كان من المتوقع أن تصل العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية إلى حد القطيعة في ظل الخلافات الحادة بين البلدين، حيال ملفات المنطقة الأكثر اشتعالًا مثل سوريا واليمن والعراق. توقيت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين على خلفية إعدام السعودية للشيخ النمر، وحرق المتظاهرون الإيرانيون الغاضبون من تنفيذ الحكم، القنصلية السعودية في مشهد، أثار مخاوف المجتمع الدولي من انعكاسها على ملفات المنطقة، كما أن هذا الخلاف ينذر بتصاعد الأزمة بين البلدين وامتداد تأثيرها إلى الملفات الإقليمية المشتعلة بطبيعة الحال، ومن ضمن هذه الملفات الملف اللبناني، الذي شهد في الأوان الأخير صراعًا خفيًّا بين المملكة وإيران على خلفية إغلاق السعودية لقناتي الميادين والمنار على قمر العربسات، وعلى ما يبدو أن الخلاف سيمتد إلى ثلاث ملفات رئيسة. ملف الرئاسة قبل التوتر الدبلوماسي بين السعودية وإيران كان هناك مسار شبه توافقي على ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة لبنان، توافق وصفه مراقبون بأنه ولد بعد مخاض عسير، والتوافق هنا لا يعني البدء بتنصيب فرنجية رئيسًا للبنان، لكنه يعني تلميح الأطراف الدولية بموافقة مبدئية لشخصية سليمان فرنجية، وعلى الرغم من أن ترشيح فرنجية لم يشكل مخرجًا حقيقيًّا للأزمة اللبنانية فالعماد ميشيل عون مازال يطرح نفسه كرئيس حقيقي وقوي لهذا المنصب مصحوباً بدعم من حليفه حزب الله، إلا أن فرنجية كان بمثابة الشخص الوحيد الذي يقبل القسمة على تيار المستقبل وحزب الله، ففي السابق كان تيار المستقبل يدعم مرشحه المسيحي سمير جعجع ولا يتنازل عنه، وحزب الله يدعم مرشحه المسيحي ميشيل عون ولا يتنازل عنه أيضاً، ما شكل استعصاءً في حلحلة الأزمة الرئاسية، وبعد اجتماع فرنجية برئيس تيار المستقبل سعد الحريري بباريس، رجح مراقبون أن هناك بوادر توافق إقليمي (سعودي إيراني) على شخص رئيس الجمهورية اللبنانية، وعلى ما يبدو أن طرح ميشيل فرنجية قد يتأثر بشكل كبير بتشنج العلاقات السعودية الإيرانية، مما قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر. جلسات الحوار توتّرت العلاقات بين تيار المستقبل وحزب الله منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لكن في ديسمبر 2014 بدأ حوار ثُنائي بين الحزب والتيار لحلحلة الأزمة بينهما، وقتها أكد مسؤولون من الحزبين أهمية المحادثات في تأمين الحدٍّ الأدنى من الاستقرار في لبنان والحفاظ عليه. ورغم أن جلسات الحوار أخذت طابع البرتوكول إلَّا أنها كانت بمثابة الدرجة الأولى كحاضنة للسلم الأهلي في لبنان، حيث يؤكد المجتمعون فيها إصرارهم على التمسك بالحوار واستكماله، ويشددون على تهيئة الأجواء لتفعيل عمل المؤسسات الدستورية حكومة ومجلسًا نيابيًّا لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والحياتية، وعلى تعزيز الأمن في كل المناطق اللبنانية واستكمال الإجراءات المتفق عليها في هذا الشأن. وعلى ما يبدو أن التوتر قد عاد بين حزب الله وتيار المستقبل بعد فترة من الهدوء النسبي، متأثرًا بالعواصف السعودية الإيرانية، فمن المفترض أن تكون هناك جلسة حوار بين الطرفين الاثنين المقبل، إلَّا أن المؤشرات تنبئ بأن حدوثها ليس يسيرًا، خصوصًا بعد المشادة الكلامية الأخيرة بين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في وجه سعد الحريري، معتبرًا أن «من يعيش الإفلاس في ملاذه الذي يأوي إليه الآن، يجب ألَّا يجد مكانًا له في لبنان من أجل نهب البلاد مرّة جديد»، تصريح قابله رد من وزير الداخلية نهاد مشنوق والمحسوب على تكتل سعد الحريري قال فيه: «تصريح رعد لا يُسهّل إتمام الحوار، والاستمرار في الحوار مع حزب الله قيد تشاور داخل تيار المستقبل». الملف الأمني الارتباك الخارجي بين طهران والرياض ألقى بظلاله الثقيلة على التركيبة الأمنية في لبنان، وأوجد حالة من عدم الاستقرار الأمني بين جميع القوى اللبنانية، التي قد تنذر بالفوضى الأمنية، خاصة أن لبنان باتت ساحة شبه مفتوحة بعد الانفلات الأمني في المنطقة العربية وسوريا على وجه الخصوص، وبالتالي من الممكن أن تصبح لبنان لقمة سائغة للعب بالورقة الطائفية، وعلى ما يبدو أن هذه التخوفات انعكست على تصريحات ومواقف جميع القوى اللبنانية، حيث تحسّب حزب الله من ردّ فعل إرهابي من قِبَل المجموعات التي تموّلها السعودية مثل داعش وغيرها، واحتمال التفجيرات والمفخّخات في الضاحية الجنوبية ومناطق قاعدته الشعبية أو الاغتيالات التي قد تستهدف كوادره والتي لم تتوقف كتهديد يومي، سترتفع أكثر. وفي المقابل بدا لافتًا لجوء تيار المستقبل المحسوب على السعودية إلى اتهام حزب الله مسبقًا بأي حدث أمني يمكن أن يقع في البلاد، لذا فإن مخاوف الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية تشير وبوضوح على هشاشة الوضع الأمني في لبنان، وأن أي شرارة مصطنعة كفيلة بإشعال الوضع في لبنان، نظرًا لتركيبته الطائفية المعقدة وتأثر البلاد السريع بالعواصف الإقليمية والعالمية.