يبدو أن تخصيص الدولة أنظمة تعليمية مميزة في الجامعات الحكومية بمصاريف باهظة تحت مسميات مختلفة، مثل «حقوق إنجليزي، وتجارة إنجليزي، واقتصاد وعلوم سياسية، وإعلام وهندسة إنجليزي»، وغيرها من الأقسام مدفوعة الأجر، توجه لخصخصة التعليم على المدى البعيد. وجاء إعلان وزارة التربية والتعليم مؤخرا، عن مبادرة لإنشاء المدارس بالشراكة مع القطاع الخاص، ليرسخ فكرة توجه الحكومة لخصخصة التعليم؛ خصوصا أن المبادرة لن تنفذ في القرى والمحافظات النائية التي ترتفع فيها نسبة الفقر وتعاني عجزا في مدارسها، لكنها قاصرة على القاهرة الكبرى، ما يؤكد أنها تهدف بالأساس إلى الربح وليس توفير مدارس لأبناء القرى والمناطق الفقيرة. كان الدكتور أشرف الشيحي، وزير التعليم العالي، قال إن تمويل التعليم العالي «عبء ثقيل» على كاهل الحكومة، كما أعلن الدكتور السيد عبد الخالق، الوزير السابق، أن الوزارة تدرس إنشاء «بنك الطالب»؛ بحيث يستطيع الطالب الحصول على قرض للدراسة. ولم تكن تصريحات الخصخصة مقصورة على الوزراء فقط، بل أشار الدكتور طارق شوقي، رئيس المجلس الاستشاري للتعليم، إلى ضرورة إلغاء مجانية التعليم؛ استجابة لأوامر البنك الدولي الذي يفرض على الدولة تحررها من دعم الخدمات، واستجابة لاتفاقية «الجاتس» التي تلزم الدولة بتحرير قطاع الخدمات والتحول للسوق المفتوح والشراكة مع الدول الأجنبية، والأمر اتضح أيضا من خلال عملية دمج الجامعات الخاصة والحكومية تحت مظلة قانون واحد جديد، يتم إعداده الآن. واتضح سعي المجلس التخصصي للتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية، في الاتفاقية البريطانية المصرية، التي سيتم من خلالها استحداث شهادة لعضو هيئة التدريس تسمح له ممارسة المهنة أو تمنعه عنها، بما يخالف نظام التعاقدات الحكومية الدائمة، ويشير إلى التعيينات المؤقتة، ويمهد للمعاشات المبكرة، المطبق في كل شركات القطاع العام التي تم خصخصتها. ولفت الدكتور وائل كامل، الأستاذ بجامعة حلوان، إلى خطورة الأمر في إعاقة فرص الالتحاق بالتعليم والأخطار المتوقعة في التلاعب بعقول الشباب وقيمة الانتماء والهوية المصرية، بعد تحويل التعليم لسلعة يتدخل فيها رأس المال الخاص، سواء كان مصريا أو أجنبيا، قائلا: «الخطورة بدت بشكل واضح في الفترة الأخيرة؛ من خلال تزايد رغبة الشباب في الهجرة، وبعض الظواهر السلبية الأخرى التي طرأت على مجتمعنا المصري». وأضاف كامل أن الأزمة تتجسد في التفرقة بين أفراد المجتمع الواحد في تلقي الخدمة التعليمية وممارسة حقهم في التعلم على أساس مادي بحت، فالحق في التعليم من ضرورات تطور الفرد وتقدم الوطن فى النهاية، متسائلا: هل التعليم في مصر سيصبح احتكارا على أبناء الكبار ومن يملكون المال والنفوذ، في دولة ترتفع بها نسبة الأمية، وأكثر من ربع تعداد سكانها تحت خط الفقر؟. وأوضح الأستاذ بجامعة حلوان أن توجه الحكومة نحو خصخصة التعليم، يخالف الدستور وجميع المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، كالمادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والاتفاقية.