يبدو أن المتضرر الأول من الأحداث الإرهابية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط قطاع السياحة، فبعد ازدياد وتيرة العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، خاصة ببلدان شهدت استقرارًا نسبيًا كمصر ولبنانوتونس، بدأت تلك العمليات تلقي بظلالها الداكنة على القطاع السياحي في البلاد العربية، وبالرغم من أن الإرهاب أصبح ظاهرة دولية وليس هناك بلد حاليا في مأمن منه، إلا أن خسائر الدول العربية كانت هائلة خاصة في البلاد التي تعتمد بشكل أساسي على السياحة. بعد سقوط الطائرة الروسية في مصر، ثم إسقاط طائرة أخرى بتركيا، مما أدى لوقف تدفق 5 ملايين سائح روسي للبلدين، وهجمات لبنان، والأحداث الدموية في عدة مناطق سياحية في تونس، وفي ظل تدمير تنظيم داعش للإرث الحضاري بسوريا والعراق، فإن السائح الأجنبي وربما العربي أيضا يفكر مرتين قبل أن يقرر السفر. رصد موقع "مودي ريبورت" البريطاني، المعني بالسفر والرحلات، تأثر بعض وكالات السفر حول العالم سواء بالإيجاب أو السلب بعد الحوادث الإرهابية الأخيرة والأزمات السياسية، وأوضح الموقع، أن إسقاط المقاتلة الروسية على الحدود السورية التركية وطائرة الركاب في سيناء والعمليات الإرهابية في تونسولبنان، ضرب السياحة في تلك الدول. ولفت الموقع إلى تراجع أعداد السياح في منتجع شرم الشيخ بعد تعليق روسيا رحلاتها الجوية لمصر، كما أن قطاع السياحة في تونس تضرر كثيرًا بعد مقتل 38 شخصا بمنتجع سوسة، يونيو الماضي، وتؤكد الدراسات الاستشرافية الصادرة عن مؤسسات الدراسات الاستراتيجية الإقليمية والدولية أن "الانكماش الاقتصادي" والأزمات السياحية والسياسية والاجتماعية والأمنية توشك أن تستفحل في بلدان عديدة بالمنطقة، من بينها تونس ومصر وتركياولبنان. قطاع السياحة في مصر على الرغم من أن مصر شهدت هدوءً نسبيًا حتى الشهور الستة الأول من العام الجاري، دخلت صيفًا ساخنًا بسلسلة هجمات إرهابية منها مقتل النائب العام "هشام بركات" يوليو الماضي، وتلاها هجمات الشيخ زويد "المدينة الحدودية" التي استمرت قرب 5 ساعات، ثم خطف وقتل الرهينة الكرواتي شرق القاهرة أغسطس الماضي، وتفجير القنصلية الإيطالية، والآن تنسب داعش إلى نفسها المسئولية عن تحطم الطائرة الروسية في سيناء بعد المغادرة من شرم الشيخ. وذكر وزير السياحة، هشام زعزوع، أن حظر الطيران المفروض من قبل المملكة المتحدةوروسيا ودول أوروبية أخرى كبد السياحة المصرية خسائر بلغت 280 مليون دولار شهريا، هذه الأرقام، كما صرّح "حسين فوزي" رئيس غرفة السياحة في المنطقة ل "أسوشيتد برس"، أنه لا يقل عن 40٪ من الزبائن غادروا منتجع شرم الشيخ، فضلًا عن إلغاء 80٪ من الحجوزات لشرم الشيخ. قطاع السياحة في تونس لم يتعافى الاقتصاد التونسي بعد من تداعيات الضربات الإرهابية المتتالية، ليتلقّى ضربة جديدة وصفها الخبراء الأمنيون بأنها الأكثر وجعا بعد تفجير حافلة كانت تقل أفراداً تابعين لمؤسسة رئاسة الجمهورية على بُعد أمتار من وزارتي الداخلية والسياحة بقلب العاصمة، العملية الإرهابية التي خلّفت 13 قتيلا اعتبرها الخبراء الاقتصاديون التونسيون بأنها حلقة جديدة في إطار مخطط إرهابي يهدف إلى إيصال الدولة لمرحلة العجز التام