بدأ العدوان السعودي تحت مسمى «عاصفة الحزم» يوم 26 مارس الماضي، لكنه لم يحزم أيًا من الأمور التي ادعى استهداف اليمن من أجلها، واستمر ليتحول إلى «إعادة الأمل» في 21 إبريل الماضي، لكنه لم يبعث أي أمل ولو ضعيف في إنهاء العدوان ووقف نزيف الدم باليمن، فاقترب من طي صفحة شهره التاسع، حاصدًا أرواح آلاف القتلى والجرحي، ومخلفًا المزيد من الدمار في البنية التحتية اليمنية. خسائر العدوان خلف العدوان العديد من الخسائر المادية والبشرية التي كانت اليمن والسعودية وحلفاؤها في غنى عنها، فأوضح الائتلاف المدني اليمني لرصد جرائم العدوان السعودي في تقرير له منتصف الشهر الماضي أن ضحايا العدوان من المدنيين ارتفع إلى 23 ألفًا و553 مدنيًا، منهم 7 آلاف و495 قتيلًا، و16 ألفا و58 مصابًا من النساء والأطفال والرجال. وأكد الائتلاف أن العدوان السعودي دمر خلال 225 يوما، 105 خزانات وشبكة مياه و14 مطارا و108 محطات وشبكة كهرباء و340 جسرا وطرقات و104 شبكات اتصالات و10 موانئ و244 سوقًا شعبًيا و472 مخزنًا غذائيًا و52 منشأة سياحية و212 محطة وقود وألف و231 مدرسة ومركزًا تعليميًا و844 مؤسسة حكومية و103 مزارع دواجن و161 مصنعًا و29 ملعبًا رياضيًا و34 جامعة و214 مركزًا طبيًا ومستشفى و564 مسجدًا في كل المحافظات التي طالها العدوان. استخدم التحالف السعودي خلال حربه على اليمن شتى أنواع الأسلحة وأشدها فتكًا، فصبت طائرات التحالف أطنانا من القنابل المدمرة والشديدة الانفجار على رؤوس المدنيين في المنازل، كما أنها لم تتوانى في استخدام الأسلحة المحرمة مثل القنابل العنقودية التي لعبت دورا كبيرا في ارتفاع الخسائر البشرية، ما جعل الانتقادات الإنسانية والحقوقية تتزايد وأصابع الاتهام تتجه نحو السعودية بالقصف خارج أي إطار شرعي واستخدام أسلحة محرمة دوليًا ضد المدنيين. على الجانب الآخر، تكبدت قوات التحالف خسائر ضخمة، فرغم محاولات تكتمها على عدد الضحايا وخسائرها المادية، إلا أن عدم إحرازها أي تقدم في الأراضي اليمينية يفضح تلقيها ضربات قاسية من القوات اليمنية واللجان الشعبية التي تقاتل إلى جانبها لمنع قوات التحالف من التقدم وتكبدها العديد من الخسائر. وكشف المغرد السعودي الشهير «مجتهد» عن الخسائر السعودية في حرب اليمن، منذ نهاية مارس الماضي، موضحا أن عدد قتلى الجيش السعودي بلغوا ألفي فرد، و4 آلاف و850 جريحا، ودُمرت وعُطلت 450 دبابة ومدرعة، و4 مروحيات من نوع أباتشي وطائرة من طراز إف 15، إلى جانب تدمير 3 زوارق، موكدا أن تكاليف الحرب بلغت 200 مليار ريال سعودي، والتكلفة اليومية لحرب اليمن بلغت 750 مليون ريال سعودي. وفيما يخص الذخائر وقطع الغيار والإعاشة والتموين، أضاف مجتهد، أن التكلفة وصلت في 9 أشهر إلى 200 مليار ريال لا تشمل صفقات الدفاع الأخيرة التي عقدتها السعودية مع بعض الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا في محاولة لتعويض الخسائر. ميدانيا، وخلال الأيام الماضية، قصفت القوات اليمنية المشتركة قاعدة خميس مشيط السعودية بصاروخ بالستي من نوع «قاهر واحد» روسي الصنع، حيث حقق إصابة مباشرة، وأوضحت القوات اليمنية أنها أطلقت الصاروخ في ساعة متأخرة من ليل السبت الماضي، واستهدف قاعدة خالد بن عبد العزيز العسكرية في خميس مشيط جنوبي