بدأت معالم هزيمة قوى العدوان السعودي في "معركة تعز" تظهر جلية في الأفق، وهو ما أربك حسابات الدول المشاركة بالعدوان على اليمن، فأخذت كل دولة تحاول إبعاد شبهة الهزيمة عن نفسها وقواتها، وترمي بالتهم ومسئولية الفشل على أعوانها، وهو ما أدى إلى تعميق الخلافات بين هذه الدول وبعضها البعض التي ربما تصل إلى تفكك التحالف السعودي. معركة تعز شهدت محافظة تعز خلال الأيام الماضية تقدمًا كبيرًا للجيش اليمني واللجان الشعبية بالتزامن مع سيطرتهما على مواقع محاذية للجنوب، بالرغم من تزايد الإمدادات لقوى العدوان، حيث وصلت تعزيزات عسكرية كبيرة وقوات من جنسيات مختلفة إلى المحافظة الواقعة وسط البلاد، فضلاً عن إنزال جوّي لأسلحة متنوعة بهدف دعم المجموعات المسلحة التابعة لحزب "الإصلاح" و"القاعدة" في تعز، لكن رغم كل هذه التحضيرات إلا أن حسم المعركة هناك أصبح أمر وشيك، خاصة بعد أن فرت معظم قوى العدوان من هناك تاركه هزيمة ثقيلة وراءها. سيطر الجيش اليمني واللجان الشعبية خلال الأسبوعين الماضيين على معظم مديريات المحافظة، لا سيما المسراخ وذباب وجبهة الضباب، حيث تم تأمين مديرية المسراخ بكاملها والتوجه بإتجاه النشمة للوصول إلى منطقة التربة بالحجرية للالتقاء مع الجبهة القادمة من الوازعية، كما تم تأمين نجد قسيم، التي يجري من خلالها تهريب المدرعات الإماراتية، وتمكنت قوات الجيش واللجان الشعبية، من تأمين مفترق طرق رئيسي يربط بين أماكن تمركز المجموعات المسلحة التابعة لحزب "الإصلاح" وتنظيم "القاعدة" وبين المنفذ الرئيسي الذي يمدّهم بالسلاح من جهة الجنوب، وهو ما قلب الطاولة على رهانات السعودية وحلفائها. تبادل الاتهامات تقدم الجيش واللجان الشعبية في "تعز" والحديث عن حسم عسكري وشيك في هذه المعركة بعد فرار مئات العناصر التابعة لقوى العدوان السعودي، أربك تحالف الرياض ودفع كل دولة إلى إلقاء الاتهامات على الأخرى، وأجبر الإمارات إلى سحب جنودها من جبهة "الشريجة" بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها، ومقتل 8 من جنودها واستيلاء الجيش اليمني واللجان الشعبية على إحدى مدرعاتها. قرار سحب القوات الإماراتية شكل صفعة للسعودية، إلا أن أبوظبي حاولت تبريره بتوجيه الاتهامات لعناصر حزب الإصلاح بالتورط في قتل جنودها من الخلف والتأمر عليهم هربًا من الهزيمة، حيث دافع وزير الدولة للشئون الخارجية في الإمارات "أنور قرقاش"، عن قرار بلاده سحب قواتها المشاركة من مناطق الاشتباك في مدينة تعز، من خلال شن هجوم غير مسبوق على حزب "الإصلاح"، حيث كتب "قرقاش" على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، "نداء إلى صحافة الإخوان وإعلامهم ومغرديهم، عوضًا عن ضجيجكم وصخبكم الإعلامي عالجوا تخاذل الإصلاح في معركة تحرير تعز، رائحة التخاذل نتنة"، وأضاف في سلسلة تغريدات، إن "حزب الإصلاح اليمني همه السلطة والحكم في اليمن"، وتابع "قرقاش" أن "التخاذل سمة لتيار انتهازي تعوّد علي المؤامرات"، وأوضح الوزير الإماراتي، أن "لولا تخاذل الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، لكان التحرير اكتمل"، متحدثًا عن وجود "أدلة وشواهد عديدة". من جانبه علق رئيس حزب الإصلاح "محمد اليدومي" على التصريحات الإماراتية، حيث قال في تدوينه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "سبحان الله من بيده مقاليد السماوات والأرض، إن ربًا كفاك بالأمس ماكان سيكفْيك في غد ما يكون إذاً لا قلق"، ويشير "اليدومي" في تدوينته إلى الأنباء المتداولة والتي تتحدث عن أن دخول "أنصار الله" إلى صنعاء كان بموافقة عدد من دول الخليج للقضاء على حزب "الإصلاح"، وتكرر نفس المشهد حاليًا باتهام حزب الإصلاح ب"خذلان المقاومة". العملية السياسية الانجازات التي حققتها قوات الجيش اليمني بمساندة اللجان الشعبية، أطاحت برهان التحالف السعودي على كسب هذه المعركة وخيبت آمال قوى العدوان في تحقيق إنجاز عسكري كبير يُحسب لها في هذه المحافظة الاستراتيجية، وهو ما كانت تنتظر السعودية وحلفائها حدوثه لبدء محادثات سياسية من موقع قوة يُمكنها من فرض خياراتها وشروطها. من المؤكد أن خسارة معركة تعز سيكون لها انعكاسات سياسية على العملية السياسية المرتقبة في جنيف، وهو ما يفسر التقلبات في الموقف السعودي، الذي انعكس في تصريح وزير الخارجية اليمني "رياض ياسين"، عن أن ما يجري في تعز وتقدّم "أنصار الله" نحو أماكن في الجنوب يبعدان خيار الذهاب إلى محادثات سياسية. بالتزامن مع فشل قوات التحالف في تحقيق أي انتصار في معركة تعز، يأتي التنسيق لإعادة التحركات الدبلوماسية المرتبطة بالأزمة اليمنية إلى الواجهة من جديد، بعد مراوغة وتأجيل شهدتها العملية السياسية خلال الأسبوعين الماضيين من قبل التحالف السعودي، حيث أعلنت جماعة "أنصار الله" السبت الماضي، مشاركتها في مشاورات تمهيدية في سلطنة عمان قبل محادثات السلام المرتقبة في جنيف برعاية الأممالمتحدة للتوصل إلى تسوية للأزمة اليمنية، وقال المتحدث باسم الجماعة "محمد عبد السلام"، "نحرص أن يكون حوارًا جادًا وبنّاء ومسئولًا يفضي عن يقين إلى وقف العدوان وفك الحصار وإحياء العملية السياسية"، وبناءً على هذا الإعلان غادر وفد حركة "أنصار الله" إلى العاصمة العمانيةمسقط، برفقة وفد من حزب "المؤتمر الشعبي العام"، للقاء المبعوث الدولي "إسماعيل ولد الشيخ".