للفوضى وجوه كثيرة، تتراءي معظمها، إن لم يكن جميعها، للناظر بأوضاع بلدنا، ومن بين وجوهها المتعددة حديث المؤامرة الطاغي على صحفنا وفضائياتنا وألسنة مسئولينا، وللحديث عن المؤامرة وجوه كثيرة كذلك، رصدها عدد من كتاب الرأي بصحفنا. في "الشروق" وتحت عنوان" مؤامرة مصري أم الأجنبي" يبشركم محمد سعد عبد الحفيظ بأنه "أينما تكونوا يدرككم حديث المؤامرة"، راصدا إغراق الإعلام في أحاديثها، ما ظهر منها وما بطن إذ "تتجول بين شاشات الفضائيات فيصدمك الحاج تامر أمين بالحديث عن: «الحرب الكونية»، ويؤكد أن «المجلس الأعلى للعالم» استخدم قدراته الفتاكة لتدمير مصر وعدد من دول الشرق الأوسط. تهرب من حديث تامر أمين وسيادة اللواء حسام سويلم، عن الجيل الخامس من الحروب، والتى هى بالطبع تختلف عن حروب الجيل الرابع، فيفاجئك محمد الغيطى بمعركة وهمية تمكنت فيها القوات المصرية من حصار الأسطول السادس الأمريكى قبالة الإسكندرية، وأسر الضفادع البشرية لقائده. تحرك «الريموت كنترول» إلى فضائية أخرى، فتجد أحمد موسى يهزى بحديث مشابه، عن مؤامرة تحاك ضد مصر تهدف إلى اسقاط الدولة، يشارك فيها محمد البرادعى الخاين العميل وقادة المخابرات التركية والقطرية والأمريكية، وقيادات التنظيم الدولى للإخوان.. تقلب تجد مصطفى بكرى وعبدالرحيم على وسيد على وأمانى الخياط بيعزفوا نفس النغمة. تكره نفسك وتغلق التليفزيون لتنام، فيلاحقك عفريت المؤامرة فى أحلامك، وتشاهد أمين وبكرى والغيطى والخياط وأخواتهم، وقد تحولوا إلى «زومبى» يجرون خلفك فى مدينة خاوية، فتستيقظ مستغفرا ومستعيذا. تطالع صحيفتك الصباحية، فتجد مانشيتها الرئيسى «مؤامرة لإسقاط الدولة»، وتنزل إلى المتن، فتقرأ هرتلة نقلها محرر «زومبى» ووافق عليها رئيس تحرير «زومبى» عن اجتماع ممثلى أجهزة مخابرات تركية على أمريكية على إيرانية على قطرية بقادة حماس والإخوان بهدف إسقاط مصر.. تغلق الصحيفة وتتمتم «ربنا يعوض علينا عوض الصابرين». جنون المؤامرة سيطر على الجميع مسئولين وإعلاميين، النظام يهرب إليه ليبرر إخفاقه وفشله فى تحقيق أى تقدم ملموس فى طريق بناء الدولة وتحقيق الحلم الذى بدأناه فى 25 يناير. عن تاريخ مؤامرات السلطة كان مقال أحمد خير الدين ب"مدى مصر" فكتب تحت عنوان "فراعنة مصر المعاصرون".. الحاجة الدائمة لمذبحة قلعة، عن ثلاثية الbbc التسجيلية "أفلام مصر المعاصرون" التي انتهى عرضها قبل أسابيع. ويعرض خير الدين من الفيلم "كيف أن ناصر زرع أفراد الجيش في كل منصب، بحسب أمين مجلس قيادة الثورة عبد المجيد شديد، وكيف أن كل قطاع امتلأ ب"أهل الثقة"، وهي السُنة التي سيسير عليه كل خلف. تُظهر الصورة نظرة عبد الناصر إلى نجيب وهو يمشي وراءه في أيام الثورة الأولى، ويحكي التعليق الصوتي كيف بدأ النزاع، كيف أحس النائب بتهميشه، وفي مشهد آخر يحكي التعليق عن إصرار السادات في بداية أيامه على الإيحاء بأنه امتداد لسابقه، وهو يمشي باتجاه صورته ليحييها.