يبدو أن الحديث عن حل سياسي في اليمن سابق لأوانه، فبعد أن كان التفاؤل يخيم على أجواء المحادثات، وتعهد الأطراف بالالتزام بوقف إطلاق النار؛ مما بعث الأمل في نفوس الشعب اليمني، الذي ترقب نتائج مفاوضات سويسرا، وسط تطلع لأن يتصدر أجندتها الوقف الفوري للعدوان السعودي ورفع الحصار المفروض على المدن اليمنية، جاءت العراقيل لتحبط آمال الشعب اليمني مجددًا، وتؤكد استحالة الوصول إلى حل سياسي، طالما هناك قوى خارجية متصلبة في الأزمة تتدخل، وتفرض مخططاتها ومصالحها. اليوم الأول.. تفاؤل حذر انطلقت المفاوضات في مدينة "بال" السويسرية، الثلاثاء الماضي، وسط حالة من التفاؤل بتطبيق وقف إطلاق النار، في ظل نجاح ميداني حققه الجيش اليمني واللجان الشعبية المساندة له عشية انطلاق المفاوضات. مفاوضات صباحية ومسائية استمرت بين وفود ممثلي القوى اليمنية تحت رعاية الأممالمتحدة، إضافة إلى لقاءات جانبية سبقت ولحقت المحادثات الأساسية، حاول خلالها وفد الأممالمتحدة التأثير على المتفاوضين؛ لإخراج صيغة ملائمة مع التوجهات الدولية، وهو ما يوضح الزخم الأممي لإنجاح المفاوضات هذه المرة بعد تعثر استمر شهورًا. ورغم كل هذه الجهود الأممية، ظل الوضع على ما هو عليه، فلا يزال موقف وفد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي متصلبًا، فقد أصر على تنفيذ قرار مجلس الأمن قبل التوصل لوقف شامل للعدوان، فيما تمسك وفد صنعاء بتثبيت وقف إطلاق النار أولًا، وهو ما أشار إلى فشل المحادثات في التحرك خطوة للأمام، وأن التفاؤل الكبير بنجاح المباحثات يحتاج لوقت إضافي؛ حتى يتحول إلى واقع. اليوم الثاني.. خرق الهدنة خيمت على محادثات اليوم الثاني أجواء تشاؤمية واضحة، كادت أن تعلن فشل المحادثات باكرًا، وذلك بعد أن خرقت قوى العدوان إعلان وقف إطلاق النار، وهو ما رأت فيه مصادر يمنية تأكيدًا على أن الأطراف المشاركة القادمة من الرياض لا علاقة لها بالميدان، وأن الطرف السعودي-الأمريكي هو صاحب قرار العدوان. الأجواء التشاؤمية جعلت المفاوضات تعود إلى نقطة البداية، وأحبطت آمال وفد صنعاء في تثبيت الهدنة، وأعطت مؤشرًا بأنه لن يتم الذهاب نحو نقاش بقية بنود المسودة التي طرحها المبعوث الأممي إلى اليمن. تبادل أسرى بدأت القوات اليمنية المشتركة وقوات التحالف العربي عملية تبادل الأسرى والمعتقلين؛ كخطوة إيجابية مُشجعة لدفع المحادثات اليمنية في سويسرا إلى الأمام، وذلك بوساطة قبلية وفقاً لاتفاق أبرم بينهما غداة انطلاق مفاوضات السلام في سويسرا، حيث بدأت عملية التبادل بمجموعات صغيرة نُقِلت بالحافلات، على أن تشمل المئات من المقاتلين اليمنيين ومسلحي التحالف. وجرت عملية التبادل في المنطقة الواقعة بين محافظتي البيضاء ولحج. وأكدت مصادر مواكبة للأحداث أن المسلحين الموالين للرئيس اليمني أطلقوا سراح 370 عنصرًا من الجيش اليمني واللجان الشعبية، فيما أفرجت القوات اليمنية المشتركة عن 280 أسيرًا، تم أسرهم خلال اقتحام مدن الجنوب مطلع مارس الماضي. اليوم الثالث.. بوادر فشل ظهرت الخلافات جلية في جلسة اليوم الثالث للمفاوضات، والتي عُقِدت في قرية "مكولان" بالقرب من مدينة "بيل بين" السويسرية، وقبل