ظلت دولة إثيوبيا منذ نشأتها في التاريخ المعاصر على يد الإمبراطور منليك، نهاية القرن التاسع عشر، بعدما كانت تعرف قبل ذلك بأراضي الحبشة، تتملكها رغبة في التوسع والتمدد حتى اليوم، فمنذ هذه الفترة، لا يمكن الحديث عن حدود ثابتة لها عبر التاريخ، فكانت تتوسع وتتقلص حسب قوة ملوكها، حتى أصبحت سجن كبير تقبع فيه مجموعة من الشعوب والقوميات التي قمعت وأخضعت تارة بالقوة وأخرى بالتواطؤ والتآمر مع القوى الاستعمارية الكبرى، بداية من بريطانيا إبان حكم الاستعمار، وصولًا للولايات المتحدةالأمريكية. ونتيجة للنوايا التوسعية، ظلت إثيوبيا تاريخيًا تشكل عاملًا أساسيًا في عدم استقرار دول الجوار، للسيطرة على مصادر القوة والثروة في عموم منطقة القرن الإفريقي؛ باعتبارها المسرح الرئيس لسياستها الإقليمية- بصرف النظر عن هوية النظام السياسي القائم- من خلال تبني سياسات إقليمية توسعية طموحة على حساب جيرانها، بصورة جعلت من الأراضي العربية هدفا ووسيلة للتوسع الإقليمي خارج حدودها في آن واحد، بدءًا من الحدود الشرقية للسودان التي تحتل فيها إثيوبيا منطقة الفشقة السودانية بحجة أنها أراضى خاضعة لإدارتها تاريخيا، مرورًا بمنطقة أوجادين الصومالية التي تمثل جزءًا أصيلا من القومية العربية في التاريخ القديم، وصولًا إلى مناطق قمبيلا أو جمبيلا السودانية أيضًا التي احتلتها إثيوبيا في الستينات فى عهد وزير الخارجية السوداني، جمال محمد أحمد، بالإضافة إلى الحدود المتنازع عليها حتى الآن مع دول القرن الإفريقي، والتي تقع تحت السيطرة الإثيوبية مع كينيا وجيبوتي. وكشف احتجاج برلماني سوداني لدى مجلس النواب في اليومين الماضيين، عن ارتفاع مساحة الأراضي السودانية التي تحتلها إثيوبيا إلى مليوني فدان «الفشقة»، وأعدا إلى الأذهان والذاكرة المناطق العربية التي تحتلها إثيوبيا في الوقت الراهن، ويعيش أغلبها من المسلمين في وضع وصفه كثيرون من المحللين بالمأسوي. الفشقة السودانية وبحسب خبراء سودانيين، فإن أرض الفشقة في الخريطة سودانية رسميًا، ويقصد بها الأراضي التي تقع بين عوازل طبيعية «مائية»، كالأنهار والخيران والمجاري، وتعتبر الفشقة منطقة محاطة بالأنهار داخل الأراضي السودانية من كل الجوانب باستثناء خط الحدود المشترك مع إثيوبيا، ما أعطاها عزلة تامة عن الأراضي السودانية المتاخمة لها خلال موسم فيضان هذه الأنهار، ويعتبر موقعها إغراء للإثيوبيين من أجل السيطرة عليها، إذ لا يقف أمامهم أي مانع أو عازل يحول بينهم وبين الاستفادة من هذه الأراضي الخصبة، والمتاخمة للأراضي الإثيوبية. وتعود قصة الاحتلال الإثيوبي لأراضي الفشقة، بحسب السودانيين، إلى عام 1957م عندما بدأ تسلل الإثيوبيين للزراعة في هذه الأراضي، وحاولت سلطات الإدارة الأهلية السودانية في المنطقة المعنية رفض ذلك، إلا أنهم لم يستطيعوا، وبلغت مساحة المشاريع الزراعية التي أقامها الزارعون الإثيوبيون حتى عام 1962م «300 فدان»، فضلاً عن إزالتهم لبعض معالم الحدود التقليدية التي كانت موجودة، وفي عام 1993م، اعتدت القوات الإثيوبية على أراضي مناطق سودانية واقعة داخل الفشقة، ما أسفر عن فقدان لممتلكات المزارعين السودانيين، وأدى