المملكة، وأصابها الصاروخ بدقة عالية. الخسائر لم تتوقف عند السعودية، بل امتدت إلى الإمارات التي تعتبر ثاني أكبر دولة من حيث المشاركة بقوات جوية في التحالف، فسقط العديد من جنودها وقادة جيشها في العمليات على اليمن، فوفق تقرير أصدرته وكالة أنباء الأناضول منتصف نوفمبر الماضي، قتل أكثر من 63 جنديًا إماراتيًا منذ انطلاق عاصفة الحزم، بينهم 48 في هجوم واحد بمأرب. في ذات السياق، اعترفت الإمارات بمقتل قائد قواتها في اليمن العقيد سلطان محمد بن هويدن الكتبي، في باب المندب، إضافة إلى مقتل 150 جنديًا، منهم ضباط سعوديين وإمارتين، مثل العميد الركن عبد الله السهيان، قائد العمليات الخاصة السعودية في اليمن، وقائد مرتزقة شركة «بلاك ووتر» الكولومبي، و30 عنصرًا بينهم قيادات بارزة في قوات الرئيس هادي بعملية استهداف مقر قيادة التحالف السعودي بمنطقة شعب الجن في مديرية باب المندب، كما قتل 7 ضباط مغاربة، و22 جنديا سودانيا، و15 من جنسيات أجنبية من مرتزقة بلاك ووتر، وتدمير آليات وعربات ومنظومتي باتريوت، و3 طائرات أباتشي، ومخازن سلاح ومباني. فشل سعودي وغضب أمريكي فشلت قوات التحالف السعودي في تحقيق أي تقدم ميداني على الأراضي اليمنية، ما جعل بعض الدول التي كانت مؤيدة للتحالف تتحول في موقفها، وعلى رأسها أمريكا التي شجعت العدوان السعودي على اليمن وتعهدت بالدعم اللوجستي والاستخباراتي، وبالفعل دعمت كثيرا عمليات القصف، لكن عبر مصالحها الجيوسياسية من خلال عقد عدة صفقات تسليحية غير مسبوقة مع المملكة، في محاولة لتعويض خسارتها في الأراضي اليمنية، إلا أنها بدأت مؤخرا تتراجع قليلًا وتتخلى عن السعودية بعد أن تعالت أصوات المنظمات الدولية الداعية إلى وقف العدوان السعودي على اليمن. في الوقت ذاته، أدركت أمريكا أن التحالف عاجز عن تحقيق أي تقدم أو إنجاز في اليمن، ما دفعها للانضمام إلى صفوف الجهات الدولية والأممية المؤيدة لإيقاف العدوان، الذي بدا في الظاهر سعوديًا، لكنه كان بضوء أخضر أمريكي، بعدما كشفت صحيفة واشنطن تايمز في تقرير سابق لها، عن تكثيف الإدارة الأمريكية من ضغوطها على السعودية سرًا لوقف قصف اليمن، والدخول فى محادثات سلام وصولًا للحل السلمى، وقالت الصحيفة، إن البيت الأبيض أعرب بشكل متزايد عن رغبته لإنهاء الحملة السعودية، ويؤكد أنه لا يوجد حل عسكرى فى اليمن. تغريدات المدون السعودي الشهير «مجتهد» أكدت ما قالته الصحيفة الأمريكية، حيث قال إن الولاياتالمتحدة طلبت من ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، وقف العدوان على اليمن، وإيجاد مخرج يحفظ ماء وجهه، قبل أن تضطر إلى إجباره على ذلك، ولفت مجتهد إلى أن الاستياء الأمريكي مرده الأداء الفاشل للعدوان، وتحدث المغرد السعودي عن تخبط واضطراب في التنسيق بين قوى العدوان، ما تسبب في استغلال القاعدة وداعش للفراغ، وبالتالي تمددهم في عدة مناطق استراتيجية. خلاف سعودي إماراتي مع تكرار الهزائم وزيادة الخسائر في التحالف السعودي، بدأت الخلافات والأزمات السياسية تتضح بين أقوى دولتين في التحالف وهما السعودية والإمارات، فبدأت الإمارات في تقديم الدعم الواضح لرئيس الوزراء، خالد بحاح، على حساب الرئيس اليمني، منصور هادي، الحليف الرئيسي للسعودية، ما أدى إلى تعارض المصالح بين