بعد انتشار القنوات الفضائية ودخول "الدش" معظم البيوت المصرية - حتي وان كان عن طريق الوصلات المسروقة - عزف الكثيرون عن مشاهدة القنوات المحلية الارضية، ولم تختلف القرية في ذلك عن المدينة، ف"الدش" تربع فوق" العشش"! مع هذا التحول في نمط المشاهدة، تراجعت نسب مشاهدة "القنوات الاقليمية" بشكل حاد وربما اختفت تماما من قائمة القنوات المشاهدة خاصة لدي جمهورها الاساسي، بعد أن فضل عليها القنوات الفضائية بما تقدمه من جودة في الشكل والمضمون.. مع ذلك استمرت وحاولت تأدية دورها وكان لها موقع علي "النايل سات"، الا ان قرار سحبها من علي القمر الصناعي منذ سنوات، كان بمثابة الضربة القاضية لكل العاملين فيها، وتناثرت الشائعات حول تصفيتها أو خصخصتها، الي أن تم منذ أشهر إعلان وزارة الاعلام عن تطوير تلك القنوات وفصلها في قطاع مستقل يرأسه د.عادل معاطي. تواصلنا مع عدد من رؤساء تلك القنوات لنتعرف أكثر علي خطة التطوير التي تهدف لبث الحياة فيها من جديد. بدأنا مع د. مصطفي عبد الوهاب-رئيس القناة السابعة ويعمل بها 523 اعلامياً ما بين مخرجين ومعدين ومذيعين- و أكد أنه كان هناك مجموعة من التحديات التي تواجه القناة وصنفها في أربعة أشكال، هي التحديات الهندسية والمالية والبرامجية والمعنوية. فيما يخص الاولي ذكر عبد الوهاب أنه تم الاستجابة لمطالب تطوير الاستديوهات الرئيسية، وأنه جار العمل الان لتحويل نظام العمل بها من"الانالوج" الي" الديجيتال" مع تزويدها بأحدث أنواع الكاميرات وأجهزة الصوت والمونتاج وتجديد شبكة الاضاءة والصورة وغيرها من التجهيزات الفنية، وفيما يخص التحديات المالية، فقد تم اعتماد 60 مليون جنيه لتطوير قطاع القنوات الاقليمية، وتم سداد كل المستحقات المالية المتأخرة للعاملين بالقناة، فضلا عن زيادة أجور العاملين. 28 برنامجاً بدلا من113 يضيف د. مصطفي" فيما يتعلق بالشق البرامجي، فقد تم اختصار 113 برنامجاً كانت تقدمها القناة في 28 برنامجاً فقط، حيث يتم اتباع نظام "الحزم البرامجية"، فتم ضم كل البرامج المتشابهة في برنامج واحد، فكان هناك 16 برنامجاً للطفل تم ضمها في برنامج واحد هو.. ولد وبنت"، وهناك برنامج للمرأة اسمه" نون النسوة" وآخر للشباب واسمه" حد يسمعنا"، تم أيضا استحداث برنامج" توك شو" ينافس برامج التوك شو اليومية المعروفة، بالاضافة الي برامج معنية بهموم ومشاكل قري شمال الصعيد، وأخري تقدم المنوعات مثل" ليالي المحروسة" و" مهرجان المنوعات"، هناك أيضا برنامج مهم واسمه" الدين لله" يؤكد قيم التسامح من خلال استضافة مسلمين وأقباط، وسيكون هناك بعد افتتاح القناة في يناير المقبل برنامج اخباري يومي يعرض ما جاء في الصحف اليومية". فيما يخص الشق الاخير والخاص بحالة الرضا لدي العاملين بالقناة، يقول د. مصطفي إن حالتهم تغيرت للنقيض بعد البدء في خطة التغيير والتطوير، فيعملون ك" خلية النحل"، فنجد المخرج بدلا ما كان يعمل في أربعة برامج أصبح يعمل في برنامج واحد