حولت القنوات المحلية منظومة "ماسبيرو" إلى رجل دولة مريض، بعد أن أصبحت القنوات المحلية مرضًا يلتهم موارد الدولة وينهكها، ويقدم محتوى أدعى للسخرية منه إلى نشر الوعي، فهي تكلف الدولة سنويًّا نحو 6 مليارات جنيه، بينما إيراداتها لم تتعد ال 1.7 مليار جنيه؛ مما يكبد الدولة خسائر 11 مليون جنيه يوميًّا، بمعدل نصف مليون جنيه كل ساعة، وفقًا لإحصائيات بعض المراكز البحثية والحقوقية، والتي أعلنها الناشط السياسي وائل غنيم. وتضم شبكة قنوات التليفزيون المصري القنوات المحلية الآتية: الأولى والثانية والفضائية المصرية – الثالثة الخاصة بمحافظة القاهرة – الرابعة لمنطقة القنال – الخامسة للإسكندرية والبحير̼ة ومطروح – السادسة للدلتا – السابعة لأهالي الصعيد – الثامنة وهي خاصة بطيبة. توجهت "البديل" إلى المناطق المعنية بتلك القنوات؛ لسؤال أهلها عن رأيهم فيها، وكانت الصدمة أن أغلبهم لا يعرف عنها شيئًا، وطرحنا القضية على أساتذة الجامعات والمتخصصين في مجال الإعلام؛ لوضع روشتة إنقاذ التليفزيون المصري. قناة الدلتا لا تحظى باهتمام المشاهدين.. وخبراء: يجب تطوير أدائها محمود الرملى، موظف، يقول "نعلم أن هناك قناة لمحافظات الدلتا وتقريبًا اسمها قناة الدلتا، ولكن من الصعب القول بأن هناك متابعة مستمرة لها وللبرامج التى تعرضها؛ لأن القنوات الأخرى تعرض المواضيع والأحداث الهامه فى المحافظات، ناهيك عن أن المادة المقدمة فيها لا ترقى لأن يواظب أحد على متابعتها". قناة الاسكندرية.. مذيعون وفنيون وميزانية بدون جمهور قال أحد المسئولين بتليفزيون الإسكندرية – رفض ذكر اسمه – تعتبر قناة الإسكندرية أو "الخامسة سابقًا" هي القناة الرسمية الناطقة للمحافظات الثلاثة البحيرةوالإسكندرية ومطروح. ورغم ان القنوات المحلية تم ضمها على النايل سات، وأصبحت مشاهدتها متاحة بمصر والوطن العربى، إلا أن جميع المشاهدين هجروها. وأوضح أن القناة يعمل بها 518 ما بين مقدم برنامج ومعد وموظف وفنى، وتصل ميزانية القناة شهريًّا لما يقرب من مليون ومائة ألف جنيه. وعن نسبة المشاهدة قال إنها تزايدت بعد الثورة؛ لكثرة الوقفات الاحتجاجية والإضرابات العمالية بالشارع السكندري، كما تتمتع البرامج الرياضية بنسبة مشاهدة عالية، تليها الأخبار، مؤكدًا "نحن قناة حكومية غير هادفة للربح؛ لذلك نقدم برامج محافظة، ولا نستطيع منافسة القنوات الخاصة التي تتمتع بنطاق واسع من الحرية في عرض برامجها". إعلامية بالخامسة: دى عقدة الخواجة ونسب المشاهدة عكس ذلك شددت الإعلامية أمل صبحى، المذيعة بالقناة الخامسة، على ان نسب مشاهدة قناة الإسكندرية عالية، لكنها لا تفهم لماذا يعلن المواطن عكس ذلك، وقالت: إن هذا أقرب إلى عقدة الخواجة والمقولة الشهيرة "زامر الحى لا يطرب"، وإن القناه الخامسة لديها كفاءات نادرة، وتقدم مواد تليفزيونية عالية الجودة، وتلتحم مع مشكلات وهموم المواطنين بشكل مباشر، على حد قولها. فى مدن القنال الإذاعة تكسب.. والأهالي: القناة الرابعة لا تمثلنا إبراهيم حمام، طالب في