جاء الفيلم الأمريكي «آلهة مصر» ليعيد إشعال غضب مشاهدي الإعلان الرسمي وإدانه المخرج والمنتجين؛ لتسليمهم مهمة تمثيل كل الأدوار الأساسية التي تجسد مصريين إلى ممثلين ذي بشرة بيضاء، ويخص الأمر بالدرجة الأولى الممثلين الأمريكيين، جيرارد باتلر وجيفري راش ونيكولاي كوستر والدو وبرينتون ثويتس، الذين أدوا أدوار البطولة. رفع الغاضبون شعار «المصريين ليسوا بيض البشرة.. أعيدوا إلى إفريقيا لونها» ورغم اعتراف مخرج الفيلم أليكس بروياس، بهذا الخطأ وتقديم الاعتذار إلَّا أنه قوبل بالرفض وسط حملات لمنع عرض الفيلم في جميع الدول العربية. يعيدنا هذا الفيلم إلى عقود مضت واسترجاع الشكل الذي ظهرت به مصر وحضارتها في عيون صناع السينما الأمريكية، منذ أن بدأوا في تجسيد الحضارة والتاريخ المصري، فالذاكرة مليئة بمثل هذه الأخطاء التي أصر عليها معظم صانعي الأفلام الأمريكية، والعنصرية غلبت عليهم، فهناك أفلام تحكي عن التاريخ المصري ولم يتم تصويرها في مصر من الأساس مثل فيلم «Raiders of the lost»، وأفلام آخرى لم تخل من النظرة البدائية البدوية للمصريين. فكما هي العادة مع الغرب، فإن أكثر ما يلفت انتباههم هو الحضارة الفرعونية فقط، فقد جاءت أفلام تاريخية كثيرة تجسد حقبة بعينها من التاريخ الفرعوني بما فيه من إغراء لأي مخرج لما تحتوية هذه الأفلام من ضخامة في الإنتاج وإطار تاريخي غير معتاد. «كليوباترا» هو أحد أشهر هذه الأفلام إنتاج عام 1963، وجسد حياة الملكة الشهيرة وقصة حبها مع القائد الروماني مارك أنطوني ونهايتها منتحرة، جسدت الدور الفنانة إليزابيث تبلور، في فيلم طويل مدته تزيد على ال3 ساعات ويعتبر من أفضل الأفلام التي جسدت حقبة من تاريخ مصر، ولا تزال بعض مشاهده صامدة في الذاكرة، على الرغم من التطور الذي طرأ على صناعة السينما، رغم هذه الأخطاء إلَّا أن هذا الفيلم أقلهم مقارنة بالأفلام الأخرى. جاء فيلم «kings 20» ليروي قصة خروج شعب إسرائيل من مصر على يد موسى النبي طبقًا للتوارة، وامتلأ الفيلم بالأخطاء التاريخية والتوراتية أيضًا، وظهرت هذه الأخطاء في تصميم المعابد والقصور الفرعونية والأدوات المستخدمة، كما ظهرت في شخصيات الفيلم مثل تصوير موسى النبي في صورة أحد قادة معركة قادش الحربية، وهو افتراض غير مثبت تاريخيًّا وغير مذكور من الأساس في التوارة، بخلاف الخلط في الأحداث التاريخية، كتصوير الشعب الإسرائيلي يشارك في بناء الهرم، على الرغم من عدم صحة هذا تاريخيًّا أيضًا، كل هذه الأخطاء وغيرها جعلت من الفيلم محل هجوم إلى حد منعه من العرض داخل مصر. وللإنصاف والاعتراف بما لنا وما علينا، فقد ظهر فيلم «prince of the Egypt» الذي جاء أيضًا بقصة النبي موسى وخروجه مع الشعب الإسرائيلي من مصر، مهتمًّا بالكثير من التفاصيل التاريخية، بداية من الملابس وحتى شكل الأسلحة المستخدمة، وتميز الفيلم بمشاركة الفنان هاني المصري، ضمن فريق الإعداد