فقط، وكان هناك حالة كبيرة من الاحباط تسيطر عليهم، خاصة بعد سحب القنوات الاقليمية من النايل سات، وكل ما نتمناه انه بعد ان اكتمل شكل القناة الجديد بعد التطوير أن نعود مرة أخري للنايل سات، حتي يري الجمهور نتيجة هذا الجهد، فالمشاهد الان لا يستخدم" الايريال" التقليدي، وليس من المعقول انه كلما أراد مشاهدة القنوات الارضية أن يضع "الايريال"، ولابد أن نصل نحن اليه وليس العكس». بسؤاله عن المنافسة الشديدة التي ستواجهها تلك القنوات خاصة في ظل تواجدها علي النايل سات وسط أكثر من 400 قناة، وعن السبب الذي من اجله سيفضلها المشاهد، يجيب د. مصطفي" مهارتنا نحن كاعلاميين أن نقدم في القناة ما يرغبه سكان الاقليم، و يبحثون عنه، فعندما يجد فيها مشاكل تخص صميم حياته، والقرية التي يعيش فيها، والجامعة التي يتعلم بها، ويعرف ما الذي حصل اليوم في بني سويف والمنيا وأسيوط، سيشعر أنها قناته وقريبة منه، وسيشعر أنها تلبي حاجاته". يتمني د. مصطفي انه بعد اكتمال التطوير تعود تلك القنوات الاقليمية للنايل سات كما وعدهم وزير الاعلام حتي يعمل كوادر القناة بحماس وهم يعلمون أن هناك من يتابع مجهودهم، ومن ثم تحقق القناة النجاح الذي يجذب المعلنين. ماكينة " شفط فلوس" أشار مصطفي خضير -رئيس القناة الرابعة ويعمل بها حوالي 180 اعلامياً- الي ان القناة منذ انشائها عام 1988، مرت بمراحل صعود وهبوط، فعندما تأسست لم يكن هناك منافس تقريبا سوي القنوات الاولي والثانية والثالثة، فكانت مشاهدة بشكل كبير في كل انحاء الجمهورية، رغم خروجها عن الهدف الذي كان محددا لها، فكانت برامجها ذات صبغة عامة وليست اقليمية، لكنها كانت تقوم بدور همزة الوصل بين المواطن والمسئول، وظلت القناة في صعود وهبوط تبعا للمنافسة المحيطة بها وظهور قنوات جديدة خاصة بعد دخول الفضائيات وما تميزت به من جاذبية في الشكل والصورة بسبب الامكانيات المتاحة لها، الي ان جاء قرار رفع القنوات الاقليمية من علي النايل سات ليكون اهم سبب لهبوط نسب مشاهدة القناة، فكان النايل سات المتنفس المتبقي لها، وأصيب العاملون بها بحزن شديد لغيابهم عن الساحة، لكن اعترف أن تلك القنوات لم تكن حينها جديرة بالبقاء علي القمر الصناعي فكانت دون المستوي الفني والبرامجي، فضلا عن انها كانت بمثابة" ماكينة شفط فلوس" دون عائد، صحيح ان ما كان ينفق عليها لم يكن كثيرا ولكنه يظل انفاقا بلا عائد. يضيف خضير" فتح وزير الإعلام ملف تطوير القنوات الاقليمية في مارس الماضي، فقام بحل المشكلات المالية المتراكمة، وتم تحديد ميزانية محددة لكل قناة، وبدأ تحديث الامكانيات الفنية لتلك القنوات، وجار حاليا احلال وتجديد مبني القناة الرابعة، والاستديوهات بحيث تضاهي استديوهات أفضل القنوات الفضائية من خلال بناء أفضل الديكورات، وتوفيرأحدث أجهزة المونتاج والكاميرات وشبكات الإضاءة وتم شراء جهازال SNGللنقل علي الهواء من اي مكان، وبنهاية الشهر الجاري، سيظهر الفرق لدي المشاهد، اما