عقد الاجتماع الرسمي للمحادثات، تم عقد لقاء رباعي برعاية موفد الأممالمتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حضره ممثلو الوفود المفاوضة، وتم خلاله الاتفاق على البنود التي سيتم تناولها خلال الجلسة الثالثة، وجاء على رأسها التركيز على بحث سبل وقف إطلاق النار في اليمن، وتبادل الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين. وخلال الاجتماع وزعت الأممالمتحدة مسودة مشروع لإدخال المساعدات الإنسانية إلى اليمن على الوفود المشاركة في المفاوضات؛ كي يتم طرحها في الاجتماعات الرسمية اللاحقة. وعلى الرغم من الاتفاق على البنود التي سيتم مناقشتها وتحديد أولويات الجلسة، إلا أن التعنت من قِبَل وفد الرياض ساد أجواء المفاوضات، حيث كانت قوات التحالف قد اخترقت وقف إطلاق النار، وبدأت الهجوم على أكثر من جبهة، معلنة تقدمها في العديد من هذه الجبهات، وهو ما جعل وفد الرياض يأمل في انتصار ميداني يحقق له قوة على طاولة المفاوضات، ومن هنا انطلق التعنت، حيث تجاوز وفد هادي قضية وقف إطلاق النار، وركز على الإفراج عن ثلاثة من قياداته، هم: وزير الدفاع السابق "محمود الصبيحي"، وشقيق الرئيس اليمني "ناصر منصور"، إضافة إلى المعتقل الثالث العميد "فيصل رجب"، وهو ما دفع وفد صنعاء إلى القول بأن وفد الرياض غير جدي في إنجاز أو تحقيق أي هدف سياسي في المحادثات أو حتى الوصول لنقاط موحدة، تكون خطوة في طريق التسوية، حيث أكد السياسيون اليمنيون أن وفد الرياض يركز على قضايا جزئية، ويترك المواضيع التي يجب مناقشتها باهتمام. مساعدات إنسانية إلى تعز سجل النصف الثاني من مباحثات اليوم الثالث انفراجة طفيفة، حيث تلاشت الغيوم التي لبّدت أجواء اليوم السابق، بعد إحراز تقدم في بعض الملفات التي مثلت محور خلافات في أول يومين، حيث اتفق الطرفان على رفع شكاواهما على انتهاكات وقف إطلاق النار إلى اللجنة العسكرية المتخصصة بإشراف الأممالمتحدة. كما تناولت الجلسة الجانب الإنساني، حيث وافق وفد صنعاء على مرور عدد من قوافل الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، ولا سيما إلى بعض المناطق في تعز، كبادرة لحسن النية، وذلك بموافقة الأطراف اليمنية المتفاوضة وترحيب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والذي اعتبرها خطوة أساسية للتخفيف من معاناة اليمنيين. ولكن عادت الأجواء إلى التشاؤم والتعقيد مرة أخرى، حيث أكد مصدر مسؤول في وفد المؤتمر الشعبي وأنصار الله أن البيان الصادر عن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تحت ما يُسمَّى بالمبادرة لإيصال المساعدات مخالف لما تم الاتفاق عليه في عدد من القضايا، رغم تضمنه نقاطاً تتعلق بالحالة الإنسانية، وهو ما قد يعرقل تنفيذ الاتفاق. مؤشرات فشل المفاوضات على الرغم من إحاطةالمفاوضات بالغموض، وتحفظ الأممالمتحدة على نشر أي من المعلومات والتفاصيل حول ما يدور في الاجتماعات، إلا أن هناك الكثير من المؤشرات التي توضح أن الحديث عن تقدم سياسي أو حل ينهي الأزمة اليمنية سابق لأوانه، وعلى رأس هذه المؤشرات يأتي مواصلة تعنت الوفد المدعوم من الرياض. فقد رفض وفد الرياض العديد من