هندسة بورسعيد، يرى أن الشباب في الأساس لا يتابع المحطات الإذاعية ونادرًا ما يهتم بالقنوات الفضائية، فالسوشيال ميديا واليوتيوب أصبحا مصدرًا لا ينضب لكل ما يريدون. وعلى النقيض كان رأي عمرو عزت، موظف فى الجمارك، الذي أكد أنه من المتابعين صباحًا لإذاعة القناة؛ لأنه يتعرف من خلالها على أحوال المحافظة ومشاكلها وما يحدث بها، منتقدًا أنها تتحول أحيانًا لمنبر للمسؤولين فقط ونشر إنجازاتهم دون وجود تسليط ضوء حقيقي وفعال على المشاكل، إلا أنه يرى أن إذاعة القناة تسيطر على أهالي بورسعيد، لكن القناة المحلية ليس لها وجود. ويجيب سعد عبد الحميد، أحد المعدين في القناة الرابعة، موضحًا أن نسب الإقبال والمشاهدة فعلًا قليلة رغم تقديم القناة كل ما يهم المتابع والتركيز على قضايا ومشاكل وتفاصيل مدن القناة ككل، مشددًا على أنه يجب على المواطنين على الأقل متابعتها؛ لمعرفة ما يدور في بلادهم. وأرجع عبد الحميد سبب هجر المواطنين القناة المحلية إلى ضعف الموارد المالية، مما لا يكفي للمنافسة مع الفضائيات الخاصة، موضحًا أن القنوات المحلية إذا أغلقت، ستضر بمصالح الآلاف من أسر العاملين بالإعلام المحلي. قناة الصعيد إمكانات ضخمة.. وغياب عن أعين المشاهدين قال أحمد رفعت، مقدم برنامج «أهل الخير» سابقًا، إن ميزانية القناة السابعة "الصعيد" تصل مليون جنيه للشهر الواحد، موزعة كرواتب للعاملين، وبعض أوجه الصرف الأخرى المرتبطة بالعمل، وأضاف أنه لا أحد يعرف مصير القناة والعاملين بها. رئيس قناة الصعيد، مدحت يحيى، قال ل «البديل» إن إجمالي عدد العاملين بقطاعات القناة 900 عامل، 532 بقطاع التليفزيون، و124 بقطاع الإذاعة، و114 بقطاع الهندسة، و120 بقطاع الأمن. وبسؤال عدد من أهالي المنيا عما إذا كانوا يتابعون البرامج التي تقدمها قناة الصعيد جاءت معظم ردودهم بالنفي، وقال مؤسس مجموعة «ألوانات» بالمنيا، ماركو عادل، إنه لا يشاهد أي برنامج بالقناة لتدني المستوى الإعلامي، وعدم وجود محتوى مميز. وشاركه الرأي المرشح الانتخابي السابق، أحمد شوقي الرفاعي، أنه لا يشاهد القناة؛ لكونها غير مؤثرة، ولا تحقق الضغط الإعلامي المطلوب حيال أي قضية مُلحة؛ ولتدني أساليب تقديم البرامج، في حين أجابت أمين المرأة بحزب المصريين الأحرار، إيناس محمد، بأنها لا تتابع سوى برنامج «عيون الشعب» الذي يتناول الحوادث. وكشف أحد العاملين بالقناة – رفض ذكر اسمه- أن رواتب معدي البرامج تتجاوز 5 آلاف جنيه، ولا يعملون سوى يومين في الأسبوع، وبعضهم لا يحضر للقناة سوى مرة واحد في الشهر بهدف تقاضي راتبه، معتمدًا على إجراء اتصالاته الهاتفية بالمصادر من منزله، فمهمته لا تتطلب أكثر من ذلك. وأكد مسؤول وحدة المراقبة بالقناة، سلامة أبو سمرة، أن القناة تضم معدات حديثة ومتطورة وأجهزة تصوير تصل قيمتها لأكثر من مليون جنيه، بالإضافة للاستوديوهات المميزة. قرى أسيوط الأكثر متابعة.. والمدينة لا تعرف قناة الصعيد قال محمد مصطفي يونس، محاسب، بأن القنوات المحلية أقحمت الشعب في المادة الإخبارية