البلدين وكرس المزيد من الانقسامات. وجاءت معركة تعز لتضفي المزيد من التوتر على العلاقات السعودية الإماراتية، فأربكت نتائج المعركة التي خسرها التحالف وتقدم فيها الجيش اليمني واللجان الشعبية، حسابات الدولتين، ودفعت كل دولة إلى إلقاء الاتهامات على الأخرى، فحملت السعودية حليفتها الإماراتية مسؤولية خسارة المعركة من خلال سحب قواتها، إلا أن أبوظبي حاولت تبرير موقفها بتوجيه الاتهامات لعناصر حزب الإصلاح المدعوم من السعودية بالتورط في قتل جنودها من الخلف والتأمر عليهم هربًا من الهزيمة. ومن جانبه، دافع وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، عن قرار بلاده سحب قواتها المشاركة من مناطق الاشتباك في مدينة تعز، من خلال شن هجوم غير مسبوق على حزب الإصلاح، فكتب قرقاش حينها على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» نداء إلى صحافة الإخوان وإعلامهم ومغرديهم، عوضًا عن ضجيجكم وصخبكم الإعلامي، قائلا: «عالجوا تخاذل الإصلاح في معركة تحرير تعز، رائحة التخاذل نتنة»، وأضاف في سلسلة تغريدات أن حزب الإصلاح اليمني همه السلطة والحكم في اليمن، والتخاذل سمة لتيار انتهازي تعوّد علي المؤامرات، ولولا تخاذل الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، لكان التحرير اكتمل. الخلافات بين السعودية والإمارات والخسائر البشرية والمادية المتكررة للأخيرة إضافة للضغط الشعبي، قد يدفعها إلى فك الارتباط بالتحالف السعودي، أو على الأقل سحب بعض قواتها وأسلحتها لتكون بذلك مشاركتها غير فعالة في التحالف الذي أثبت عدم قدرته على حسم الأمور في اليمن. مفاوضات فاشلة الجهود الأممية المتمثلة في تحركات المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، تكثفت بشكل كبير في محاولة لإنهاء النزاع في اليمن، وإخراج السعودية من هذا المستنقع مُحملة بأقل قدر من الوحل، إلا أن الأخيرة لا تزال تحاول إحراز أي تقدم أو إنجاز يحسب لها في اليمن حتى تتفاخر به في وسائل إعلامها وأمام جمهورها. وانطلقت الكثير من الدعوات والأحاديث حول مؤتمرات ومفاوضات لحل الأزمة اليمنية، لكن عنصر الجدية كان الغائب دائمًا في كل المؤتمرات، فعقدت القوى اليمنية مؤتمر جنيف1 الذي خرجت منه باتفاق سياسي لم يرتقِ إلى مستوى حل الأزمة بسبب تعنت طرفي النزاع، فسعت الأممالمتحدة للتحضير إلى جنيف2، إلا أن السعودية حاولت تأجيله عدة مرات انتظارًا لحسم عسكري معين في مدينة تعز اليمنية، وبعد أن خسر التحالف السعودي الرهان على المعركة، لم يجد أمامه سوى حضور المؤتمر. بجانب المفاوضات والمؤتمرات والمحاولات الأممية المكثفة لجمع الأطراف المتنازعة في اليمن على طاولة واحدة، جاءت محاولات كثيرة لوقف إطلاق النار وتطبيق هدن إنسانية يستطيع فيها الشعب اليمني المنكوب التقاط أنفاسه وتمريض جرحاه ودفن قتلاه، إلا أنها فشلت جميعًا بعد إقرارها، خاصة في مايو ويوليو الماضيين. «جنيف2» تلتئم من المقرر أن يلتقي ممثلون للحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام في سويسرا تحت رعاية الأممالمتحدة، اليوم الثلاثاء، في مباحثات سلام، من المقرر أن تستمر حتى يوم 21 ديسمبر الجاري، ويسبق المباحثات وقف لإطلاق النار يلتزم به الطرفان منذ مساء أمس الاثنين حتى سبعة أيام مقبلة.