الصيغ والحلول التي يمكن أن تكون طرف خيط الحل السياسي، خاصة فيما يتعلق بالوضع الإنساني، حيث تمسك بقضية تحرير مدينة "تعز" اليمنية ورفع الحصار عنها، ووصل الأمر إلى انسحاب وزير حقوق الإنسان في حكومة هادي من جلسة المباحثات، رافضًا اكمالها؛ بسبب حصار "تعز"، إضافة إلى رفض وفد الرئيس اليمني "عبد ربه منصور هادي" فكرة تبادل أعداد كبيرة من الأسرى والمعتقلين. كما يعتبر خرق الهدنة واتفاق وقف إطلاق النار من قِبَل قوات التحالف العربي من أكثر الأمور التي توضح المأزق الذي يعيشه وفد الرياض في سويسرا، حيث حاولت قوات التحالف استغلال الهدنة واتفاق وقف إطلاق النار لإنجاز أي تقدم لها يكون القاعدة التي تنطلق منها مفاوضات سويسرا. بدأ خرق وقف إطلاق النار منذ الساعات الأولى لسريانه، عندما شنت طائرات التحالف العربي 5 غارات على منطقة الربوعة بعسي، وحلقت في سماء محافظات حجة، ومأرب، والجوف، وواصلت انتهاكها للهدنة، إلى أن وصل الأمر لقصف مأرب وصعدة والحديدة وتعز، مستهدفة منازل المواطنين وممتلكاتهم والمنشآت الحيوية والطرق. ففي محافظة صعدة تعرضت مديريتا منبه وباقم لقصف مكثف، وفي الحديدة استهدفت طائرات العدوان مصنع إنتاج وتكرير الملح بمديرية الصليف، ما تسبب في تدمير معداته بالكامل ومساكن العمال والموظفين، وفي حجة قصفت المنطقة الحدودية المحاذية للطوال وميدي ومدينة حرض، موقعة أضرارًا مادية فادحة في منازل المواطنين، كما قصفت مناطق الشريط الحدودي ومواقع قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية في نجران والربوعة. العدوان السعودي لم يكتفِ بخرق وقف إطلاق النار جوًّا، بل امتد الخرق إلى البحر أيضًا، حيث حاولت ثلاث بوارج التقدم إلى الجزر القريبة من منطقة اللحية بمحافظة الحديدة، كما قصفت المنطقة بكثافة، وهو ما دفع الناطق باسم الجيش اليمني واللجان الثورية العميد "شرف لقمان" إلى إعلان أن العدوان ارتكب خروقات عدة، وشن غارات على عدد من المحافظات، مؤكدًا في الوقت ذاته أن التزام الجيش واللجان بوقف إطلاق النار مرهون بالتزام الطرف المعتدي. موقف السعودية المتابع للأحداث جيدًا يدرك تمامًا أن الحل السياسي في يد السلطة السعودية وحدها، وأن حكام الرياض هم من يحركون الأحداث من الكواليس حسب أهوائهم السياسية ومصالحهم، إضافة إلى مصالح حلفائهم وممولي العدوان على اليمن، وأن الرئيس اليمني وحكومته ما هما إلا أداة في أيدي النظام السعودي الحاكم، يأتمران بأمرهم، ويحركان المفاوضات أو يعرقلناها حسب الانتصارات الميدانية والمخططات السياسية، وأن الرياض إذا أرادت في أي وقت أن توقف الحرب على اليمن، فإنها ستفعل ذلك، دون حتى اللجوء إلى مؤتمرات أو مفاوضات أو جهود أممية. والأحداث الحالية تؤكد أن السعودية لا تزال لديها بعض المخططات التي تحاول تنفيذها في اليمن، حيث إنها لم تكتفِ بحرب ال 9 شهور، وتسعى إلى استكمالها، والخلاصة تكمن في أن مفاوضات جنيف بجولاتها السابقة والحالية والمستقبلية ما هي إلا لحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي والمنظمات الأممية؛ حتى لا يلقي باللائمة على النظام السعودي في أنه لم يبذل جهودًا في حل الأزمة اليمنية.