أمر الرئيس السوداني عمر البشير، أمس، بفتح الحدود مع دولة جنوب السودان، وأوردت وكالة "سونا" السودانية أن البشير أصدر قرارًا يقضي بفتح الحدود مع دولة جنوب السودان، دون نشر تفاصيل حول هذه الخطوة، لكنها جاءت متزامنة مع خطوة رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت الخاصة بسحب قواته 8 كم عن حدود السودان، حيث أصدر سلفا كير أوامر لوحدات الجيش بالانسحاب الفوري من الحدود مع السودان. وفي مطلع الشهر الحالي زار وزير خارجية جنوب السودان برنابا مريال بنجامين الخرطوم، حيث قدمت بلاده طلبًا للحكومة السودانية بخفض النسبة التي تحصل عليها من عائدات نفط الجنوب مقابل استخدام المنشآت والأنابيب السودانية، بعد الانخفاض الحاد في أسعار الخام العالمية، وبدوره وافق الرئيس عمر البشير على طلب تخفيض الرسوم. الجدير بالذكر أن هذا التقارب الملموس حدث، ولا يزال هناك العديد من القضايا العالقة بين جوباوالخرطوم كالنزاع حول ترسيم الحدود، خاصة حقل إهليلج النفطي الذي تمكنت السودان من السيطرة عليه. تقارب الخرطوموجوبا جاء في الوقت الذي تعاني فيه الأخيرة من مشاكل عديدة على الصعيد الداخلي، حيث دخلت جنوب السودان في حرب أهلية عام 2013، عندما اندلعت اشتباكات بين قوات موالية للرئيس، سيلفا كير ميارديت، وأخرى تدعم نائبه السابق، رياك مشار، وأدى ذلك إلى انقسام البلاد على أساس عرقي، ونزوح مئات الآلاف من جنوب السودان إلى الدول المجاورة. مصر بين الخرطوموجوبا كلما قلت الخلافات بين السودان وجنوب السودان، انعكس ذلك بالإيجاب على مصر، فالسودان وبحسب موقعها والتصاقها بالحدود المصرية، تشكل عمقًا استراتيجيًّا للقاهرة، وبالتالي يعود تقارب جوباوالخرطوم بالنفع على حدود مصر الجنوبية، ويحقق لها الاستقرار. لكن الخطر يأتي من العدو الحقيقي في المنطقة، وهو الكيان الصهيوني، الذي يستثمر هذا التوافق لخدمة مصالحه وأمنه القومي، خاصة بعد التطورات الأخيرة على الساحتين الخرطوموجوبا وتعزيز علاقاتهما مؤخرًا معه. جنوب السودان والكيان الصهيوني يُعد الكيان الصهيوني من أوائل الدول التي اعترفت بدولة جنوب السودان، وكان ذلك في 10 يوليو 2011، أي بعد يوم واحد من إعلان استقلالها؛ لتعلن جوبا في منتصف الشهر ذاته عن نيتها إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل. وفي 28 يوليو أعلنت تل أبيب عن ترحيبها بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع جنوب السودان. وأكدت تقارير صادرة عن الأممالمتحدة أن الكيان الصهيوني يزود جنوب السودان بتقنيات تستخدمها في التنصت على المعارضة، فضلًا عن تقارير سابقة أظهرت أن جيش جنوب السودان يستخدم أسلحة تصنعها إسرائيل، أبرزها بنادق من طراز "ACE"، ورشاشات آلية من نوع "مايكرو جليل". وطبقًا لما أورده التقرير الأممي، فإن الأسلحة تم شراؤها قبل الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد، لكن بدأ استخدامها في ديسمبر عام 2013. السودان والكيان الصهيوني وفي تحرك وُصِف بالخارج عن المألوف، رفع وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور، يناير الجاري، الغطاء عن توجه سوداني لمناقشة مسألة "تطبيع العلاقات مع إسرائيل"، حيث وضع الهدف على جدول أعمال لجنة العلاقات الخارجية لمؤتمر الحوار الوطني السوداني، على الرغم من أن هذا الإعلان الرسمي الذي جاء على لسان وزير الخارجية يتعارض مع نص الدستور السوداني، الذي يحظر التعامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. خطوة التطبيع هذه تُعَدُّ تراجعًا عن الموقف السوداني الرسمي؛ ما يشير إلى أن لاءات الخرطوم الشهيرة، والمتمثلة في "لا صلح" و"لا اعتراف" و"لا تفاوض" مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه، لم تعد من ثوابت سياسة السودان الخارجية. وعلى الرغم من رفض الكيان الصهيوني لهذا التقارب الذي دعت له السودان، إلا أن انفتاح الخرطوم على جوبا منفذ إسرائيل في المنطقة السودانية، يسير ضمن هذا التوجه، خاصة وأن تقرب البشير من الكيان الصهيوني يأتي ضمن خططه في كسب ود الولاياتالمتحدةالأمريكية وتعميق علاقته بها؛ من أجل رفع العقوبات عن السودان، كما أن الكيان الصهيوني سيحاول أن يعمق علاقاته مع السودان، ولكن على نار هادئة، فالسودان تعني لإسرائيل موقعًا استراتيجيًّا على حوض النيل، بعد أن استطاعت كسب إثيوبيا، فضلًا عن أن تقارب السودان مع السعودية، وقطع الخرطوم علاقاتها مع إيران، يدوران في فلك التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث تقاطعتالمصالح بين الرياض وتل أبيب على خلفية رفضهما الشديد للاتفاق النووي الإيراني. تقارب جوباوالخرطوم – مما لا شك فيه – يعود بالنفع على مصر، لكن على القاهرة أن تكون جاهزة لأي معادلات جديدة قد يفرضها استثمار الكيان الصهيوني لهذا التقارب، خاصة وأن مصر لديها ملفات عالقة مع السودان وإثيوبيا أبرزها سد النهضة، كما أن هذا التقارب معرض لمجموعة من الاهتزازات على خلفية الحروب الداخلية التي تشهدها الخرطوموجوبا؛ ما ينعكس بالسلب على مصر المجاورة.