العنصرية والكراهية لدى المتطرفين اليهود لم تقتصر على المسلمين من أبناء الشعب الفلسطيني فقط، بل طالت المسيحيين أيضًا، سواء المواطنون، أو حتى رجال الدين، فلم يسلموا جميعهم من التطرف اليهودي، الذي يستمد طاقته من دعوات التحريض التي يطلقها المسؤولون الصهاينة، وهو ما يوضح أن المستوطنين اليهود وقياداتهم يستهدفون الوجود الفلسطيني بكافة طوائفه. فعندما يخرج رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" ليتهكم على صوت الأذان في المساجد، ويصفه ب "ضوضاء تؤذى الأذن"، يكون بعد ذلك اعتداء المتطرفين على المقدسات الإسلامية والمسيحية أمرًا طبيعيًّا وليس مفاجئًا، حيث خط متطرفون يهود شعارات عنصرية باللغة العبرية تتوعد المسيحيين بالموت والانتقام على جدران دير وكنيسة "رقاد السيدة العذراء" الواقعة في جبل صهيون بالبلدة القديمة بالقدس، وأخرى على جدران إحدى الكنائس القريبة، إلى جانب رسم نجمة داود الإسرائيلية. وتنادي العبارات ب "ذبح المسيحيين وإرسالهم إلى جهنم". من جانبه قال الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية، حنا عيسى، إن اعتداءات الجماعات اليهودية المتطرفة على المقدسات تهدف لتحويل الصراع من سياسي على الحقوق إلى ديني. وندد عيسى بالخطوة العنصرية التي أقدم عليها المستوطنون اليهود، مرجحًا انتماء منفذي الاعتداء لمجموعة تدفيع الثمن التي تتلقى الدعم من الحكومة الإسرائيلية، أو منظمة لاهافا العنصرية، وأضاف أن الاعتداء يستهدف المسيحيين بعد موجة من الاعتداءات في الآونة الأخيرة، حيث تم الاعتداء مؤخرًا على دير بيت جمّال غربي القدسالمحتلة في 9 يناير الجاري، وتم تدنيسه وتحطيم الصلبان فيه. وشدد عيسى على أن المسيحيين يرفضون تحويل الصراع من صراع على الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني ككل إلى صراع بين الدينين اليهودي والإسلامي، مؤكدًا "نحن كمسيحيين جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني". وفي السياق ذاته أصدر مستشار مجلس الأساقفة في الأراضي المقدسة وديع أبو نصار بيانًا بعنوان "عمل تخريبي جديد ضد المسيحيين في القدس.. إلى متى؟"، وأوضح أبو نصار أن الرهبان في الدير سمعوا أصواتًا لحركة غريبة حوالي الساعة 2 بعد منتصف الليل، وفي ساعات الفجر تم مشاهدة الشعارات العنصرية التحريضية. الاعتداء على الممتلكات والمقدسات المسيحية لم يكن جديدًا على المتطرفين اليهود، حيث بدأ منذ احتلال الكيان الصهيوني للشطر الشرقي من القدس والضفة الغربية عام 1967، وكان دائمًا يتم تحت رعاية وحماية قوات الاحتلال، بل وبمعرفة السلطات الإسرائيلية ومسؤوليها دون حسيب أو رقيب، على العكس يستمدون التشجيع من عدم مقاضاة سلطات القانون لهم، حيث طالت تلك الاعتداءات الكنائس والأديرة، وتمثلت في سرقة محتويات بعضها، كسرقة "تاج السيدة العذراء"، وتحطيم البعض الآخر مثلما حدث في كنيسة "مار إلياس" على طريق بيت لحم، وكنيسة القديس جورج، حيث كُسرت المقاعد ونُهبت الآثار والأواني المقدسة. ولم يتوقف تطرف المستوطنين اليهود عند هذا الحد، بل أحرقوا بعض الأماكن المقدسة المسيحية، مثلما حدث في الكنيسة المعمدانية، وإحراق المكتبة الإنجيلية، وإشعال النار في كنيسة القديس بولس الأسقفية بالقدسالمحتلة. وأحرق متطرفون يهود في فبراير الماضي مبنى تابعًا للكنيسة الأرثوذكسية قرب البلدة القديمة في القدس، وكان آخر هذا النوع من الحوادث حرق كنيسة "الخبز والسمك" في طبريا، وخط شعارات باللغة العبرية على مدخلها يونيو الماضي. المتطرفون اليهود لم يستهدفوا الحجر فقط، بل كان للبشر أيضًا الحصة الأكبر في الاعتداءات، والتي تمثلت في إهانة وسب وضرب رجال الدين المسيحي، وهي الحوادث التي كان أشهرها الاعتداء على رجل دين يوناني من الكنيسة الأرثوذكسية، عندما بصق أحد المارة اليهود المتطرفين في وجهه، واعتداء متطرفين على موكب للمواطنين السريان أثناء احتفالهم بعيد الفصح، وقَتْل المستوطنين اليهود الأب "فيلمنوس خاسابس"، بعد رفضه بيع قطعة أرض لهم، وقَتْل اليهود راهبتين في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية طعنًا بالسكين. ومن حين لآخر تنطلق دعوات علنية؛ لتبث الحقد والكراهية في المجتمع الفلسطيني، وتدعو إلى طرد وذبح المسيحيين الفلسطينيين، والتي كان آخرها دعوة رئيس حركة لهفاه "بنتسي غوفشتاين" في ديسمبر الماضي، الذي يقود جمعية تُعنَى بمنع زواج اليهوديات من غير اليهود، ودعا إلى منع الاحتفالات بعيد الميلاد، ووصف المسيحيين بأنهم "مصاصو دماء"، وشدد على أنه من الواجب طرد المسيحيين من البلاد. وفي مقال نشره الموقع المتطرف "كوكر" بعنوان "لنجتث مصاصي الدماء"، زعم غوفشتاين أنه لا مكان لعيد الميلاد في الأرض المقدسة، ويجب عدم السماح بموطئ قدم هنا للتبشيرية المسيحية. كانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد نشرت تقريرًا مؤخرًا، يظهر مدى الكراهية والحقد اللذين يكنهما المتطرفون اليهود في نفوسهم لرجال الدين المسيحي أو الرهبان، حيث قالت الصحيفة إن مراسليها رافقوا بعض الرهبان في الشهور الأخيرة عدة مرات في تحركاتهم اليومية داخل البلدة القديمة بالقدسالمحتلة، فعادوا بشهادات صادمة، فقد اعترف شاب يهودي متطرف بأنه يبصق نحو رجال الدين المسيحيين كلما التقاهم في أزقة البلدة القديمة، مبررًا ذلك بأنهم "غير ساميين وطالما شاركوا بذبح اليهود"، كما يعترف بأنه يشارك في تلطيخ الجدران والأديرة بشعارات معادية للمسيحية، ويقدم على تحطيم أضرحة داخل المقابر المسيحية وأنه يعيث في الكنائس الخراب. شهادة الصحيفة الإسرائيلية أكدها العديد من رجال الدين المسيحيين، حيث أعربوا عن امتعاضهم من تزايد المضايقات التي يتعرضون لها من قبل اليهود بالقدس، إذ يقومون في كثير من الأحيان بالبصق عليهم.