إبان أحداث ثورة يناير؛ مما كان سببًا رئيسيًّا في فقدان شريحة كبيرة من الشعب الاستمرار في متابعة القنوات المحلية وفقدان الثقة فيها، مؤكدًا "أنا لم أتابع القنوات المحلية وقناه الصعيد التابعة لأسيوطوالمنيا وسوهاج وقنا منذ 5 سنوات، وقمت بحذفها من قائمة قنوات الريسيفر، وأصبح التليفزيون المصري كأنه لم يكن مما يحدث حولنا من أخبار وبرامج ومنوعات ولا أحد يسعى إلى التطوير". وأختلف الأمر داخل قرى محافظة أسيوط التى أصبحت تتابع القنوات المحلية، وخاصة برنامج "عيون الشعب" المذاع على قناه الصعيد مساء الجمعة من كل أسبوع، والذي يعرض جريمة مختلفة في كل أسبوع. روشتة العلاج تنصح ب «الشباب والدمج» لإنقاذ ماسبيرو عرض الدكتور إبراهيم عثمان، أستاذ الإعلام بكلية آداب طنطا، روشتة علاج لتطوير قناة الدلتا، وهي الخاصة بمحافظات "الغربية – دمياط – كفر الشيخ – المنوفية"، تضمنت ضرورة الاستعانة بأصحاب الخبرة الإعلامية مطعمين بالوجوه الشابة من المذيعين ومقدمى البرامج، وتنظيم ورش تدريبية جادة للعاملين بالقناة؛ لخلق شخصية إعلامية محترفة ومناسبة مع طبيعة المحافظات، إضافة إلى دمج القنوات مع بعضها؛ لتوحيد الجهود وتنظيم الإدارة. وأوصى الإعلامي عبد الفتاح غنيم، مدير سابق بإذاعة وسط الدلتا، أن تهتم قناة الدلتا بعرض ما يهمها فقط من مشكلات وقضايا دون الاعتماد على مواد إعلامية واردة من القاهرة لعرضها، والاهتمام بإعداد دراسات للمشاهدين من حين لآخر؛ للتعرف بشكل دائم ومستمر على المشاكل التي تحدث رأيًا عامًّا، والاهتمام ببرامج الشباب الذين يمثلون العمود الفقري لأي مجتمع. وعن أسباب تراجع المشاهدة لقناة الإسكندرية "الخامسة"، قال الدكتور محمد معوض، أستاذ بكلية الإعلام بكينج مريوط، إن القناة الخامسة عندما بدأت عام 1990 كان أهالي الإسكندرية يطلقون عليها "ماسبيرو باكوس"، ولكن بعدما أصبحت على النايل سات ومتاحة على مستوى العالم قلت نسبة مشاهديها، بسبب هيمنة بعض المذيعات اللائي يقدمن برامج تعرف ب "السبوبة" لخدمة مصالحهن الشخصية، مما أفقد المحطة الأصالة والربط بينها وبين المشاهد السكندري، بجانب لجوء المشاهد لبرامج التوك شو بالقنوات الفضائية. ويؤكد معوض أن الحل لعودة المشاهد للقنوات المحلية هو التطوير بكوادر شبابية قادرة على الإبداع وخلق أفكار ورؤى جديدة ومنع كل من يستخدم منبر القناة لخدمة مصالحه الشخصية. ورأى الدكتور خالد عبد الفتاح، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة عين شمس، أن وسائل التواصل الاجتماعي" السوشيال ميديا" تفوقت على وسائل الإعلام، وأصبحت هي من تقود، وبالتالي فإن الإنفاق لصالح الأخيرة ما هو إلا محاولة لتجميل صورة النظام فقط، وبذلك فقدت قيمتها لدى المشاهد، حتى إن جهاز التليفزيون نفسه أصبح عبئًا على الدولة، ولكن استمراره بالرغم من ذلك كان نتيجة عدم إدراك الأوضاع السياسية للعلاقة بين الزمن والتكنولوجيا. وأوضح عبد الفتاح ان النظام الحالي يلجأ إلى الحيل القديمة، فاعتبر الإعلام إحدى وسائل السلطة