علي مستوي البرامج فتم تقليصها من 135 الي 15 برنامجاً فقط، فلم يعد هناك برامج تستمر 10 دقائق أو ربع ساعة، ومن أبرز البرامج الجديدة برنامج منوعات بعنوان" علي دقة قلبي"، و"ياللا نغني للوطن" عبارة عن مسابقة بين شباب اقليم القناة لاختيار افضل أغنية وطنية، و" هنا الرابعة" وهو برنامج ينافس البرامج الاخبارية اليومية علي القنوات الفضائية، بما له من شبكة مراسلين في كل أنحاء الاقليم، يناقشون من خلال تقارير اخبارية المشاكل بجرأة وصراحة ومهنية وموضوعية عالية، ونحن نلاحظ الان ان برامج مثل «البيت بيتك» و«العاشرة مساء» و«واحد من الناس» وغيرها تناقش مشاكل المحليات فنحن أولي بها، لأن العاملين لدينا من ابناء الاقليم وأدري بها، وستحرص القناة علي التركيز علي البعد الاقليمي بنسبة 95% بحيث تخدم ابناء الاقليم، سواء في داخله او ممن يعيشون في القاهرة أو خارج مصر عندما يتم بثها علي النايل سات". بسؤاله عن اطلاعه علي نتائج نسب المشاهدة التي تقوم بها إدارة بحوث المشاهدة والاستماع في اتحاد الاذاعة والتليفزيون، يقول خضير إنها بالطبع متدنية، وتنحصر في المسئولين ومن لا يملكون الدش وأعدادهم قليلة، لكنه يعتقد انه بعودة القنوات الاقليمية للنايل سات بعد التطوير، سيختلف الامر تماما. قناة "دلتا مصر" محمد العمري- رئيس القناة السادسة ويعمل بها نحو 660 اعلامياً وموظفاً- كشف عن تغيير أسماء القنوات الاقليمية لتصبح القناة السادسة بعنوان" دلتا مصر" والثامنة بعنوان" الجنوب" والرابعة باسم" القناة" ويصبح قطاع القنوات الاقليمية هو قطاع قنوات «المحروسة» لتعبر مجتمعة عن ثقافة وشخصية وتراث مصر وتقدمه علي الشاشة. أكد العمري أيضا علي مسألة تطوير البنية الاساسية للقناة فقال إن هناك سبباً رئيسياً في ركود تلك القنوات في الفترة الاخيرة هو عدم التحديث في الاجهزة الفنية وظهرت بعدها أجيال من التكنولوجيا الحديثة، من جهة أخري أشار الي أن كوادر القناة تلقت تدريبا مكثفا يتلاءم مع المرحلة الجديدة، من حيث الاعداد والتحضير للبرامج في شكل فريق عمل". من أبرز البرامج التي تقدمها القناة السادسة في الشكل الجديد هو برنامج" دلتا مصر اليوم" والذي بدأ مباشرة عقب عيد الفطر الماضي، يقول عنه العمري" هو برنامج مدته 120 دقيقة من الخامسة وحتي السابعة مساء، عبارة عن توك شو يبرز الاحداث الجارية في اقليم دلتا مصر كل يوم ما عدا يوم الجمعة، وقد حول العاملين في القناة الي "خلية نحل" يقومون بالتحضير والاعداد، وكل يوم له فريق عمل مختلف، هناك أيضا برامج تركز علي المظاهر التراثية من انشاد ديني، وغزل النسيج، والحرف اليدوية في القري المختلفة وابرازها وهي التي تصلح لتكون مزارات سياحية، فيتم استضافة أبطالها من أبناء الاقليم في برامج مثل" بلدي"، و" سمار الليل"، هناك برنامج اسمه" الجذور" يستضيف شخصية بارزة من أبناء الاقليم في كل حلقة يحكي عن طفولته ونشأته في الاقليم وتأثيرها عليه ونصور الاماكن التي تربوا