يقع عدد لا يستهان به من الآثار والمنحوتات التاريخية التي تعود إلى أزمنة مختلفة على مر العصور في قطاع غزة، مرورًا بحقبات حضارية عريقة من العهد الإسلامي والمملوكي والروماني واليوناني. ففي جميع مدن القطاع هناك شاهد أو أكثر على حضارة ما، بخلاف المساجد والكنائس والأبنية المعمارية. تلك الشواهد التي تعتبر قيمة أثرية بالغة الأهمية، لا تستطيع وزارة السياحة والآثار المحافظة عليها وإبرازها؛ نتيجة العوائق التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع والأزمات الاقتصادية التي تعصف به، ما يشكل تهديدًا حقيقيًّا لاندثار مثل هذه المعالم. في مدينة خانيونس، يمكنك التجويل في قلعة برقوق التي سُميت باسم السلطان المملوكي مؤسس دولة المماليك البرجية السلطان برقوق، والتي بُنيت لتكون مركزًا للمارين بين القاهرة ودمشق آنذاك، إضافة لاحتوائها على مسجد تكسوه النقوش والزخارف العتيقة، وهو أحد الأماكن التي تحاول الوزارة المحافظة عليها وحمايتها. يقول الدكتور جمال أبو ريدة مدير عام الآثار والتراث بغزة: إننا وجدنا العديد من الآثار المتبقية من الحضارات القديمة، لكننا بحاجة لكثير من الخبراء والجهود التي تساعد في عمليات التفتيش والحفر، ونتلقى في الوزارة اتصالات من أشخاص يقولون إنهم اكتشفوا أماكن أثرية، لكن في أغلب الأحيان قد لا يكون لدينا من الوقود ما يكفي للتوجه للمكان والتحقق. ويؤكد أبو ريدة أن العدوان المستمر من الكيان الصهيوني هو معركة لإثبات ملكية التاريخ، منوهًا بأن دولة الاحتلال لا تزال تقوم بعمليات الحفر؛ لإثبات ملكيتها التاريخية لفلسطين، ويشمل ذلك حفريات تحت المسجد الأقصى. ويضيف أنه سيتم إعادة كتابة التاريخ من جديد، ودحض الدعاية الإسرائيلية بأن فلسطين أرض بلا شعب، مشيرًا إلى أن حقيقة تل أم عامر، والتي تطوي ثلاث أو اربع طبقات تاريخية تعود إلى ما بين القرن الثالث والسابع ميلادي، شاهد على الأحقية التاريخية للشعب الفلسطيني. وتواجه وزارة الآثار في قطاع غزة عجزًا وأزمات تتضخم بفعل الحصار المفروض على القطاع والوضع الاقتصادي المتهالك بفعل السياسة الصهيونية المتعمدة في طمس المعالم الأثرية في قطاع غزة كجزء من التهويد ومسح المعالم التاريخية بالقطاع، ناهيك عن بعض الاستهدافات المباشرة لمواقع أثرية في فوضى الحروب. وبسبب قلة الخبراء في القطاع، فإن الوزارة حاولت إيجاد عاملين مخصصين للحفر والتفتيش عن الآثار وحمايتها، إلا أن النتائج لم تكن مرضية؛ بسبب عدم توفر الكفاءة المناسبة. كنوز في غزة وتدني مستوى الاهتمام عثر بعض علماء الآثار في قطاع غزة خلال عام 2001 على متحف يحتوي فسيفساء غير تالفة تعود للقرن الخامس عشر للعهد البيزنطي في منطقة تبعد كيلومترات عن مدينة غزة تسمى أم عامر، وبحسب علماء الآثار فإن هذه الفسيفساء تعتبر من أقدم المعالم الأثرية في الشرق الأوسط، لكن التنقل حولها قد لا يعطي هذا الانطباع على الإطلاق؛ نتيجة إهمال المكان، حتى إنها تُترَك دون حراسة ومتابعة في أغلب الأحيان. ويقول المؤرخون إن هذا المتحف بناه القديس هيلاريو، الذي ولد في غزة (271-291)، وسافر لمصر، حيث اعتنق المسيحية، وقام ببناء المتحف عند عودته على تلة تطل على البحر المتوسط. بدورها تعتز الوزارة بمثل هذه المواقع الأثرية؛ لوجودها في قطاع غزة، والتي تعبر عن المكانة التاريخية والحضارية للمنطقة كلها، وليس على الصعيد المحلي فقط، إلا أن الحصار يؤدي إلى خنق مثل هذه المعالم؛ نتيجة القيود المفروضة على القطاع من جانب الاحتلال الإسرائيلي. طرق تجارية تربط العالم يقول أبو ريدة إنه خلال فترة العصور القديمة، كانت غزة تشكل مركزًا حيويًّا ومشغولًا بالتجارة ما بين مصر وفلسطين وبلاد ما بين النهرين وأوروبا، وكان الطريق الرئيسي الذي يربط بينهم هو طريق ماريس، بالقرب من موقع الدير في تل أم عامر، وهناك دلائل تشير إلى أن المسافرين والتجار ما بين مصر وفلسطين كانوا يستريحون من سفرهم في تل أم عامر. وكانت الوزارة قد طالبت باستثمارات للحفاظ على مثل هذه الآثار، لكن منذ فوز حماس في الانتخابات وبدء الحصار على القطاع غزة، لم يتم العمل في أي موقع أثري، سوى بقلعة الباشا، التي تم تجديد جزء كبير منها. وحذر الدكتور نعيم بارود، رئيس قسم التاريخ في الجامعة الإسلامية، من عدم وجود رعاية جدية للمواقع الأثرية في قطاع غزة، مؤكدًا أنه قد يؤدي لاختفائها على المدى البعيد، مشيرًا إلى أن عدم وجود دعم دولي لهذه الآثار سيعمل على فقدانها.