كان هتلر من أكثر الديكتاتوريين على الإطلاق آسرًا للقلوب والعقول، عندما كان يلقى على الشعب الألمانى خطابًا يسيطر على الناس ويشحذ الهمم، كان بالفعل خطيبًا مفوهًا برغم تناقض كلماته وعباراته عن أفعاله. كان يجيد التحدث إلى الناس بما يريدون أن يسمعوه لا بما يريد أن يقوله هو. للدرجة التى جعلت خصومه يقولون أنه وصل لحد الكمال في أدائه أمام الجماهير، عن طريق التدريب أمام المرآة والعزف الماهر على أوتار المشاعر أثناء القاء خطبه، خاصة عندما كان يستخدم اليد والإيماءات التى كان يقوم بها عن طريق الذراع. كان يلحق الحديث عن الحرية فى عهده بالمؤامرات اليهودية الماركسية لغزو المانيا والعالم، وعن هؤلاء الخونة الذين يريدون أن يطعنوا الجيش الألمانى من الخلف، وتهديداته لهم بسحقهم وقتلهم، وكان دائم البحث عن كبش فداء يلقي عليه اللوم لما لحق بشعبه من مصائب وكوارث. ارتكب جميع الجرائم والخطايا فى حق شعبه باسم شعبه وكان هذا الشعب يُصدقه ويُؤيده ويُشجعه. كان يمتلك قدرة التأثير على الآخرين، ويتمتع بجاذبية وحضور طاغي، يمتلك هذا السحر الشخصى في شحذ الهمم وإثارة الحماس ليكسب ولاء من يُخاطبه، هذه القدرة على القيادة والإقناع وإلهام الآخرين وجذب إنتباههم.. يُقال على من يمتلك كل ذلك أنه صاحب كاريزما. هذه الكاريزما تجعل الشعوب الواقعة تحت نير الطُغاة، تقيس حُكمها على الناس من خلال كلماتهم، تقيس كل شيء بُناءً على الكلام، تكون عاشقة للكلمات والخطب الرنانة المؤثرة، حيث القائد صاحب الكاريزما الذى يمتلك التأثير على الجماهير وإجبارهم على الاستماع والتفاعل معه، إنه سحر الزعامة والكلمات البراقة. ولكن الأنظمة في جميع أركان الوطن العربي، إبتلى الله شعوبها بحكام ديكتاتوريين نسفوا قاعدة هذا القائد صاحب الكاريزما، حيث لا كاريزما ولا سحر الزعامة، عندما يتحدث أحدهم تُشفق عليه كثيرًا من هزل كلماته، وعدم ربط بعضها ببعض في جملة واحدة مفيدة، وتُشفق أكثر أن مصير هذه الشعوب البائسة مرهون بهذه العقلية المحدودة الفكر والموهبة والذكاء. والأخطر من كل ذلك أن هؤلاء يرتكبوا كل الرزائل والمظالم على الشعب باسم الشعب، تم قتل الآلاف من الشعب تحت شعار الحرية للشعب، تم تعذيب واعتقال وانتهاك حرية الشعب تحت مسمى الأمن وحماية الشعب، وباسم الحُرية سُجن أصحاب الأقلام، وكُممت الأفواه، وأُغلقت البرامج والقنوات، وباسم الاستقرار زادت أجهزة البطش والقمع، وباسم الثورة والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، قطع كل لسان واعتقل كل إنسان يتحدث عن تحقيق أهداف الثورة. مثلما فعل الجنرال عبد الفتاح السيسى منذ أن وطأت قدماه كرسي الحكم، وفعلها من قبله البكباشي جمال عبد الناصر ومجموعة الضباط الأحرار، فباسم الشعب ألقى بالآلاف في المعتقلات، وأعدم عمال، وألغى الأحزاب. وعندما أسقط مجموعة الضباط دستور 1923 قال محمد نجيب وهو يستكمل حديثه قائلًا "وهأنذا أعلن باسم الشعب سقوط ذلك الدستور" والمضحك في كل هذا أن الشعب لم يكن حاضرًا عندما أعلن سقوط الدستور وإلغاء الأحزاب، وموت الحياة السياسية. من المنطقي والطبيعي أن يتم تهميش الشعب بعدما تثبت أركان حُكم الطغاة على عروشها، وقبل ذلك كان يتم التزلف والتملق إليه، وتنهال على الشعب المدائح والوعود البراقة برغد العيش، والحياة الكريمة والمشاريع العملاقة التي ستنهض بالبلاد وتجعلها في مصاف الدول المتقدمة في لمح البصر.. ولكن داء الاستبداد الذي يصيبهم ويتمكن من نظام حكمهم يأبى أن يحقق للشعب ما يصبو إليه، ليضعوا أمامه الحواجز بعد الحواجز. لكن المؤكد بأن الطغاة مهما كانت كاريزميتهم، وأيًا كانت شعبيتهم تكون نهايتهم دائمًا حتمية، والفارق بين الديكتاتور داخل أوطاننا وخارجها، أنهم يأرخون مساويء الطاغية ويسطرون سيرهم بوضوح؛ لتتعلم الأجيال القادمة من ماضيهم ويستخلصوا منه النماذج والعبر، فيشب جيلًا متزنًا يعي ماضيه وحاضره ليتطلع إلى مستقبله، لكن في عالمنا العربي نزيف التاريخ لنقدم ميراثًا من الكذب والتضليل للأجيال القادمة، لتشب مشوشة على صورة صورة وهمية لديكتاتور جديد، وكأنهم يقولون لنا "لا تحلموا بحاكم رشيد، فخلف كل ديكتاتور يذهب، يأتي ديكتاتور جديد"