"لم أكن سعيداً في مدرستي". قالها بالإنجليزية رداً علي سؤال أحدنا لماذا تريدون خصخصة الخدمات الحكومية مثل التعليم والصحة علي الرغم من جودتها ومجانيتها للجميع؟ كان الرد الذي قاله الباحث الشاب بأحد مراكز البحث السويدية بمثابة مفاجأة لنا من العيار الثقيل وقلت في نفسي "أمال لو شاف مدارسنا". كان ذلك في العاصمة استكهولم. وكان الوفد المصري الذي يزور الدنمارك والسويد في إطار الرحلة التي نظمها المعهد المصري الدنماركي للحوار - لدراسة تجربة دولة الرفاه - يستمع باهتمام ممزوج بالدهشة إلي المحاضرة التي يلقيها الباحث الليبرالي حول الخدمات التعليمية والصحية ورعاية الاطفال والكبار التي تقدمها الدولة لمواطنيها في إطار ما يعرف بدولة "الرفاه" وتجارب خصخصة جانب من هذه الخدمات. الغريب أن الخصخصة علي الطريقة السويدية لا تعني بيع ما لدي الدولة من مدارس أو مستشفيات أو دور حضانة أو مسنين. للقطاع الخاص ولكن تعني السماح للقطاع الخاص بالدخول في مجال تقديم الخدمة إلي جانب الحكومة. والاغرب انه رغم الخصخصة تظل الدولة تقدم الدعم للخدمات المقدمة من جانب القطاع الخاص بنفس القدر الذي تدعم به الخدمات المقدمة من خلال الأجهزة الحكومية. وذلك حتي تحافظ علي مجانية الخدمات كما تظل الدولة تراقب مستوي جودة الخدمة المقدمة من القطاع الخاص. وعلي الرغم من بدء التوجه نحو خصخصة الخدمات التعليمية والصحية والرعاية الاجتماعية منذ سنوات في السويد إلا أن نصيب الخصخصة كان ضئيلا في مرحلة التعليم الابتدائي ومرحلة رعاية الاطفال مقارنة بمرحلة التعليم الثانوي ورعاية كبار السن وربما كان تفسير ذلك أن الدولة في السويد تضمن للاطفال الذين تتراوح أعمارهم من سنة إلي خمس سنوات - مكانا في دور الحضانة العامة سألنا محدثنا. لماذا إذن الخصخصة طالما أن الدولة تقدم هذه الخدمات للجميع مجاناً وبمستوي عال من الجودة وكيف ينافس القطاع الخاص الدولة طالما أن التكلفة والجودة واحدة؟ ولم يجد الباحث السويدي رداً علي السؤال سوي انه لم يكن سعيداً في مدرسته الحكومية!! ويبدو أن بلدان "الرفاه" يعانون مشاكل الرفاهية وهي ليست مشاكل حقيقية بقدر ما هي أيديولوجية وقد لمسنا ذلك بوضوح من خلال المناظرة التي شهدناها بجامعة كوبنهاجن بين أحد شباب الحزب الليبرالي وأحد كوادر الحزب الاشتراكي الاجتماعي الحاكم فبينما تحفظ عضو الحزب الليبرالي علي الدعم الذي تقدمه الدولة للخدمات وحتي الثقافة و"تذاكر الأوبرا" مما يجعل الشباب يعتمد علي الدولة بالاساس في كل شيء. يري عضو الحزب الاشتراكي الحاكم أن النظام الحالي يحقق قدراً كبيراً من المساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ويحمي الفقراء وقال إن عدم المساواة يخلق مجتمعا ضعيفا منتقداً محاولات الليبراليين بمعارضين هدم المجتمع. والحقيقة أن مطالب الليبرالية واحدة سواء في دول الرفاه أو دول العالم الثالث فرغم أننا لم "نشم ريحة الرفاهية" إلا أن الغاء مجانية التعليم "علي الرغم من صورتها حاليا" وإلغاء الدعم مازال يمثل أهم مطالب الليبرالية المصرية.