انطلقت اليوم في العاصمة السعودية الرياض أعمال مؤتمر توحيد المعارضة السورية على وثيقة سياسية مشتركة، لمفاوضة وفد الحكومة السورية في مباحثات "جنيف 3″ المقرر عقدها في يناير المقبل. وتشكل أزمة توحيد المعارضة السورية معضلة في حد ذاته، حيث انقسمت إلى معارضات كثيرة لكل منها تمويله الخاص وأجندته واستراتيجيته، ويمكن تقسيمها الأزمة ثلاثة مستويات، المستوى الأول يدور حول خلافات المعارضة السورية، ويضمن خلاف بين الكتل التمثيلية للمعارضة على الممثل الشرعي للمعارضة السورية، خصوصًا بين الائتلاف وهيئة التنسيق، فالائتلاف يعتبر نفسه الممثل الشرعي للمعارضة السورية ويستند إلى ذلك لاعتراف 123 دولة به في الخارج، وبالتالي لا يقبل له أي منافسة من باقي المعارضات السورية، بينما ترفض هيئة التنسيق استحواذ الائتلاف على نصيب الأسد، بدعوى أن الائتلاف لا يمثل جميع أطياف المعارضة، فضلًا عن فشله في توحيد نفسه وتوسيع دائرة تمثيله، كما أن ارتباطه بتركيا يجعل تقبله من المعارضات السورية المدعومة من جهات إقليمية أخرى كالسعودية وقطر أمرًا غير مستساغ، فالسعي لتقاسم الحصص بالتساوي بين الائتلاف والهيئة في الحصول على تمثيل متساوي للوفد المفاوض للحكومة السورية يعكس هذا الخلاف. كما تعتبر علاقة حركة «أحرار الشام» مع «الائتلاف» أيضًا دليلًا على صعوبة التوافق بين الأحزاب المعارضة، فقد كانت الحركة من أولى الفصائل التي رفضت تشكيل «الائتلاف السوري» وسعت إلى محاربته. ويشمل ثاني هذه الخلافات بين أعضاء الحزب الواحد، المكونات السورية المعارضة ضمن الحزب أو الحركة الواحدة، الذي أدى اختلافها فيما بعضها بعضًا إلى تقسيمها وتشتتها، كما حدث مع هيئة التنسيق حين أعلن هيثم مناع انشقاقه عنها، وشكل تيار "قمح" الجديد، وما يجري الآن مع الائتلاف نفسه، فخلال الأيام الماضية قدم خالد خوجة رئيس الائتلاف لائحة أسماء للرياض، في الوقت الذي قدمت الهيئة السياسية لائحة أخرى، ولحل المشكلة رفعت السعودية حصص التمثيل لكل المشاركين. جدير بالذكر أن حركة أحرار الشام المعارضة المدعوة للمؤتمر تتقاسمها عدة تيارات متباينة، هي «التيار الإصلاحي»، الخاضع لوصاية قطرية تركية شبه كاملة، و«التيار القاعدي» الذي يرفض أي حل إلَّا على قاعدة تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها، و«التيار الثالث» الذي يبدو أقرب إلى خط «الإخوان المسلمين» ومستعد لتقديم تنازلات كبيرة لإرضاء الإرادة الإقليمية والدولية. ويتمثل الخلاف الثالث في استبعاد قوى سورية معارضة من المؤتمر، حيث استبعدت الرياض قوى سياسية تعتبر نفسها من مكونات المعارضة مثل الاتحاد الديمقراطي الكردي، الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير، المنبر الديمقراطي، حركة المجتمع التعددي، مما يؤدي بالضرورة إلى تغير في خاطة المعارضة على الأرض، وستكون لذلك انعكاسات خطيرة على خارطة القوى السياسية المشكلة للمعارضة. أما المستوى الثاني من تقسيم الأزمة فهو عدم التوافق على آلية الحل للأزمة في سوريا.. عدم التوصل إلى حل سياسي بين الفصيلين، رغم التوافق الكبير في وثائقهما، فوثيقة المبادئ الأساسية للائتلاف تتطابق إلى حد كبير مع خارطة الطريق التي خرج بها "إعلان القاهرة"، وكانت هيئة التنسيق أحد مكوناته الرئيسة، لكن في الأوان الأخير بدأت هيئة التنسيق تميل إلى الطرح الروسي، على صعيد إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب، وعلى صعيد عقدة الأسد والقبول به في المرحلة الانتقالية، فضلًا عن تأييدها لمخرجات "فيينا 2″ الذي رفضه الائتلاف وأصر على اعتماد القرار الدولي 2118 كأساس للحل. والمسودة التي قدمها الائتلاف لمؤتمر الرياض واضحة، «مرجعية العملية السياسية في سوريا هي بيان جنيف 30 حزيران 2012 الذي صادق عليها مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2118 الذي نَصّ بصراحة على أن هذه العملية تبدأ بتشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية كاملة الصلاحيات». وهذه النقطة ستشكل خلافًا حادًّا بين الجانبين في ظل إصرار الائتلاف على مواقفه في ضرورة ألا يكون للأسد دور في المرحلة الانتقالية، وهو الموقف الذي يتطابق مع السعودية وتركيا وقطر. وويدور المستوى الثالث حول تصفية الحسابات بين الفصائل المسلحة. فبعد دعوة السعودية لأحرار الشام لحضور مؤتمر الرياض تُسلط الأضواء حاليًا على موقف جبهة النصرة المنخرطة ميدانيًّا مع أحرار الشام في سوريا، وتدل المؤشرات الأولى إلى أنه سيشكل منعطفًا حاسمًا في علاقة التنظيمين مع بعضهما، وقد يؤدي إلى تغييرات جذرية في طبيعة التحالفات العسكرية على الأرض، خصوصًا بأن جبهة النصرة تعتبر حاليًا جبهة إرهابية، وعلى جميع الفصائل المسلحة السورية المشاركة في مؤتمر الرياض، وتوجيه الرصاص عليها في المرحلة المقبلة للقضاء على الإرهاب، فالطريقة التي ستعالج به حركة أحرار الشام هذه المشكلة مهمة؛ لأنها لن تؤثر فقط على علاقة الحركة مع بعض التنظيمات الأخرى فحسب، بل سيكون لها ارتدادات داخل الحركة نفسها؛ نظراً لاحتوائها على تيارات داخلية بعضًا مؤيد والآخر معارض لجبهة النصرة. بناء على ذلك، فمن السابق لأوانه الحديث عن نجاح السعودية في توحيد المعارضة السورية، حتى ولو خرجت الرياض بوثيقة تفاهم، فمثل هذه الوثيقة سرعان ما ستنهار أمام أي منعطف، فالمسألة ليست متعلقة بإنشاء وفد معارض موحد لمفاوضة النظام، بحيث إذا ما انهارت المفاوضات انهار معها هذا الوفد، المسألة مرتبطة بمواقف واضحة للحل السياسي، بعيدًا عن المصالح الجانبية لجميع الأطراف، لاسيما الفصيلين السياسيين الأكبر، فضلًا عن التغيرات التي طرأت مؤخرًا بين الدول العالمية والإقليمية التي ستلقي بظلالها على مؤتمر جنيف كالخلاف الروسي التركي حول إسقاط الأخيرة للطائرة الروسية.