من أهم المؤشرات الدالة على حكم العسكر أنه لا يستوعب دروس الماضي، ويكرر نفس الأخطاء دون تعديل أو رتوش، حتى يبدو المشهد صورة كربونية من حدث جرى بالأمس القريب، أو ربما هو امتداد لسيناريو كتب على الشعب المصري أن يعيشه أو يتعايش معه ضمن روتين الحياة اليومية بواقعه المرير. غير أن دولة العسكر لم تعرف عبر تاريخها الطويل والممتد قرابة 60 عامًا في تاريخ مصر، سوى إشاعة حالة من القمع والعنصرية داخل المجتمع وتصنيف المواطنين إلى أصحاب الدولة المكون من ثالوث السلطة "جيش وشرطة وشامخ" وبنسب متفاوتة في النفوذ والتسلط ومن دار في فلكهم وخدم على مصالحهم من رجال المال والإعلام، وعلى هامش الأحداث يقبع في ركن عامة الشعب ممن كتب عليهم أن يسكنوا الصمت أو ينالهم نصيب من التعذيب والتنكيل حال الخروج على النص. المشهد لا يبدو مستغربًا؛ فسلخانات العسكر على مر العصور لم تعد أمرًا سريًا أو خافيًا على أحد، والأسماء تتعدد عبر العصور منذ صرخة الستينيات "إحنا بتوع الأتوبيس"، مرورًا ب"انتفاضة الحرمية"، وحتى سيد بلال وخالد سعيد، حتى وصل قطار التعذيب والقتل خارج القانون إلى محطة الأقصر التي أعلنت عن آخر ضحايا دولة الانقلاب "طلعت شبيب". ولمن تناسى حادثة مقتل خالد سعيد على سواحل الإسكندرية قبل 5 سنوات، يمكنه أن يشاهد صورة كربونية من المشهد دون رتوش أو إجراء في سيناريو الأحداث، حيث قامت أجهزة أمن العسكر باختطاف المواطن شبيب من أحد مقاهي المدينة الأثرية، لتنهال عليه بوصلة تعذيب فاشية تجسد وحشية النظام العسكري وسادية قواده، قبل أن يخرج بعد ساعات قلائل جثة هامدة، وفى الخلفية يتردد ذات الصوت القبيح من مليشيات الداخلية بأنه متورط في تعاطي مخدرات. هو بالضبط ما جرى في عروس البحر المتوسط أواخر عام 2010، عندما قرر الشاب المصري خالد سعيد أن يضخ دون أن يدري قليلاً من الدماء في عروق الشعب المتيبسة، ويفتح الباب أمام ثورة شعبية عارمة أطاحت برأس النظام الفاسد مبارك، غير أنها تركت الجسد لإعادة إنتاج نفسه جديد عبر الممثل العاطفي الفاشل عبدالفتاح السيسي. وبات "شبيب" أيقونة لثورة جديدة تشتعل جذوتها في الجنوب لتحرق الأخضر واليابس في دولة العسكر، ولا تبقي من عصابة الجنرالات أثرًا، ليستعيد الشعب المصري دولته من جديد، لتدشين ديمقراطية حقيقة لم يعرف لها طريق سوى في عام واحد فقط من حكم الرئيس الشرعي محمد مرسي، قبل أن تُسلب منه سريعا. #الأقصر_تشتعل ليس مجرد هاشتاج انتشر سريعًا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ليصعد إلى صدارة التريندات، وإنما هو نواة لثورة جديدة باتت تستثمر في غضب الشعب المتنامي تجاه ممارسات العسكر وغلاء الأسعار وانهيار الاقتصاد ونقص الدواء وغرق البنية التحتية وفرض الجبايات، فضلاً عن تجارة الوهم وترويج الفناكيش التي يحاول الانقلاب أن يصنع بها إنجازات وهمية لا مردود لها في الواقع الملموس. علياء محمد، غردت عبر حساب "يا وطني الضائع": "الآثار أغلى من روح البشر، وحريتهم وكرامتهم، طبعا الآثار لها يونيسكو يحميها.. #الاقصر_تشتعل"، فيما علق أحمد الشيخ على المشهد السياسي الحالي: "مجلس شعب زي 2010، وكمان خالد سعيد تاني، بس المرة دي في الأقصر.. التاريخ مش بيعيد نفسه ده بيتم استدعائه". وكتب صاحب حساب واحد من الناس: "يا مصرُ يا أمّي، ويا أمّ العرب.. ثوري فإن الأرض يُحيّيها الغضب!"، فيما سخر أحمد الصياد من أكاذيب الشرطة، قائلا: "بيقولك الشرطة سألت الشرطة إذا كانت الشرطة عذبت الناس والشرطة أنكرت.. فالشرطة أصدرت بيان تنفي فيه أي تعذيب من جهة الشرطة". وفى الوقت الذي رصدت فيه الناشطة جاسمين ما يحدث في الأقصر باعتباره ثورة قادمة من الجنوب: "وكأنها ثورة تلوح ف الأفق.. ممكن الصعيد المرة دي تكون شرارة الثورة؟ والموطن طلعت شبيب هو خالد سعيد 2015.. #الأقصر_تنتفض_ضد_الداخلية"، لخصت صاحبة حساب بنت مصر الحرة المشهد في رسالة إلى الشعب المصري على وقع الهاشتاج: " ثوروا يرحمكم الله"، وإلا فانتظر دورك في لائحة ضحايا العسكر.