فيها، مثل الروائي خيري شلبي، والسيناريست اسامة انور عكاشة، وأحمد زويل، و الشاعر محمد عفيفي مطر، والمخرج اسماعيل عبد الحافظ وغيرهم الكثير. يؤكد العمري علي حرصهم علي الخروج خارج الاستديوهات، وسط الفلاحين والحقول، مشيرا الي أن البرامج التي تقدمها القنوات الاقليمية لا تخص أبناءها فقط وانما المشاهد المصري الذي لا يعرف الكثير عن عادات وتراث بلده بل والعربي أيضا، لأنها ستقدم مادة جاذبة لأي مشاهد، ويعد العمري المشاهدين بأن التطور الذي تخضع له القنوات الاقليمية حاليا سيكون موازيا للتطور الذي لاحظه المشاهدون في القناتين الاولي والثانيةو قطاع قنوات النيل المتخصصة. اتفق العمري مع زملائه من رؤوساء القنوات الاقليمية علي أهمية عودتها للنايل سات بعد التطوير، لأن ثقافة"الايريال" لم تعد موجودة وبالتالي يجب استخدام" الميديا" السائدة حتي يصلوا للمشاهد. شارع الجنوب من جهته أشار محمد عبدالباسط- رئيس القناة الثامنة ويعمل بها نحو 305 إعلاميين وموظف- إلي أن مسألة إطلاق اسماء للقنوات الإقليمية أمر لم يتحدد بعد، أما فيما يتعلق بالتطوير الذي بدأته القناة، فتمثل أساساً في تخفيض عدد البرامج من 128 إلي 20 برنامجاً، فيقول عبدالباسط «بدلا من بث 37 برنامجاً يومياً أصبحوا ستة فقط، أبرزها برنامج «حياتنا» هو يتناول كل ما يتعلق بالطفل والمرأة والأسرة، في إقليمجنوب مصر، وهو يشمل تنويعة من البشر من صعيد ونوبة وحلايب وشلاتين، وهي مناطق لها خصوصيتها وعاداتها، هناك أيضاً برنامج «توك شو» يومي بعنوان «شارع الجنوب» وبه فقرة بعنوان «صحافة شارع الجنوب»، فضلاً عن أربع فقرات أخري ذات إيقاع سريع، حتي لا يمل المشاهد. يضيف عبدالباسط «من البرامج المميزة أيضاً واحد بعنوان «علي ورق البردي» وهو يسجل في كل حلقة رحلة مجموعة من السياح في إحدي جولاتهم السياحية علي مدار يوم كامل». تظل في النهاية الأمنية المشتركة لرؤساء القنوات الإقليمية بعودتها للنايل سات، ويقول عبدالباسط «تميزت القناة الثامنة بارتفاع نسبة المشاهدة منذ إطلاقها، نظراً لتعبيرها عن قطاع يمثل مركز السياحة في مصر، ولكن لا ننكر أن رفعها من النايل سات أدي لتراجع المشاهدة، ونتمني عودتها لأنها تلعب دوراً مهماً في ربط حوالي 3 ملايين صعيدي في دول الخليج بأقاليمهم، ومن ناحية أخري، فهي قناة للترويج السياحي لمصر. القنوات الاقليمية بدأت القنوات المحلية في الظهور تباعاً منذ عام 1985 ابتداء من القناة الثالثة في 6أكتوبر1985 وتغطي إقليمالقاهرة الكبري، ثم القناة الرابعة في6أكتوبر1988 وتغطي إقليم القناة، ثم القناة الخامسة " في عام 1990 .وتغطي الإسكندرية والبحيرة "، ثم القناتان السادسة والسابعة في عام 1994 وتغطي الاولي وسط الدلتا، والثانية شمال الصعيد "، وأخيرا القناة الثامنة في عام 1996 " وتغطي جنوب الصعيد ". كان الهدف من انشاء القنوات الاقليمية هو أن تلعب دورا تنويريا لأبناء أقاليم مصر وحل مشاكلهم والحفاظ علي الهوية المصرية.