الفني، وربما هو الفيلم التاريخي الوحيد الذي ظهر فيه المصريون بلون قريب من بشرتهم الحقيقية وليسوا بيضًا بأعين ملونة كما ظهروا في الأفلام الأخرى. وفي أغسطس الماضي انتشرت صورة فيلم «الرجال إكس» للمخرج الأمريكي برايان سنجر، وظهر هو في الصورة أمام تمثال ضخم يشبه الإله «ست» عند المصريين القدماء في ديكور يشبه المقابر الفرعونية، ولم يوضح المخرج تفاصيل هذا الديكور، لكن فيما يبدو أنه سيكون مرتبطًا بشخصية ذات جذور فرعونية، فالأفلام التي لم تصور التاريخ الفرعوني نفسه لم تستطع الابتعاد عن الأجواء الفرعونية، بل اقتربت منها واستعانت بها، فكان دائمًا الفراعنة وتراثهم ملهمين للعديد من الأفلام حتى منذ الأربعينيات، وعلى كل أنماط الأفلام. «the mummy» جاء في مجال المغامرات والتشويق وظهر تأثرة بالحضارة المصرية القديمة حتى في الاسم، وقد حاول الاستفادة من كل ما هو فرعوني، فكانت رحلة عالمة الآثار التي تصطدم بمومياء نائمة يحين موعد استيقاظها، ويظهر في الفيلم العديد من المعابد الفرعونية، وحلت حشرة الجعران التي كان لها مكانة مهمة عند قدماء المصريين ضيفًا في العديد من مشاهد الفيلم. وحتى في أفلام الخيال العلمي جاء فيلم «stargate».. ستارجيت هي البوابة التي ينتقل من يعبر منها إلى عالم آخر يظهر فيه الفراعنة الفراعنة بشكل خيالي متطور تحت حكم وعبودية الملك رع، كذلك تم استغلال الفراعنة كما هو متوقع في أفلام الرعب، كان أحدثها فيلم «الهرم» الذي يدور حول مجموعة من علماء الآثار يكتشفون هرمًا جديدًا وأثناء استكشافهم له تصيبهم اللعنات واحدًا تلو الاخر. فيما زار مصر العديد من الشخصيات السينمائية المهمة، منها عالم الآثار الأشهر انديانا جونز، في أول أفلام سلسلته «الباحثون عن التابوت الضائع» في إطار سعيه لاسترداد تابوت العهد، كما شهدت منطقة الأهرامات الثلاثة معركة بين الآليين في فيلم المتحولون: انتقام الساقطين، كما جاء جيمس بوند إلى مصر في فيلم «the spy who loved me». لم تتوقف السينما الأمريكية خلال تناولها للحضارة المصرية والفراعنة على تمثيلهم في أشخاص ذات بشرة بيضاء، بل ظلت أمريكا ترى المصريين في صورة بدو ورعاة أغنام وساكني خيام. كان مطار الغردقة الدولي قد الشهر الماضي إجراءات أمنية مشددة لاستقبال النجم الأمريكي توم هانكس، الذي وصل مصر لتصوير عدد من مشاهد فيمله الجديد «A Hologram for the king»، مستغلًّا شعابها المرجانية ومناظرها الطبيعية الخلابة تحت الماء. وقضى هانكس 25 يومًا في الغردقة بمرافقة حرسه الخاص حسب اتفاق الشركة المنتجة للفيلم مع المسؤولين بالمركز القومي للسينما، الفيلم مستوحى من قصة لديف إيجرز نشرها عام 2012 عن مندوب مبيعات أمريكي يسافر إلى السعودية للبحث عن الثروة، ومن المقرر طرحه بدور العرض الأمريكية قريبًا.. فهل سيعكس «هانكس» الصورة الحقيقية عن مصر وشعبها أم ستظل كما ظهرت في معظم أفلامهم تغلب عليها «العنصرية»؟