يُجمع أصحاب العقول على أن بناء الدول يبدأ وينتهي بالتعليم، ولكن ليس أي نوع من التعليم بل التعليم المبدع القائم على الالتزام بتغيير الواقع وتطويره. وكان التعليم في عهد الرئيس المخلوع "مبارك" قاصراً على القادرين، حيث كان بمصروفات يعجز عنها الكثير، وباستثناء الأزهر الشريف والكتاتيب التي كانت تُحفّظ القرآن واللغة العربية، كان نيل قسط من التعليم يكلف الأسرة المصرية كثيراً، وكان أغلب المصريين يكتفون بأن ينال أبناءهم شهادة متوسطة تجعلهم يحصلون على وظيفة تساعد في نفقات الأسرة وتسهم في تكوين شاباً صالحاً لتأسيس أسرة جديدة. وعن أحوال التعليم في عهد المخلوع "مبارك" يقول د. كمال مغيث- الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية - إن مبارك لم يكن صاحب مشروع كعبد الناصر، ولا صاحب توجه كالسادات، أدار ظهره لتعليم الشعب، والتعليم في فترة حكمه أخذ شكلين التعليم "الغير رسمي" لأبناء الحكام الأثرياء ويقدر بنسبة 10% من التعليم بتكاليف عالية ليرث أبناؤهم المناصب العليا، وباقي ال 90% من الشعب لم يكن مبارك يعنيه أن يتعلموا أم لا، لذلك أصبح أمر التعليم يخص الأسرة أكثر ما يخص الدولة. وأضاف مغيث، "كان من المنطقي نتيجة ذلك، أن يتردى مستوى التعليم، ويتعرض الطلاب للانتهاكات والعنف البدني والنفسي، مما يضعف رغبة الطالب في التعليم". أما د. يحيى القزاز، الأستاذ بكلية العلوم جامعة حلوان، فيرى أن التعليم المصري في الفترة القادمة سوف يعود إلي "تعليم القبيلة" تحت مسمي المدارس الإسلامية لتعليم أهداف ومبادئ كل قبيلة، مع العلم أن الحضارة الإسلامية بدأها علماء مسلمين كابن سينا وابن رشد والبيروني، وجميع هؤلاء أحدثوا نهضة علمية في الطب والهندسة والرياضيات، والغرب هو من حكم عليها بأنها حضارة إسلامية. من جانبه أوضح أيمن البيلي – وكيل نقابة المعلمين المستقلة – أن بداية انهيار التعليم الأساسي في مصر في عهد مبارك، بدأ عندما تم عقد اتفاقية الشراكة المصرية الأمريكية عام 1989، حينما تولى أحمد فتحي سرور وزارة التربية التعليم، وكانت الاتفاقية تنص على منح الحكومة المصرية 300 مليون دولار مقسمة علي ثلاث دفعات بهدف تطوير التعليم الأساسي، وبدأ معها مراحل إحلال التعليم الأساسي من جذوره عن طريق ضم مرحلة الصف الخامس الابتدائي والسادس في سنة واحدة، وكانت بداية لإلغاء "مدرسة المعلمين" التي كانت تؤهل المعلم للمرحلة الابتدائية، وظهرت في تلك الفترة كليات التربية للتعليم الأساسي، كل ذلك تحت مسمي تطوير التعليم. وأشار البيلي، إلي أن نسبة التسرب من التعليم ارتفعت من 2.2 إلي 4.4 في تلك الفترة، مما يعني أن ما تم تطبيقه داخل التعليم الأساسي من خطط ومشروعات كانت حبر على ورق، لأنها لم تعكس مخرجات تعليمية حقيقية، وفي هذه المرحلة انخفضت الميزانية المخصصة للتعليم الأساسي، وبدأت تعتمد على المعونة الخارجية. وتابع البيلي قائلاً "بعد ذلك تم التلاعب في المرحلة الابتدائية، حيث كان الصف الرابع "شهادة" وتحولت للصف الثالث، ثم ألغيت، ثم عادت مرة أخري، وهذا ما حدث الأسبوع الماضي من قبل وزير التعليم الحالي إبراهيم غنيم، والذي قام بإلغاء الشهادة الابتدائية وجعلها سنة عادية" ، مشيراً إلى أن امتحانات الشهادات تم وضعها كشكل من أشكال الأهداف المرحلية لإنهاء فترة تعليمية، وأحد أشكال الانضباط التربوي، وأحد أدوات التقييم لنجاح منظومة التعليم من عدمه، وأن الفشل في المرحلة الأساسية يعد فشلا في التعليم الجامعي وما قبله. وأكد وكيل نقابة المعلمين المستقلة، إلى أنه بداية من عام 1990 إلي 1995، تزايدت مدارس التعليم الخاص في المرحلة الابتدائية، ودخلت المدارس الدولية – الأمريكية والألمانية والانجليزية – وبعض المدارس كانت أمريكية تحت شعارات دينية، وظهرت المدارس الإسلامية في تلك الفترة. وواصل "الأخطر من ذلك أن سياسات التعليم خلال هذه الفترة، اتسمت بالخصخصة والاعتماد علي رجال الأعمال للسيطرة علي الاقتصاد وامتلاك عمليات الإنتاج في المجتمع، والعلاقة أن الدولة حينما كانت تسيطر على النظام الاقتصادي " القطاع العام"، كانت تتولى تكليف خريجي كليات التربية، لكن مع قرار إلغاء التكليف والتعيين في القطاع الحكومي بدأ العد التنازلي لإهدار حق الخريجين في الحصول علي فرصة عمل". وتابع "وبدأ مشروع "مبارك كول" - التعليم الصناعي - قامت ألمانيا بدعمه بورش العمل والأجهزة الحديثة لبناء مواطن يمتلك بدايات أي حرفة بشكل حديث، إلا أن الهدف كان تحويلها إلى مصانع تحول إلى تجارة وتم نقل الورش وبيعها في السوق السوداء، لأن الدولة لم تكن تستهدف تطوير التعليم الأساسي". واستمراراً لتدهور حال التعليم في عهد "مبارك" يقول البيلي "جاء بعد ذلك حسين كامل بهاء الدين وزيراً للتعليم وأدخل فكرة التعليم التكنولوجي في مصر، وألحق أجهزة الحاسب الآلي بالمدرسة، إلا أن العقلية التي تدير العملية التعليمية في مصر لم تساعد على الاستفادة من تكنولوجيا التعليم وتم تخزين الأجهزة في المخازن، خوفا علي العهدة ". وأضاف "بعد الثورة لم نجد وزيراً اتخذ قراراً كخطوة أولى للنهوض بالتعليم الأساسي بداية من أحمد جمال الدين، وجمال العربي، وانتهاءً بإبراهيم غنيم الوزير الحالي، فكل ذلك تم في مصر خلال هذه الفترة ولم يحدث تغيير جذري في التعليم، فكان التعليم في عهده مجرد عملية "ترقيع" يتجسد علي أرض الواقع اليوم".