواء أو تطويق الدول السُنية، وتوسيع النفوذ السياسي الإيراني من خلال هذا الهلال، وهو ما تنفيه إيران في أغلب الأحوال، وتؤكد أن هذه الفكرة تغذيها أمريكا في عقول العرب لتشويها وتذكية الصراع السُني الشيعي، كما تساندها إسرائيل في هذا التوجه. نشرت خريطة أمريكية عام 2006، تعيد تقسيم المنطقة العربية برمتها على أساس ديني وإثني، إلى مجموعة من دويلات صغيرة متناحرة دول شيعية وآخرى سُنية، ورغم فشل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في تنفيذ هذه الخريطة، واعتقاد الكثيرين أن إدارة أوباما جاءت لمعالجة الأزمات التي وقعت فيها الإدارة السابقة، فوجئ الرأي العام العربي بأن الإدارة الجديدة تتبع النهج ذاته، وتسعى لتحقيق الغاية ذاتها، من خلال تأجيج صراع ظاهره مذهبي وجوهره سياسي، والذي ظهر في عدة أزمات مثل سورياوالعراق واليمن. بخلاف ما سبق، تهدف أمريكا من تأجيج هذا الصراع إلى لفت الأنظار العربية بعيدًا عن الصراع العربي الإسرائيلي، بعد أن تم استبداله الصراع السُني الشيعي به، من خلال إشعال أزمات وصراعات بالمنطقة، مثلما هو الحال في سوريا واليمن، وبذلك يأخذ الصراع العربي الإسرائيلي أولوية ثانية في اهتمامات الحكومات والأنظمة العربية، وتكون المستفيد الأكبر من الصراعات التي تشهدها المنطقة، أمريكا وإسرائيل. لا تُخفي إسرائيل في مؤتمراتها أن الصراع السُني الشيعي الذي تغذية واشنطن يصب في مصلحتها، وإن لم تكن متورطة بوضوح في هذه الفتنة، فإنها على الأقل سعيدة بها، فقد ختم مؤتمر هيرتسليا الثالث عشر العام الماضي بتوصية رئيسة تتلخص في ضرورة تأجيج الصراع السُني الشيعي في منطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق أمن إسرائيل، وانتهى المؤتمر الصهيوني إلى أنه من الضروري تكريس هذا الصراع من خلال السعي إلى تشكيل محور سُني من دول المنطقة يقوم أساسًا على دول الخليج ومصر وتركيا والأردن، وأكد المؤتمر أن هذا المحور سيكون حليفًا لإسرائيل والولاياتالمتحدة، في مقابل محور تقوده إيران.