كان مقتل خالد سعيد قبل ثورة يناير حدثًا خطيرًا انشغل به الجميع إلى درجة أن صار منزله مزارا يوميا للنشطاء وكبار الساسة ونجوم الفضائيات ورواد صفحات التواصل الاجتماعي، وسجلت صفحة "كلنا خالد سعيد" معدلات مشاركة عالية إلى أن صار أيقونة الثورة المصرية، ونموذجاً لكل قتيل علي يد الشرطة المصرية. تكرر حادث خالد سعيد مرات كثيرة بعد يناير 2011 بنفس الطريقة تقريبا في القتل، آخرها حادث مقتل #طلعت_شبيب، لكنها جميعا لم تبرز في ساحة النشاط الثوري والتفاعل الشعبي بنفس القدر، فما الذي حدث؟ هل اعتدنا التعذيب والقتل في معتقلات النظام؟ أم صار الموت حدث يومي عادي ؟؟ أم كانت هناك دوافع خفية وراء تضخيم حادثة مقتل خالد سعيد نفسه ؟؟ أم ماذا؟ غياب ردود الأفعال القوية تجاه مقتل شخص في قسم شرطة أو معتقل لن يؤدي إلى اختفاء الظاهرة، أو الحد منها، بل سيدفع نحو مزيد من ارتكاب جرائم القتل والتعذيب تجاه المواطنين أفرادا وجماعات لأسباب سياسية، وربما بعد ذلك تتم لأسباب اجتماعية، ويتحول جهاز الشرطة في مصر من سلطة قمع إلى سلطة قهر اجتماعي، ينشغل بقضايا التربية العامة في الشارع لفتاة تمشي بدون غطاء رأس أو ترتدي زيا غير مناسب اجتماعيا أو لشاب تناقش بحدة مع عامل في محطة بنزين تابعة للجيش أو فتي تعامل بشقاوة في قاعة أفراح …إلخ. القتل هو آخر حجر في هرم التعذيب، فمن بين عشرات الأفراد الذين يتعرضون للتعذيب يموت أحدهم، ما يعني أن وراء كل قتيل هناك عشرات المواطنين الذين يتلقون تعذيبا "ممنهجًا"، وبالتالي فنحن أمام ظاهرة وليس حدثا فرديا، ظاهرة يصح أن نصفها بأنها من مخلفات القرون الوسطى، حينما كان الناس يعاقبون علي آرائهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية والدينية..وهو ما يعني أيضا أن مثل هذه الممارسات تفصل بيننا ودولة القانون التي هي أساس المواطنة، وبالتالي حجر الزاوية في بناء وطن بالمعني والمضمون، وليس بالحدود والأسلاك الشائكة. وجريمة مقتل طلعت شبيب هي أكثر تعقيدا من جريمة مقتل خالد سعيد ، إذ أن حادثة الأقصر تمت في مجتمع معروف عنه تقسيماته القبلية فطلعت من أبناء منطقة العوامية التي كان لها مشكلة سابقة مع الشرطة المصرية قبل يناير 2011، وهو بائع لورق البردي أمام معبد الكرنك، ثم توقف نشاطه؛ بسبب كساد السياحة، فصار عاطلا عن العمل. والحادثة تمت في بلد سياحي له مواصفات خاصة، وبالتالي ستكون كل مؤسسات الدولة هناك علي قدر من الوعي بطبيعة المدينة، ما يعني أن رجل الشرطة نفسه ينبغي أن يدرك طبيعة الاختلاف بين الأقصر وغيرها من المدن.كل هذا غاب عن جهاز الشرطة وتصرفوا بنفس منطق مدرسة حبيب العادلي وكأن شيئا لم يكن. الأمر الذي لفت نظري، لماذا يفكر هؤلاء القتلة بنفس الطريقة السابقة ؟؟ ليس لدي من إجابة سوى أن المشكلة ليست فيهم فقط، لكنها في هؤلاء الذين قدموا لهم مبررات كافية لاعتبار ثورة يناير تخريب ودمار حل علي البلد، وأن كل النشطاء هم مجموعة من المرتزقة، وأن الدعوة إلى الثورة تعني التخريب. فإذا كان رجال الشرطة قتلة فإن دعاة القتل والمحرضين عليه هم هؤلاء الذين لم يرتدوا زيا شرطيا مدي حياتهم، لكنهم ارتدوا ثوب التحريض على قتل كل من يرفع يده بعلامة النصر أو يكتب اعتراض علي هزيمة النظام يوم 28 يناير. … ما بين خالد سعيد وطلعت شبيب ، جري في النهر ماء كثير..وسبحت سفن عديدة، أهمها سفينة الوطن التي تحمل علي متنها مخلفات النظام المصري البائد لتعيده مرة أخرى إلى قصر الاتحادية … والبقية في حياتكم، في طلعت شبيب ورفاقه ضحايا بطش النظام المصري الذين ماتوا والذين ينتظرون مصيرهم.