إلى فشل الموسم الزراعي وسحب الفلاحين السودانيين من المنطقة تفاديا لأي تصعيد ، ومنذ ذلك الحين، تعتبر السودان الفشقة منطقة محتلة، بينما تعتبرها إثيوبيا واقعة تحت حكمها وسيطرتها. وبالعودة إلى التاريخ، رسمت الحدود القديمة في 1903، واعترف بها الجانب الإثيوبي في اتفاقية 1973، ويعتبر الاتفاق اعتراف من الجانب الإثيوبي بسودانية أراضي الفشقة، إلا أن المزارعين الإثيوبيين قاموا بشراء وتأجير بعض المشاريع من أصحابها السودانيين، ما يعني بأن المزارعين السودانيين من أعطوا الفرصة للإثيوبيين لاحتلال الأراضي السودانية عن طريق القانون. أوغادين الصومالية في عام 1954، سلم الاحتلال البريطاني إقليم أوجادين الصومالي إلى إثيوبيا، على عكس رغبة أهل الإقليم، وكان الأمر بمثابة إضافة عامل جديد للحساسية بين البلدين، لا سيما أن إثيوبيا والصومال تشتركان في حدود طولها 2800 كيلو متر، ما شكل شيئا من العداء الديني التاريخي ومراحل متواصلة من أشكال الصراع. دخل البلدان في حرب عام 1977/ 1978، ونجحت القوات الصومالية في تحرير جزء من إقليم أوغادين، إلاّ أنها اضطرت إلى الانسحاب بسبب ما وصفته بالتوطؤ الدولي، ويعتبر خبراء صوماليين أن إضعاف الصومال هدف إثيوبي ثابت، فقال الرئيس الإثيوبي الأسبق، منجستو هيلا مريم، يوم فراره من أديس أبابا عند الإطاحة بحكومته: «لو كان لشعب إثيوبيا بقية عقل وإدراك لعرفوا أن لي فضلاً كبيراً عليهم، لقد نجحت في تفكيك الدولة العدوة لهم وهي الصومال». ويؤكد الصوماليون أن إثيوبيا لا تريد صومالًا قوياً بل ضعيفاً مفككاً؛ لأن قوة الصومال ستكون دعماً لحركات المعارضة العرقية والدينية داخل إثيوبيا ذاتها، فالتنسيق بين السودان والصومال يمكن أن يشكل محورا إسلاميا إفريقيا ضاغطا على إثيوبيا، ولا تخفي إثيوبيا ذلك، وما يمثل دليلا على ذلك، بحسب المعارضين، دعمها للحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله يوسف، الذي تم تنصيبه رئيسًا بضغط إثيوبي عام 2004 إلى 2008. وشهد إقليم أوغادين الكثير من التوترات السياسية بين الحكومات الصومالية والإثيوبية المتعاقبة منذ استقلال الجمهورية الصومالية التي كانت تعمل على استعادته من إثيوبيا، فسيطر مسلحو الجبهة والجيش الصومالي على معظم الإقليم، غير أن إثيوبيا في عهد الرئيس منغستو هيلا ماريام، وبدعم من كوبا والاتحاد السوفياتي، سيطرت عام 1978 على الإقليم وهزمت الجيش الصومالي، كما دعمت في الوقت نفسه مسلحي أرض الصومال المنتمين إلى الحركة الوطنية الصومالية وسمحت لهم بإقامة معسكرات على أراضيها. وفي حوار سابق لمحمد عمر عثمان، رئيس جبهة تحرير أوغادين إحدى أبرز الجبهات المسلحة المعارضة للحكومة الإثيوبية، أكد أن قضية إلاقليم قضية عربية إسلامية منسية، باعتبار أن الإقليم الذي تعتبره إثيوبيا «الإقليم الخامس» فيها، أرض صومالية محتلة، وهي إحدى آخر الأراضي العربية المحتلة في القرن الواحد والعشرين. وأوضح أن النظام الإثيوبي ارتكب فظائع بحق الشعب في إقليم أوجادين، وعاش الإقليم حصارًامن قبل إثيوبيا لمنع المنظمات الدولية من الدخول إليه، لإخفاء حقيقة ما يجري في الإقليم عن العالم، من قتل وتعذيب.