تتوالى الأزمات التي تعصف بقطاع غزة واحدة تلو الأخرى، فلم تنتهي بعد أزمة الكهرباء التي ضربت القطاع منذ تسع سنوات، ولا مشكلة المعابر المغلقة، ولم تبدأ حركة الإعمار المفترض تنفيذها عقب الحرب الأخيرة على القطاع، أما أزمة البطالة.. فهي في ارتفاع مستمر بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض علي المواطنين في المدينة. "المياه شديدة الملوحة التي تصل إلى البيوت"عقبة جديدة ظهرت لتؤرق حياة المواطنين بشكل كبير ولتؤثر على حياتهم في كل يوم، بل وفي كل لحظة.ازدادت شكاوى المواطنين، ولكن ما من مجيب يرد على هذه الشكاوى أو يجد لها حلولاً ممكنة. منىسالم ربة منزل تقطن في حي الرمال غرب مدينة غزة تقول للبديل: "المياه التي تصل للبيت لا تصلح للاستخدام الآدمي بأيِّ شكلٍ من الأشكال". وتضيف: "أشعر في بعض الأحيان بأنَّ المياه قادمة من البحر إلى البيت مباشرة من شدة ملوحتها وتصل المياه في أغلب الأوقات بهذا الشكل، ولذلك ألجأ إلى استخدام المياه العذبة التي نقوم بشرائها من المحلات، أستخدمها في كل الأمور لأنني أخاف علي أطفالي من المرض" وتابعت سالم قولها: "هذه المياه مليئة بالميكروبات والجراثيم ولذلك فمن المؤكد أنَّ استخدامها سيصيب الكبار قبل الصغار بالأمراض، هذا ما يجعلني أحرص على ألا أستخدمها بشكلٍ مطلق". رانيا عماد تعاني من نفس المشكلة وتتساءل: "هل تصل هذه المياه إلى بيوت المسؤولين؟ فعلى الأغلب لا.. لأنها لو كانت تصل لهم لعملوا على حلها بشكلٍ سريع". وأردفت السيدة رانيا:"في كلِّ صباح أشعر بالمعاناة، فأنا لا أقدر على غسل وجهي بهذه المياه ولو استخدمتها فأني أشعر بحرقة بالعنيين وعند استخدام هذه المياه في الاستحمام فإنك تشعر بطبقة من الملح تكسو جسمك، ناهيك عن مشاكل الشعر التي لا عد لها ولا حصر". وتتابع: "عندما تصل مياه البلدية إلى المنزل، نعمل على تذوق رشفة منها، فإن كانت مالحة لا نقوم بتعبئة خزانات المياه حتى لا نعاني من هذه المياه التي لا نأخد شيئا منها سوى الضرر". استمرت جولة طاقم البديل حتى وصل لبيت(أبو محمد)، وعندما سألناه عن وضع المياه في بيته؛ قال: "سأدع حنفية المياه ترد عليكم". وعندما قام بفتح حنفية المياه فإذا هي صفراء معكرة. وقال:"لا أعتقد أنَّ هذه مياه آبار صحيَّة، فربَّما هي مياه صرف صحي تصل للمنازل. واستمر أبو محمد في الحديث قائلاً: "المياه تأتي مرتين أو ثلاث أسبوعيًّا تكون بهذا الشكل. خزانات المياه أصبحت بها طبقة من الملح ناتجة عن ترسب المياه وجهاز فلتر المياه الموجود بالمنزل لا يستطيع تنقية هذه المياه حتى لو فلترها فأنها تبقي مالحة. ناهيك عن غسالة الملابس وأعطالها وتضرر شبكة المياه من المواسير والحنفيات نتيجة هذه المياه". واختتم أبو محمد مشاركته بالحديث عن فصل الصيف الذي يزداد فيه الطلب على المياه ولكن إن بقيت بهذا الشكل فأن تبقى المياه منقطعة أفضل من أن تصل لهم على هذا الحال. ولمعرفة رأي المسؤوليين كان للبديل لقاء مع المهندسمنذر عيسى شبلاق مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل والذي أكَّد بأنَّ الوضع المائي في قطاع غزة سيء جداً وقال تقريبا 97% من مياه قطاع غزة غير صالحة للاستهلاك البشري. وذلك بسبب صغر المساحة والكثافة السكانية العالية، ووجود مصدر مائي وحيد وهو الخزان الجوفي الذي لا تتجاوز طاقته الإنتاجيه 55 مليون متر مكعب سنويًّا. وحاجة القطاع تقدر ب 180 مليون متر مكعب سنويًّا للاستخدام المنزلي والزراعي والعجز السنوي تقريبا 100 مليون متر مكعب، ونظراً لنقص المياه في الخزان الجوفي فإنَّ ذلك يؤدي إلى حدوث ظاهرة تداخل مياه البحر مكان المياه في الخزان الجوفي، ما يؤدي إلى زيادة ملوحة المياه. هذاوقد أصبحت الآبار القريبة من الساحل تشهد نسبة ارتفاع كبير في معدل الكلورايد؛ ليصل في بعض المناطق إلى 1500 ملجم في اللتر، في حين يجب ألا يتجاوز معدله 250 ملجم في اللتر. وحول ملوحة المياه التي تصل للمنازل قال شبلاق:"نقص المياه في الخزان الجوفي يؤدي إلى حدوث ظاهرة تداخل مياه البحر مكان المياه في الخزان الجوفي، ما يؤدي إلى زيادة ملوحة المياه. بالإضافةإلى مياه الصرف الصحي غير المعالجة والمستخدمة بطرق غير سليمة واستخدام المبيدات الحشرية وكذلك ارتفاع معدل النترات الذي لابد أن يكون معدله حسب المعايير الدولية من 50 إلى 70 ملجم في اللتر حيث وصل في قطاع غزة إلى خمس أضعاف المعدل الطبيعي". أما عن الحلول الممكنة، فقد أفاد شراب: "في ظلِّ الاعتماد على الخزان الجوفي كمصدر مائي وحيد في قطاع غزة فإنَّ مصلحة المياه تعمل على إيجاد مصدر مائي بديل وهو الاتجاه لتحلية مياه البحر وبالفعل قد تمَّإنشاء محطة لتحلية مياه البحر وهي جاهزة الآن وتغذي السكان في المنطقه الوسطى بالمنطقه الواقع بين دير البلح والزوايده والتي تم توسعتها لتصل من 600 كوبفي اليوم إلى 2600 كوب في اليوم وجاري البحث عن تمويل إضافي كي تصل طاقة المحطة الانتاجيه لتصل إلى 5000 كوب في اليوم. وأيضا جاري العمل الآن على إنشاء المحطة المركزية لتحلية مياه البحر في المنطقة الواقعه بين مدينة القرارة بمحافظة خانيونس ودير البلح على شاطئ البحر وتصل القدرة الإنتاجية لتلك المحطة 20000 "عشرين ألف متر مكعب" باليوم وتم البناء والآن في مرحلة نقترب من مرحلة التشغيل بنهاية عام 2016. وجاري العمل على إنشاء محطة لتحلية مياه البحر ثالثة في مدينة غزة وهي في مرحلة التصميم والإنشاء لإنتاج 10000 متر مكعب في اليوم لتخدم حوالي 220000 مواطن في مدينة غزة". من المتوقع أن تصبح هذه المحطات جاهزة للعمل في العام 2016 وبذلك سيكون قد يكون هناك مصير مائي يمكن الإعتماد عليه في المستقبل في ظلِّ هذه الظروف الصعبة التي يمر بها أبناء الشعب الفلسطيني. يذكر أنَّ المهندس شراب قد أكَّد على أنَّ جميع المشاريع سيكون من الصعب لها أن ترى النور في ظل الأوضاع السايسية الراهنة وتوقف كافة أشكال الإعمار والإصلاح، وانقطاع التيار الكهربائي والعراقيل التي يضعها الاحتلال بشكل مستمر أمام هذه المشاريع وأمام حياة الفلسطينيين على وجه العموم.