حتى يسهل التمكّن منها. وأعلن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تفعيل حالة الطوارئ في البلاد وحظر التجوّل في العاصمة ليلا لمدة ثلاثين يوما تحسبا لأي عملية إرهابية أخرى، كما قررت الحكومة رفع درجة التأهب في الموانئ البحرية والجوية مع وضع كل عمليات التصدير والتوريد تحت الرقابة المشددة خوفا من تسرب الإرهابيين أو الأسلحة للبلاد. وحسب الوكالات العالمية تحتل "تونس" دائما مكانة بين أفضل 50 وجهة سياحية بالعالم، انحسرت هذا العام بنسبة 26.3٪، حيث تلقت بالفعل ضربة قاسية السياحة بعد الهجوم على متحف باردو في 18 مارس، ثم تفاقمت أيضا بسبب هجوم ثان يونيو بمنتجع سوسة ليوجه الضربة القاضية للسياحة، تأتي العملية الإرهابية الجديدة في الوقت الذي كانت تستعد فيه تونس للخروج إلى الأسواق العالمية لطلب قروض جديدة دون ضمانات بعد التحسّن الطفيف للوضع الأمني وتحقيق نجاحات أمنية كانت الحكومة تنوي استثمارها في إقناع المؤسسات المالية بضخ أموال جديدة في الاقتصاد الذي يعاني من الانكماش منذ ما يزيد عن الستة أشهر. ضرب سياحة لبنان تبرز تداعيات اقتصادية كثيرة للإرهاب في لبنان، ومنها ما يؤثر على السياحة والاستثمارات، بعد هذه الموجة الإرهابية التي تضرب لبنان والعالم، التفجيرات ببرج البراجنة بالعاصمة بيروت، قد يكون أثرها واضحًا في لبنان على السياحة والزيارات المتوقعة للبنان، وكذلك على الاستهلاك، من خلال تخفيف اللبنانيين مصروفهم. وقال خبراء الاقتصاد إن ظهر ذلك في المجمعات التجارية، قبل فترة أعياد نهاية العام، فهذه العمليات الإرهابية تؤثر على الاستثمارات، ويؤكد الخبراء أنه ومن المهم طمأنة العالم إلى أن الأمور قد هدأت في لبنان، وهي تحت السيطرة، ولن تحدث أمور من هذا النوع مجددًا. تركيا والعقوبات الروسية كانت السياحة أبرز القطاعات التي استخدمتها روسيا للرد على إسقاط طائرتها الحربية عبر تركيا التي تستقبل نحو 4.4 ملايين سائح روسي سنوياً، حسب الإحصائيات الرسمية، وفي إطار التصعيد، ركزت تصريحات المسئولين بروسيا على توجيه مواطنيهم إلى عدم زيارة تركيا، ما دفع الكثير من شركات السياحة لوقف حجز الرحلات إلى أنقرة، تحسباً لتطور الموقف وإعلان حظر الرحلات الجوية، ما سبب خسائر مباشرة للقطاع السياحي التركي. أوصى اتحاد السياحة الروسي، الشركات العاملة في قطاع السياحة في روسيا بوقف بيع تذاكر الرحلات السياحية إلى تركيا، حسب موقع روسيا اليوم، وأعلنت شركة "نتاليا تورس" كبرى الشركات السياحية الروسية العاملة إيقاف بيع تذاكر الرحلات السياحية إلى تركيا ابتداء من الجمعة الماضية، وأرجع بيان الشركة الروسية السبب إلى "الوضع السياسي غير المستقر، وتطبيقاً للتدابير التي اتخذتها الحكومة لضمان أمن المواطنين الروس". دعا نائب رئيس مجلس النواب الروسي "الدوما"، نيكولاي ليفيتشيف، إدارة الوكالة الفدرالية الروسية للنقل الجوي النظر في إمكانية وقف رحلات الطيران من وإلى تركيا. من جانبهم، توقع محللون اقتصاديون أتراك، تعرض القطاع السياحي لخسائر بسبب الأزمة، إلا أنهم أكدوا على أن التصعيد الاقتصادي من الجانب الروسي سيكون مؤقتاً لأن تركيا المنفذ التجاري الأهم لروسيا بالمنطقة بعد العقوبات الاقتصادية الأمريكية.