للسيطرة على الأفراد وإشاعة الأخبار حتى وإن كانت كاذبة، إلا أن تلك الحيلة أصبحت بلا قيمة؛ لأن الشريحة الأكبر من المصريين هي الشباب العازفون عن مشاهدة الفضائيات والقنوات الإقليمية، بعدما أصبح الهاتف الذكي في متناول الجميع، ولذلك فإن الفشل لحق بالإعلام؛ لأن الطرق التقليدية انتهت. ونفى عبد الفتاح احتمالية تصور أن تهدف الفضائيات إلى تحقيق إطار سياسي عام، معتبرًا من يدير القنوات المحلية بأنه ما زال مغيبًا وذو عقلية قديمة، يعتقد أنه مؤثر من خلال قنواته ولكنها فعليًّا بلا قيمة، وهو ما اتضح في حادثة نقابة الأطباء وأمين الشرطة، فهي في الأساس حادثة بسيطة، فشلت وسائل الإعلام في السير بها في الاتجاه المعاكس، بينما نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في إثارتها كقضية هامة، فأصبحت الأولى عاجزة عن تحقيق أهدافها التقليدية وفي طريقها للانقراض. وأشار عبد الفتاح إلى ان الفئة العمرية التي تقع تحت سن الخمسين في الأرياف هي أكثر نضجًا وتحليلًا للمعلومة بالوعي الذاتي وهي أيضًا لم تعد في حاجة للإعلام الذي كان الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الحد الأدنى من المعلومات وإن كانت كاذبة، كما أن هناك وسائل لا حدود لها تنقل المعلومة بشكل صحيح وبصور مختلفة، فلا يجد المواطن سببًا للوصول إليها من وسيلة قديمة، هدفها سياسي لتجميل النظام وليس اقتصاديًّا. ورأى عبد الفتاح ان إعادة هيكلة الإعلام ليحقق أهداف اقتصادية واجتماعية تكون من خلال التعرف على مشاكل المنطقة الخاصة بها وترويج النشاط في محيطها بطرح الأفكار البناءة والجديدة والخروج من العقلية الحالية، وعدم الاقتصار على الأهداف السياسية فقط، وإلا سيواجه القنوات المحلية الفشل الذريع في حال استمرارها في العمل بالطريقة الكلاسيكية؛ لذا لا بد من وجود أشخاص جديدة بعقليات وأفكار مختلفة. وطالب رئيس قسم الإعلام التربوي بكلية الآداب جامعة المنيا، الدكتور محمد خليفة، بضرورة توفير الموارد المادية للقنوات، من خلال تطوير الكوادر المهنية لجذب المعلنين، وتطوير قطاع القنوات الإقليمية. ووصف رئيس قسم الإعلام التربوي القنوات المحلية بأنها شأنها شأن القطاعات الحكومية، يطمئن موظفوها بأنهم سيصرفون رواتبهم نهاية الشهر حال تجويد أو عدم جويد المحتوى. وقال الدكتور هشام الفولى، باحث إعلامي متخصص، بأن القنوات الإقليمية والمحلية تمثل عبئًا كبيرًا على الدولة من كافة الجوانب فى ارتفاع عدد العمالة وزيادة الديون إلى جانب عدم التطوير فى المحتوى وسوء الخدمات داخلها، من حيث الإنتاج والإخراج والتقنية، وعند المقارنة بينها وبين القنوات الخاصة نجد أن الأخيرة تضم 150 عاملًا فقط لإدارتها بجودة عالية، بخلاف القناه المحلية التى بها أكثر من 500 عامل ومحتوى المادة المقدمة رديء وضعيف. وأضاف أن التطوير فى القناة المحلية يحتاج إلى كوادر من الخارج والتدريب، ويفضل دمج كافة القنوات الإقليمية المصرية في قناة واحدة؛ لبحث التطوير في المادة المقدمة والمحتوى الإعلامي.