بدأ كل منهم بالتحالف مع الإخوان، الذين سارعوا هم كذلك للارتماء في أحضانه، منتظرين تقاسم الحكم وراضين بما تقره الصفقة من حدود للتواجد في المشهد. سرعان ما يضيق كل منهما بالآخر ويعود إلى مكانه. الجيش في السلطة، والإخوان في السجن"… في مقطع آخر من الجزء المخصص لناصر يجلس أحد الضباط الأحرار من جناح جمال، ليتحدث عن التظاهرات التي اجتاحت البلاد "ضد الديمقراطية". تسأله المخرجة فيبتسم ويقول: "المظاهرات دي احنا اللي كنا بنطلعها.. ما هي دي السياسة..كنا بنطبع المنشورات في المخابرات"، أما مساعد وزير الداخلية الأسبق زكي بدر فيتذكر كيف كانت التعليمات واضحة بالتصفية الفورية للإسلاميين قائلًا: "لسة هيبقى متهم ويشتكي للنيابة من التعذيب؟" وعن عهد السادات، في أحد المقاطع: يبتسم خالد الزعفراني وهو يحكي عن تحالفهم- الإسلاميون- داخل الجامعة مع الأمن للقضاء على الناصريين واليساريين، يتذكر متهلل الوجه كيف دخلوا القاعة لضرب المعتصمين احتجاجًا على تأخر حرب التحرير، يضيف: "جاء البعض داخل عربات خصصها الأمن، لا يهمنا إذا استفاد السادات. هؤلاء كانوا يسخرون من الإسلام". في "البديل" كتب هاني هديب عن المؤامرة الحقيقية الأبرز في ذكراها الثانية، ليتساءل "بعيدا عن الاكتشاف الكفتوي, كيف تحصّل السيد إبراهيم عبد العاطي، خريج المعهد الفني الصحي بالإسكندرية علي لقب طبيب, وكيف تحصّل علي رتبة لواء مكلف؟". لقد قام الأستاذ محمد أبو الغيط وقت فورة الأحداث بالعمل علي تحقيقين صحفيين ولا أهم عن الموضوع في جريدة الشروق, تناول الأول فيما أذكر الفارق بين جهازي الكومبليت سي كيور المزمع اختراعه بواسطة اللواء طبيب إبراهيم عبد العاطي، الكفتجي الفهلوي, وجهاز السي فاست الذي عمل عليه فريق د. أحمد مؤنس الكفتجي المستنير, وكان التحقيق الآخر عن هوية إبراهيم عبد العاطي ذاته, وهو التحقيق الذي أظهر كذب ادعاءات اللواء الطبيب الكفتوي عن مؤهلاته العلمية وعن أشياء أخري كثيرة.. لكن كيف تسنّي للمواطن الفهلوي إبراهيم عبد العاطي الوصول لمكانة مميزة داخل قدس أقداس الدولة وعمود خيمتها الأخير بحسب المريدين الدولاتيين!. الإجابة علي هذا التساؤل تبدو بديهية إلي حد كبير, فنحن أمام مدني تم منحه رتبة لواء, تلك الرتبة التي لا ينالها أغلب ضباط الخدمة الذي يقضي معظمهم حياته المهنية كاملة من مطلع شبابه حتي تقاعده دون أن ينال شرف الحصول عليها, وهذا يعني أن من منح الرتبة هو أحد أهم قيادات المؤسسة العسكرية, وعلي الأرجح أهمها علي الإطلاق!. أمّا لماذا قد يمنح قائدٌ ذو نفوذ في المؤسسة العسكرية أفّاقا يمارس الدجل كحرفة ويعمل اختصاصا في الأحجبة والرقيات الشرعية ومركبات العطارة رتبة كهذي, فالأمر يعدو مجرد فهلوة عبد العاطي ويتخطّي فكرة نجاحه في عمل حجاب يحل عقدة نجلة القائد العسكري.. الأمر يقودنا إلي فكرة الدولة الحديثة التي صار هذا القائد وزملاؤه أوصياء عليها, وإلي التفكير في قشرة الحداثة التي كانت تداري أروقة الحكم لعقود حتي تآكلت تلك القشرة مع الزمن فظهر ما تحتها من خرافة.. كان الأمر صادما للكثيرين, كعادة كل الاكتشافات المزعجة, لكن مع الوقت سيصير معتادا ومقبولا بل ولا داعي لنقاشه!. إعداد: محمد السيد الطناوي