قلعة الخان بخان يونس جنوب قطاع غزة وتحديداً مدينة خان يونس التي هي حديثة النشأة نسبياً ، هذه المدينة الساحلية التي ما زال شموخُها يشهدُ لفلسطين الأصالةَ وعظيمَِ الأَثَرِ، ويبرق بمعلمٍ أثريٍّ فريدٍ وتطورٍ حضاريٍّ وثقافيٍّ لمدينة خان يونس فرغم انهدام الجزء الأكبر منها، إلا أن قلعة الخان أو قلعة الملك برقوق ما زالت شامخة حتى يومنا هذا. نشأة القلعة
قلعة الخان أو قلعة الملك برقوق بنيت عام (789ه- 1387م) يبلغ عمرها 630سنة تقريباً حيث بناها الأمير يونس بن عبد الله النورزي الداودار من ماله الخاص بناءً على طلب من السلطان برقوق أحد سلاطين العصر العربي الإسلامي المملوكي ومؤسس دولة المماليك. وتعود تسمية مدينة خان يونس إلى القلعة، فكلمة "خان" تعني "القلعة" أو "السوق" وهو الشق الأول من الاسم، أما الشق الثاني فهو "يونس" وهو اسم الأمير يونس الداودار الذي بناها، وكان الهدف من بنائها حماية طريق التجارة بين بلاد الشام ومصر حيث كانت تتعرض للسطو من قبل قطاع الطرق فاتخذ الملك برقوق بعمل نطاق يتم اختيارها على أسس علمية لحماية القوافل ولتكون على هيئة قلاع أو حصن وكانت المسافة بين كل قلعة وأخرى حوالي ستين كيلو متر وكان أحد هذه القلاع وأهمها قلعة الخان أو قلعة الملك برقوق ، ويتمتع الموقع بعبقرية المكان وهي عبقرية خطيرة جدا حيث أنه يمثل بداية الصحراء صحراء سيناء ، ونهاية السحل الساحلي لفلسطين . وصف القلعة القلعة مربعة الشكل طول كل ضلع من أضلاعها 85.5 متر وكل ضلع منها يشير إلى اتجاه من الاتجاهات الأربعة( الشمال- الجنوب- الشرق- الغرب) (مساحتها 7.31 دونم) ، يوجد على كل زاوية من زواياها الأربع برج دائري ولا تزال بقايا البرج الجنوبي الغربي باقية إلى الآن و تتألف من طابقين ، الأول إسطبلات لحيوانات القوافل ومخازن تلبي حاجات القوافل وسوق يعرض فيه التجار سلعهم أما الطابق العلوي فكان مخصصاً لمسجد للصلاة وفندق يشتمل على غرف وقاعة كبيرة (ديوان) يلتقي فيه الناس . القلعة حالياً شبه مهدم فيما عدا القسم الأمامي منه والذي يحتوي على الواجهة مع البوابة أو المدخل الرئيسي والمسجد ومئذنته، وتقع هذه الواجهة في الجانب الغربي ولا تزال الجدران وبعض الأبراج باقية ومنها برج يقع في الزاوية الجنوبيةالغربية من القلعة وتحتوي البوابة الرئيسية على باب مجوف عرضه ستون سنتيمتر، وهناك ثلاث نوافذ فوق المدخل تحتوي كل منها على عتبة رخامية تعلوها رواسب كلسية على هوابط أفقية وعلى جانبي البوابة مجموعتان من النصوص العربية المنقوشة وشعارات (رنوك) محفورة في الحجر. ويحتوي القسم الداخلي على قوس مجزأة مع مجموعة من النقوش المزخرفة حول المقدمة تعلوها أيضاً مجموعة من النصوص المحفورة على الرخام ويحيط بهذه النقوش أسد بمخلب مرفوع ووجه بارز وفوق البوابة فتحة تستخدم لرمي القذائف دفاعاً عن المدخل الرئيسي ويتميز الخان بكثرة النقوش على جدرانه ومبانيه، وتقسم هذه النقوش إلى خمسة مجاميع من الحجر المنقوش. أما المسجد فيعتبر جزءاً أساسياً من القلعة ويقع على يسار البوابة الرئيسية ويتكون من طابقين: الأول عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل طولها عشرة أمتار وعرضها ثمانية أمتار وسقفه مكون من حجارة صغيرة غير منتظمة مثبتة جيداً بالملاط، وللمسجد بوابتان وعلى كل بوابة عتبة رخامية كما يوجد نص منقوش ومحفور في المبنى بين المدخلين، أما الطابق العلوي فيكاد يكون كله مهدماً، وكان سقفه مقوساً كالقبة محمولاً على بناء اسطواني أما الجدران الشرقية والشمالية فمهدمة تماماً، كما تهدم نصف القبة تقريباً (الناحية الشرقية من القبة)، ويبلغ ارتفاع القبة نحو سبعة أمتار ونصف. الاعتداءات التي تعرضت لها
تعرضت القلعة لتعديات كثيرة كانت بدايتها بعد عام 1957 م حيث كانت بسيطة للغاية والاعتداء الكبير كان في الحرب العالمية الأولى عندما رصدت أساطيل الحلفاء من البحر مئذنتها فقصفتها بوارج الحلفاء فهدموا معظم مبانيها الداخلية وجزء من المئذنة وأجزاء من أسوارها إلا أن الاعتداءات ازدادت في عهد الاحتلال الإسرائيلي وخصوصا بعد عام 1980 حيث كان من مصلحة الاحتلال إزالة وتدمير كل أثر إسلامي عربي. الدم الفلسطيني يمتزج بشقيقه المصري على سور القلعة المهندس محمد يحي الفرا رئيس جمعية القلعة لرعاية التراث قال "تعتبر القلعة خير دليل وشاهد في معركة الصراع مع الصهاينة على وجود المسلمين والعرب قبل وجود اليهود بآلاف السنين" وأضاف" قلعة الملك برقوق هي أقوى رد على الملياردير الأمريكي شلدون إدلسون الذي زعم في تصريحات له العام الماضي أن الشعب الفلسطيني مخترع". وفي العدوان الثلاثي حرب ستة وخمسون استطاعت قوات الاحتلال السيطرة على كافة مدن قطاع غزة ومعظم سيناء خلال الأيام الثلاثة الأولى من العدوان إلا أن مدينة خان يونس استبسلت بقيادة الفريق أول يوسف العجرودي وصدت عدة محاولات قوات الاحتلال الصهيونية للسيطرة عليها كما رواها لنا الفرا وقال"كانت خان يونس معقل القيادة بقيادة الفريق أول يوسف العجرودي وكان قوامها من الجيشين المصري والفلسطيني وتمكن اليهود من الدخول للمدينة سادس أيام العدوان الثلاثي" وأضاف" استشهد عدد كبير من أفراد الجيشين وقام اليهود بتجميع الرجال والشباب وقاموا باعداهم على مدخل القلعة حيث امتزج الدم الفلسطيني مع شقيقه المصري واستشهد في ذلك الوقت أكثر من خمسمائة شخص". فالقلعة آية من آيات الفن المعماري وهي مَعلم أثري إسلامي هام احتضن وامتزج تاريخ شعبين لا بد من حمايتها من الاندثار بشتى السبل.