ونحن على أبواب عامٍ جديد، يدخل قطاع غزة المحاصر في أزمات قد تجعل هذا المكان الصغير غير قابل للحياة. فما بين حصار إسرائيلي وانقسام فلسطيني داخلي، تُهمَل أزمات حقيقية في ظل تحذيرات جادة، شأنها أن تجعل الحياة البائسة للمواطنين أكثر بؤسًا وانعداماً للشعور بالحياة. واستنادا لتقرير صادر عن الأممالمتحدة في مؤتمرها السنوي للتجارة والتنمية "أونكتاد"، فإن القطاع قد يصبح غير قابل للحياة بحلول خمسة أعوام قادمة، حيث حذر من معاناة المواطنين من نقص في الأمن الغذائي والسكني والمياه والكهرباء. غير أن أخطر هذه المشكلات هو شُحُّ المياه الصالحة للشرب؛ نتيجة انحصار الآبار الجوفية وتلوثها وتسرب مياه البحر المالحة لها. وما تذكره البديل في هذا التقرير يؤكد أن وضع المياه في قطاع غزة قد يودي بالفعل بحياة المواطنين؛ حيث جعل الله من الماء كل شيء حي. منذر شبلاق، مدير عام مصلحة مياه الساحل في قطاع غزة، خرج بتصريحات صادمة، تعكس المأساة الحقيقية للمياه في قطاع غزة، حيث قال إن العام الجديد سيكون قاسياً على المواطنين؛ نتيجة عجز كبير في الخزانات الجوفية على توفير المياه الصالحة للناس، إلا حال وَضْعِ مخطط استراتيجي عاجل؛ ليعزز الحفاظ على المياه الجوفية. وأشار إلى أن 95% من المياه التي يتم إنتاجها في قطاع غزة غير صالحة للاستعمال الآدمي، أما ال 5% المتبقية فإن الكثافة السكانية الهائلة في القطاع قد تؤدي إلى تلاشيها في السنوات القليلة المقبلة. ويعاني المواطن في قطاع غزة من نقص بمقدار النصف في المياه بحسب التقديرات العالمية؛ حيث تحدد المعدلات العالمية 150 لترًا من المياه للاستخدام اليومي للفرد، فيما يستخدم الفرد في قطاع غزة 80 لتراً فقط. ويحتاج القطاع إلى حوالي 180 مليون متر مكعب من المياه في العام، في حين يصل تخزين الآبار الجوفية ل 80 مليون متر مكعب فقط؛ ما يسبب عجزاً بمقدار 100 مليون متر مكعب في العام الواحد، الأمر الذي يؤدي لعدم اتزان في ميزان المياه في القطاع؛ نتيجة لزيادة السحب في المياه، يقابله نقص في تجميع مياه الأمطار أو معالجة مياه الصرف الصحي. مياه البحر تصل البيوت أفاد المواطن أكرم الكحلوت ل "البديل" أن المياه التي تصلهم للبيت هي مياه أملح من مياه البحر نفسه، مستنداً للونها المصفر، وطعمها اللاذع، وأحياناً اتساخها. مؤكداً أنه لا يستطيع استخدامها للشرب أو للاستحمام، وأنه يعتمد بشكل كلي على المياه المحلاة من محطات التحلية المنتشرة بكثرة في قطاع غزة، وحتى دون تراخيص؛ نتيجة للأزمة الطاحنة في قطاع المياه. وتتفاقم أزمة ملوحة المياه في القطاع نتيجة تسرب مياه البحر الأبيض المتوسط للخزانات الجوفية، وساعد عدم اتزان السحب من الخزانات الجوفية بالتخزين فيها إلى امتداد مياه البحر واختلاطها بالمياه الجوفية على عمق 2 كيلو متر في قطاع غزة. محطات وآبار خاصة تنتشر في قطاع غزة محطات لتحلية المياه غير مرخصة من وزارة الصحة وسلطة المياه، وهو ما أكده شبلاق بقوله إن أكثر من 400 وحدة تحلية تتوزع على قطاع غزة دون أي رقابة عليها، ما يدل على استغناء الناس عن مياه البلدية، واعتمادهم على المياه التي يشترونها. يشار إلى أن باعة المياه المحلاة أو المفلترة ينتشرون في قطاع غزة بشكل كثيف، ويمتلكون عربات بموسيقى خاصة، ما إن يسمعها المواطنون، حتى ينهالوا عليها لتعبئة مياه الشرب أو تعبئة الخزانات أحياناَ. ويقول المواطن أحمد داوود إن مشكلة المياه، التي كانت لا تصلح حتى لري محاصيله الزراعية في أرضه الخاصة، اضطرته لحفر بئر خاصة في أرضه، رغم تكلفتها العالية، حتى استغنى عن مياه البلدية بشكل نهائي. ويعتبر حفر الآبار ظاهرة منتشرة لدى العديد من أصحاب الأراضي الزراعية، ما يساعد في سحب مياه الخزانات الجوفية. ويحذو هذا النهج عدد كبير من المواطنين القادرين ماديًّا على حفر آبارهم الخاصة في القطاع، أما دور البلدية فإنه يقتصر على فرض الضرائب! استدراك الأزمة بدأت أفكار تحلية مياه البحر حيز التنفيذ مؤخراً؛ للمساعدة في التخفيف من أزمة المياه في قطاع غزة، إلا أن شبلاق يؤكد أنها لا تكفي وحدها. مشيراً إلى أن القطاع بحاجة لمحطات تعيد تحلية مياه الصرف الصحي وتجميع مياه الأمطار، وغيرهما من المشاريع التي تساعد في التخفيف من استخدام مياه الخزانات الجوفية؛ لإعادتها لوضعها الطبيعي. وفي ظل هذا النقص كان خيار استيراد المياه مطروحًا وبقوة لدى المعنيين، الأمر الذي يجعل الفلسطينيين في أحد أقدس البلدان وأكثرها بركة يستوردون مصادر حياتهم. فهل ستستيقظ الحكومات وأصحاب الأموال في قطاع غزة لاستدراك هذه الأزمة الخطيرة، أم أنهم سينتظرون انتهاء الحياة؟!